زاهر البيك - أمينة زيارة
خلافات مستمرة.. جدل عقيم.. أطر طلابية تقف متفرجة, وغيرها تخوض منافسة محمومة لأجل كرسي المجلس وثالثة تفرض سياستها على الجامعة، ويبقى الطالب محتارا أمام هذه الخلافات والتجاذبات السياسية المنعكسة على الحياة الجامعية، فهل وجود السياسة صحي في العملية التعليمية؟ وماذا عن تطبيق وثيقة الشرف التي وقعتها الكتل الطلابية؟ وهل بات الطلبة يسيرون في نفق مظلم ؟ وهل الكتل تنفذ اجندات تنظيماتها؟ "الرسالة" وضعت هذة القضية المقلقة على طاولة البحث مع الطلبة و الأطر والمختصين, وخرجت بالتحقيق التالي..
الطلبة ضحية
الطالب في الجامعة الإسلامية أمجد صبري يرى أن الجامعات أصبحت ميداناً خصباً للنقاشات السياسية الحادة التي سرعان ما تنقلب إلى مشاحنات وضرب بالأيدي وشتم ، ويقول: إن وجود الأطر الطلابية في الجامعات شيء مهم جداً لخدمة الطالب الجامعي لكن هذا الدور انقلب بصورة ملحوظة , حيث نجد أن بعض الأطر التي وصلت إلى كرسي المجلس أصبحت تخدم أبناء فصيلها ومن لا ينتمي إليها يكون بعيداً عن دائرة الخدمات، ويدعو الطالب صبري الأطر إلى تحييد الجامعات عن الاحتقان المقيت التي يعكس صورة سلبية على الحياة الجامعية ويعيق مسيرتها ونكون نحن الضحية.
أما الطالب في جامعة الأزهر محمد نعيم فلديه نظرة سوداوية عن وجود الأطر الطلابية في الجامعات وانعكاس السياسة عليها حيث يقول: ما يحدث على أرض الجامعة هو انعكاس لما يحدث على الساحة الخارجية وهذا أمر طبيعي اعتدنا عليه فمنذ وطأت أقدامنا الجامعات ونحن نعيش مدا وجزرا مع الفصائل وعناصرها الطلابية في الجامعات، وخلافاتهم تقودنا إلى طرق أصبحت معروفة لدينا تارة بتعليق الدوام الجامعي، وأخرى بالاعتداءات بالأيدي أو السلاح الأبيض وثالثة بإغلاق أبواب الجامعات أمام الطلبة، ونبقى نحن في النهاية ضائعون بين رحى الخلافات.
ومن جانبه يسوق لنا أحد طلبة جامعة بيرزيت في رام الله –عبر الهاتف- تجربة جامعته في الاختلاف والتوافق بين الأطر الطلابية قائلا: بعد نجاح الكتلة الإسلامية في جامعة بيرزيت وحصولها على 23 مقعدا، سارعت الأجهزة الأمنية لملاحقة أبناء الكتلة في الجامعة وبث الرعب والخوف بين المناصرين، ويوضح: رغم الخلافات السياسية في جامعات الضفة بين الشبيبة والكتلة إلا أنهم يجتمعون على طاولة حوار واحدة لحل مشاكل الطلبة ورفض قرارات إدارة الجامعة الجائرة بحق الطلاب, أما خلاف ذلك من المشاكل السياسية فلا يوجد توافق خاصة أن الشبيبة الفتحاوية مدعومة من الأجهزة الأمنية التي فرضت أعضاء مجلس الطلبة المنتخبين ، ويشير الطالب في جامعة بيزيت إلى أن اعتقال طلبة في جامعات الضفة له تأثير على العمل الكتلي والاتفاقات بين الأطر، فلا يمكن الجلوس على طاولة نقاش للأطر الطلابية وهناك زملاء يلاحقون ويعذبون.
ميدان سياسي خصب
هاني مقبل مسئول ملف الجامعات في الكتلة الإسلامية الجناح الطلابي لحركة المقاومة الإسلامية حماس قال في هذا الصدد: يجب أن لا نعزل الجامعات عن الواقع السياسي والتنظيمي فإنها ميدان خصب للنقاش السياسي بين الطلبة، ولكن سلب الانقسام السياسي الجامعات دورها وغير مسارها حيث سادت المناكفات السياسية بين الطلاب وذلك يؤثر على مسيرة الحياة الجامعية.
