غزة - أمل حبيب
في طريق عودته من المدرسة مشى نبيل الهوينا بين المحال التجارية.. يدقق النظر في ملابس الأطفال ذات الألوان البهية.. تحاول أنامله أن تلمسها وكأنه يتخيل نفسه فيها بأول أيام العيد.. ودون سابق إنذار قطع زميله أحمد أحلامه الوردية بسؤال مؤلم: اشتريت أواعي العيد؟.. أجاب نبيل: "بابا ما قبض!!".
"قبضنا يعني عيدنا".. هو شعار يرفعه الكثير من موظفي القطاع الحكومي في غزة والضفة والبلدية.. الجميع يترقب الراتب, فربات البيوت تنتظره لكسوة الصغار وعمل الحلويات, والأطفال يحلمون بالثوب الجديد.. حتى بات الراتب وكأنه العيد!!..
(الرسالة) تبحث عن إجابة لسؤالها: هل أصبحت (القبضة) هي البوصلة التي تحدد قدوم العيد؟..
انتعاشٌ للجميع
يقف الموظف الحكومي حائرا بين ما يسمع من أخبار، فتارة يتحدثون عن أزمة سيولة للحكومة وأخرى يقولون إن السلطة تعاني من عجز مالي نتيجة توقف (إسرائيل) عن تحويل العائدات الضريبية لها.. أما موظفو بلدية غزة فقصص معاناتهم ذات الفصول المتعددة لا تنتهي لسبب ما تعانيه بلديتهم من أزمة مالية منذ سنوات, ووفق البلدية فالأزمة ناتجة من عدم التزام المواطنين بدفع ما عليهم من مستلزمات.
وأمام دكانهِ في شارع عمر المختار يقف التاجر علاء وهو ينفض الغبار عن بضاعته المتكدسة ويقول: "السوق نايم (...) ملابس العيد وصلت ولكنها تنتظر القبضة", وتابع: "رغم أننا نعيش موسم العيد فإننا لن نشعر به حتى صرف رواتب الموظفين".
وليس علاء وحده المستاء من حركة البيع والشراء في أسواق القطاع, فخلال تجوال (الرسالة) في سوق البسطات بالشجاعية لفت انتباهها منظر الحلويات وأصناف الشوكولاتة المتكدسة فوق بعضها وكأنها تنتظر الفرج بأن يتذوقها أحدهم, ويقول صاحبها أبو محمود: "ما بعت ولا كيلو (...) الناس جيوبها فاضية", ولفت أبو محمود إلى أنه اكتفى هذا العام بتجهيز الشوكولاتة والحلقوم والحلويات ذوات السعر المتوسط حتى تناسب الأوضاع الاقتصادية الصعبة للكثير من العائلات, مضيفا: "الراتب يا دوب بكفي كسوة العيد والديون (...) الله يعين الناس على حالها".
وتعاني الأسواق والمحال التجارية في القطاع من حالة ركود اقتصادي وخصوصا قبل فترة صرف الرواتب, وأوضح التجار أن البيع يزداد منذ أول يوم لصرف الرواتب حتى ليلة العيد.
الموظف الحكومي محمد عبد الكريم (32 عاما) يتمنى أن يستلم راتبه قبل نهاية الأسبوع حتى يتسنى له كسوة أطفاله وشراء مستلزمات العيد من حلويات ومكسرات, وعند سؤال (الرسالة) له: "هل تشعر بأجواء العيد قبل استلام الراتب؟"، أجاب بعد أن رفع حاجبيه: "فرحة العيد مرتبطة (بالقبضة), فأنا لا أملك مصدر دخل آخر أجهز منه للعيد غير الراتب".
ويعتبر معظم أهالي القطاع من أصحاب الدخول المحدودة ويعتمدون على الراتب باعتباره المصدر الأساسي لهم.
أزمة.. ركود.. تدهور
وتنتعش الحركة التجارية الفلسطينية مع تلقي موظفي الحكومة بغزة والسلطة بالضفة والبلديات رواتبهم, ولكن وخلال الأشهر الأخيرة لوحظت حالة من الركود في الأسواق والخوف من مصير الرواتب لسبب الأزمات المالية والأوضاع السياسية الراهنة.
الموظف أحمد عبد الغني -يتقاضى راتبه من سلطة رام الله- يعيش حالة انتظار ممزوجة بقلق خوفا من تأثر (القبضة) بأزمات مالية أو سياسية أو أن يصرف له نصفه, مبينا مدى حاجته للراتب وقت العيد.
الجدير ذكره أن بسام زكارنة -رئيس نقابة الموظفين برام الله- قال في تصريح صحافي إن رواتب موظفي السلطة ستصرف في موعدها المحدد قبل عيد الأضحى.
ورغم شعور بعض الموظفين بالقلق إزاء تدهور الاوضاع فإن موظف البلدية صخر حسين (40 عاما) الذي يعيل ثمانية أفراد قال: "مع عدم انتظام رواتب البلدية فإن العيد عيد.. لازم نفرح الصغار, ولو بدي أتداين لازم أزور صلة أرحامي وأعيدهم".
ويعاني معظم موظفي بلدية غزة من حالة استياء لسبب تأخر صرف رواتبهم وتراكم مستحقاتهم من عدة أشهر.
وأبدت بلدية غزة في أحاديث صحفية -على لسان حاتم الشيخ خليل مدير العلاقات العامة- عن عزمها لصرف راتب كامل لجميع موظفيها منتصف الأسبوع الجاري قبل عيد الأضحى المبارك..
الجميع يترقب الراتب (الضيف المنتظر) حتى تنتعش الجيوب والأسواق وترتسم البسمة على الوجوه ويجتاح العيد كل بيت فلسطيني.