غزة - أحمد الكومي
عندما سألت إحدى وسائل الإعلام الفلسطينية أحد قادة الأجهزة الأمنية بالضفة عن طفولته ومدى اهتمام عائلته بصقل شخصيته أجاب قائلا: "علمتني والدتي منذ طفولتي الحب والطيبة، فأنا لا أذكر أني نمت يوما وفي قلبي ذرة حقد على أحد".
وبخلاف ما قال حكماؤنا: "ما أشبه اليوم بالأمس" شبَّ الرجل المذكور وتجاوز عالم الطفولة وأضحى قائدا لأحد أجهزة الأمن، وبات يتلقى أوامره من القيادة العليا للسلطة وما دون ذلك يكون "نسياً منسيا"، وفي سيرة "الحقد" فما يجري بحق أنصار حماس هناك يؤكد خلاف ما علّمته إياه والدته.
ومع لقاء المصالحة بين عباس ومشعل في القاهرة وما يصاحبه من تفاؤل مشوب بالحذر أثمرت أولى نتائجه بالاتفاق على إنهاء ملف الاعتقال السياسي بين فتح وحماس يتساءل الفلسطينيون عن مدى صدق الطرفين في تطبيق ما جرى الاتفاق عليه، وهل ستخضع الأجهزة الأمنية بالضفة لرقابة المخابرات المصرية وتوجيهاتها -بصفتها الراعي الأول للمصالحة- أم سيبقى الحقد دفين صدور قادتها الأمنيين؟!.
محاولات فلسطينية
وفي ساعة إعلان وسائل الإعلام عن بدء الاجتماع الشخصي بين عباس ومشعل فاجأ رئيس المجلس التشريعي د. عزيز دويك الجميع بتحذيره من محاولات فلسطينية "أمنية" تسعى لإفشال لقاءات المصالحة ووضع العراقيل أمام تشكيل الحكومة خوفا على رواتبها.
وتأكيدا لصحة حديث دويك كشف "فتحي القرعاوي" -النائب عن كتلة التغيير والإصلاح بمدينة طولكرم- عن نية "أمنية" لدى بعض قادة أجهزة السلطة لتواصل الاعتقال السياسي والتنسيق الأمني هناك.
وقال القرعاوي في تصريحات لـ"الرسالة نت": "لقد صدر مؤخرا تصريحات مسربة عن بعض قادة الأجهزة الأمنية يعتزمون فيها استمرار اعتقال المجاهدين وضرب جهود المصالحة؛ هربا من حملة (إحالة عن العمل) التي تنوي السلطة الشروع بها فور إنهاء ملف الاعتقال السياسي والإفراج عن أنصار حماس".
واستدرك قائلا: "إذا توقف الاعتقال السياسي بالضفة فستصبح هذه الأجهزة متعطلة عن العمل، وإلزامها بتطبيق ما جرى الاتفاق عليه في القاهرة بحاجة لقرار سياسي شجاع".
ورغم ما سلف فإن النائب القرعاوي تفاءل خيرا بجهود المصالحة الفلسطينية وما تمخض عن لقاء مشعل وعباس بالقاهرة، مضيفا: "الكل يترقب ما ستؤول إليه الأوضاع خلال الأيام المقبلة، ونأمل في أن تكون وقائعا على الأرض وليس مجرد آمال".
وعن مدى استجابة أجهزة السلطة لتوجيهات المخابرات المصرية من أجل نجاح المصالحة وفق المتفق عليه ختم النائب حديثه بالقول: "لا نريد أن نستبق الأحداث ونعكر صفو أجواء التفاؤل القائمة، واللهَ نسأل أن تصحح هذه الأجهزة من سلوكها وتصرفاتها بعد المصالحة، وإن لم يجر ذلك، فلنضع أيدينا على قلوبنا".
بنية وظيفية
حركة حماس علَّقت على تصريحات نواب المجلس التشريعي بالتأكيد على سعيها المتواصل لإنهاء معضلة الاعتقال السياسي وإلزام السلطة وأجهزتها الأمنية بإغلاق هذا الملف، وتركيز الحديث على ما تبقى من ملفات عالقة.
وقد تعهدت حماس برفع القبضة الأمنية لأجهزة السلطة عن المواطن الفلسطيني، مشددة على أن الفلسفة التي ينبغي أن تبنى عليها المصالحة هي "مقاومة المحتل والوقوف في وجه الضغوط الخارجية".
وعبر الدكتور يحيى موسي -القيادي في الحركة- عن "وجهته الخاصة" إزاء ما يجري بالضفة قائلا: "لن تنجح أي مصالحة ما دام التنسيق الأمني قائما والمفاوضات مع (إسرائيل) على حالها".
وأضاف لـ"الرسالة نت": "السلطة أسيرة للمال المسيس والضغوط الخارجية ومن الصعب تطبيق إجراءات المصالحة على أرض الواقع إزاء هذه المعطيات".
وأكد أن تنفيذ ما جرى الاتفاق عليه في القاهرة -هذه المرة برعاية مصرية- بحاجة لإرادة حقيقية واضحة لدى الطرفين: فتح وحماس، مستدركا: "الأمور ليست بحاجة لتسويف إنما لنية عاجلة صادقة".
وختم موسى حديثه بالتأكيد على أن السلطة قامت على بنية وظيفية مقابل الإعالة لخدمة أهداف (إسرائيلية) بحتة"، داعيا إياها إلى تغيير عقيدتها الأمنية بما يتلاءم وجهود المصالحة اليوم، "والركون إلى الشعب الفلسطيني وفصائله المقاومة".
والأمر في نهايته يرجع إلى أمن السلطة ومدى استجابته لأوامر زعيم القيادة الفلسطينية محمود عباس الذي من المنتظر أن يصدر قرارا رسميا رئاسيا بالإفراج عن أنصار حماس وإنهاء الاعتقال السياسي، ولكن يبقى السؤال: هل يستشعر قادة الأجهزة الأمنية خطورة المرحلة المقبلة ويستجيبون لتوجيهات المخابرات المصرية، أم يغنون كل على ليلاه ككل مرة؟!.