ويتفق غازي مرتجى منسق الشبيبة الفتحاوية – الجناح الطلابي لحركة فتح – في الجامعة الاسلامية مع مقبل بأن الاختلاف السياسي ظاهرة صحية مستدركا بألا يتطور هذا الخلاف الى مشاكل واعتداءات وهذا وما يحدث فعلا على ارض الواقع بسبب الانقسام الحاصل بين شطري الوطن.
وينوه مسئول ملف الجامعات في الكتلة الإسلامية الى أن كتلته قدمت مبادرة في جامعة القدس المفتوحة دعت فيها كل الأطر الطلابية تجنيب العملية التعليمة الخلافات السياسية وبالفعل كان هناك توافق على هذه المبادرة التي جاءت في وقتها خاصة أننا نعيش حالة من الانقسام السياسي، ويتابع: من جانبنا ككتلة إسلامية فتحنا المجال لجميع الأطر الطلابية للتعبير عن رأيها في أي موضوع أو نقاش سياسي دون افتعال مشاكل في الجامعة لكن ما يحدث في الضفة الغربية ومنع التعبير عن الرأي في جميع الأمور الحياتية يثيرنا، داعياً إلى أن تكون الجامعات منارات العلم وليس للتنافس الحزبي المقيت.
في المقابل قال مرتجى أن الشبيبة أيضا تجاوبت مع كل المبادرات وحضرت الاجتماعات حرصا منها على انهاء المشاكل والتجاذبات. الشبيبة تتجاوب والكتلة تتجاوب مع مبادرات الاتفاق فمن يعرقل اذا؟!
وتشكل الاعتقالات التي تُمارس بحق طلبة الجامعات هاجسا يدفع الطلبة لتجنب مشاركتهم في العمل السياسي الصحي خوفا من الملاحقة.
ويوضح مقبل في هذا الاطار أن اعتقال الأجهزة الأمنية لرموز وقيادات الكتلة الإسلامية في الضفة يؤثر على العمل النقابي ويعرقل مسيرته ولا يزال عدد منهم في سجون الأجهزة الأمنية يعانى التعذيب لتكميم أفواههم وإرهابهم بعدم العودة للعمل الطلابي.
منسق الشبيبة مرتجى لا ينكر وجود اعتقالات في الضفة لكنه يتهم الاجهزة الامنية في غزة باعتقال ابناء الشبيبة وضرب مثالا على ذلك اعتقال محمود قنن امين سر الشبيبة في قطاع غزة لمدة خمسة شهور.
ويستنكر مرتجى المعاملة بالمثل بين حكومتي الوطن , مطالبا الأجهزة الأمنية في الضفة بعدم اعتقال ابناء الكتلة ردا على اعتقال عناصر الشبية في غزة , ومطالبته انسحبت على الأجهزة الأمنية في غزة أيضا.
وعزا كل من مقبل ومرتجى عدم تنفيذ وثيقة الشرف التي صاغها مركز الميزان لحقوق الإنسان واتفقت عليها الاطر الطلابية إلى الانقسام الحاصل , مشترطين تنفيذ الوثيقة بإنهاء الانقسام بين تنظيميهما.
ويضيف مقبل: الكتلة الإسلامية كغيرها من الأطر الطلابية هدفها تقديم خدمة أفضل للطالب لوجودها في مجالس الطلبة في بعض الجامعات، مشيراً إلى أنه من حق جميع الأطر أن تشارك برأيها وتنفذ نشاطاتها داخل أروقة الجامعات، لكن الكتلة تُحارب وتمارس عليها ضغوط من قبل الأجهزة الأمنية في جامعات الضفة الغربية ومن حقنا أن نستنكر أي اعتداء ونكتب عبارات شجب، مستدركا: لكن هذا العبارات لا تُرضي الطرف الآخر وهذا ما يثير الخلافات ويكون الشرارة الأولى للمناكفات السياسية داخل الجامعات.
