الرسالة نت – رائد أبو جراد
خيم الليل الدامس والسكون على المكان، فاحت أشجار البرتقال بعطرها في محيط منطقة موحشة في إحدى ثغور الرباط إلى الشرق من مدينة غزة.
لم تكن الليلة كسابقاتها فهي أولى ليالي عيد التضحية والفداء وعيد النصر والعزة، فتنافس المرابطون عليها، رغم الأعباء الكثيرة التي أحاطت بهم في أول أيام عيد الأضحى المبارك.
أضواء مدينة غزة المحتفلة بعيدين، عيد الأضحى وفرحة ذوي الأسرى بعودة فلذات أكبادهم إلى أحضانهم لم تخمد إلا في ساعات متأخرة من فجر اليوم التالي.
فرحة العيد
ومع ساعات المساء الأولى وبعد انتهاء مآذن مساجد غزة من الصدح بتكبيرات العيد بدأت جحافل "القساميين" تتوافد بخفاء وسرية للثغر المخصص لرباطها لتبدأ سهرتهم الجهادية عشاءاً وتنتهي مع بزوغ فجر أول أيام التشريق.
ويحرص رجال المقاومة "المرابطون" بشكل كبير على حراسة ثغور وحدود قطاع غزة حتى في ليالي العيد رغم أعبائه ومشقاته في النهار لاعتبار لياليه الأفضل في حراسة الأرض والديار كما يصف بعضهم.
ويطلق الفلسطينيون لقب "مرابط" على الملثمين الذين ينشغلون ليلاً في حراسة حدود قطاع غزة الشرقية والشمالية، وهم ينتمون لعدة أجنحة عسكرية تتبع مباشرة فصائل المقاومة الفلسطينية.
"الرسالة نت" عايشت أجواء ليالي العيد بصحبة المرابطين وتنقلت معهم رغم الأجواء الملبدة بطائرات الاستطلاع الإسرائيلية التي اعتاد المقاومون على سماع أصواتها، لكنهم أخذوا كافة الاحتياطات والتدابير الأمنية للابتعاد عن أنظارها، وكمنوا داخل ثغورهم متوكلين على الله في أمرهم وجهادهم.
بدأت الجولة على المرابطين .. لكن التنقل كان بحذر وحذر شديد فأصوات "الزنانات" الذي صدح في أرجاء المكان استدعى بطئ الحركة والتخفي الجيد من منظور "موت يحوم في سماء غزة".
وخلال المسير والتنقل بين الثغور صدرت أصوات خافتة عن المقاومين هنأ فيها بعضهم بعضاً بندائهم على أنفسهم باستخدام الكنية "تقبل الله منا ومنك يا أبو مصعب ... ويرد الآخر تقبل الله منكم صالح الطاعات يا أبو البراء ... على سبيل مثال عبارات التهاني التي طربت الآذان بسماعها".
وبين أغصان الأشجار في منطقة لفها الظلام الحالك تخفى أحد عناصر عز الدين القسام الذراع المسلح لحركة حماس ليستغل ليلة رباطه في أول أيام عيد الأضحى بالتهليل والتكبير اقتداءً بسنة النبي "صلى الله عليه وسلم"، كما يقول.
وبصوت غلب عليه الخشوع صدح لسان المقاوم الذي يطلق على نفسه "أبو عمر" الذي تمترس داخل أحد الكمائن مستعداً لصد أي توغل إسرائيلي للمكان الذي يحرسه "كم هو رائع أن نرابط في ليالي العيد .. في هذه الليالي فقط نجاهد أنفسنا حق الجهاد لنري الله فيها خيراً من أنفسنا اقتداءً بسنة نبينا في عيد الأضحى".
وبحسب أبو عمر – وضع على جبينه عصبة خضراء زينت بعبارات دينية يتوسطها شعار الجناح المسلح لحماس - فإن لحظات "حراسة ثغور غزة" يستغلها وأقرانه المقاومون "في طاعة الله نحرس أرضنا وأهلنا ويكون لنا نصيب من العبادات والأذكار والطاعات"، حسب تعبيره.
أجواء العيد
وفي ثغر ليس ببعيد عن الأول جلس مرابطان آخران ينتميان لكتائب القسام يتسامران فيما بينهم واصفين أجواء أول يوم في عيد الأضحى.
جلس مقاوم قسامي يتحدث إلى أحد أقرانه واصفاً أجواء العيد بدءاً من أداء سنة صلاة العيد صباح أمس ومروراً بالزيارات التي خرج فيها مصاحباً أسرته للمعايدة على أرحامه.
ودار حديث بين المقاومين تخلله عبارات التهاني والتبريكات بحلول العيد الثاني على المسلمين لكنه بحسب "القساميين" عيد مختلف عن سابقيه من الأعياد الإسلامية السالفة.
ويؤكد أبو مصعب -مقاوم كمن في منطقة تحفها أشجار الزيتون دونما أن تغفل عيناه المختفيتان أسفل لثام أسود غطى معالم وجهه عن رصد ومراقبة تحركات آليات الاحتلال- أن عيد الأضحى هذا العام يمثل فرحتين للفلسطينيين أولها فرحة الابتهاج بعيد المسلمين الثاني وأداء فريضة الحج وثانيها فرحة تنسم مئات الأسرى الحرية بعد عقود قضوها خلف قضبان الاحتلال.
ويضيف بصوت تأثر ببرودة الأجواء الشتوية "أتى العيد ووضعنا هنا على أرض فلسطين مختلف عما كان عليه، فقد حلت علينا بشريات النصر وأوفينا بعهدنا لإخواننا الأسرى وباتوا يتنسمون عبق الحرية خارج أسوار سجون الاحتلال بفضل الله وتمكينه للمقاومة".
دارت عقارب الساعة متسارعة ولف الظلام أنحاء المكان الذي كان المقاومون يفترشون فيه الأرض ليغتنم أبطال المقاومة تلك اللحظات في التهليل والتكبير والدعاء رغبة منهم في المغفرة والثواب بعدما استغلوا نهار أول أيام عيد الأضحى بطاعات لا تقل ثواباً عن حماية الثغور والذود والدفاع عن الغزيين.