مقبل ومرتجى أبديا -في نهاية حديثيهما للرسالة- حرصهما على التوافق بين كتلتيهما لعل ذلك يحرج القيادات السياسية ويجرهما نحو التوافق أيضا, ويؤكد مرتجى على أن الحوار بين حركتي فتح وحماس بدأ فعليا قبل الجلوس في القاهرة من خلال لقاءات الكتلة والشبيبة المتكررة.
ممارسة النشاطات بحرية
من جهته يقول نعمان أبو جياب رئيس جبهة العمل الطلابي التقدمية الجناح الطلابي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أن السياسة جزء أساسي من العمل النقابي في الجامعات فيما يختص بالأطر الطلابية، وعلى مدار تاريخ الجامعات لا زالت الأطر تعمل بسياسة فصيلها في الجامعة، مؤكداً على ضرورة ممارسة النشاطات السياسية بحرية بعيداً عن المناكفات العقيمة، ويشير أبو جياب إلى أن الجامعات هي مركز الإشعاع التعليمي لذا يجب أن يكون العمل السياسي في الجامعات حسب الأصول القانونية والنقابية والتوافق على نشاطات تخدم الطلبة ولا تزيد المشاحنات بينهم.
ويضيف أبو جياب: بصفتنا أطراً طلابية مستقلة دعونا لجلسات حوار لإيجاد آلية توافق بين إطاري الشبيبة والكتلة لأنهم على خلاف دائم، من أجل خلق فرصة للتوافق السياسي والخدماتي للتعايش في الجو الجامعي الهادئ، وينتقد أبو جياب عمل إطاري الكتلة والشبيبة لأنهما حتى هذه اللحظة لم يمارسا دورهما الايجابي باعتبارهما ممثلين عن الطلبة وإنما يمثلان فصيليهما ويخدمان حزبيهما وعناصرهما فلابد من تفهم هذه الأطر لدورها في الجامعة خاصة أنها خرجت من إطار الحزبية إلى خدمة الطلبة بشكل عام بعد انتخابها في مجالس الطلبة.
وينظر بتشاؤم لما يحدث على أرض الجامعات من خلافات سياسية قائلاً: هذا الأمر يعكر صفو الجامعة خاصة إذا كانت هناك مشاكل واحتكاكات بين الأطر الطلابية تبعاً لمناكفات الفصائل خارج الجامعات، فالمطلوب منا كأطر طلابية أن نغير هذا الواقع ونخرج إلى النور بآلية توافق ومصالحة .
انعكاس سلبي
وحول هذه القضية قال المحلل السياسي د.ناجي شراب أستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة الأزهر: إن الجامعة والسياسة متكاملان ومترابطان لا يمكن فصلهما ولكن يجب التركيز على مواد سياسية تتعلق بالقيم الايجابية، فالجامعة تشكل وعي وشخصية الطالب أكثر منها تقديم معلومة له.
ويضيف شراب: تعتبر السياسة من منغصات الحياة الجامعية خاصة إذا كانت انعكاس لحالة الانقسام السياسي الفلسطيني حيث تصبح الجامعات مجال خصب للاستقطاب السياسي بين طرفي النزاع الفلسطيني فإذا انعكست هذه الخلافات على الجامعة تصبح عامل منغص للعملية التعليمية وتؤدي إلى تداعيات سلبية بين صفوفهم، مشيراً إلى أن الجامعة ليست حكرا على فصيل دون الآخر فلها رسالة علمية وقيمية وتعددية.
ويتفق المحلل السياسي من رام الله خليل شاهين مع سابقه قائلا: أنه مع الانقسام الفلسطيني أضيفت عوامل جديدة إلى الجامعات ألا وهي زيادة حالة الاستقطاب السياسي الحادة والتي انتشرت بشكل ملحوظ بين أوساط الحركة الطلابية والتي عكست أثراً سلبياً بعيداً عن التنافس الايجابي بين التنظيمات السياسية، فقد شكل إعاقة للعمل الطلابي وبناء الحركة الطلابية اليافعة ويعكر صفو الحياة الجامعية الآمنة.
شاهين وشراب طالبا بتحييد الجامعات عن حالة الانقسام السياسي، واشار شرابً الى ان الطلاب شريحة متنوعة فهم من أطر طلابية مختلفة لذا نسعى إلى أن يعملوا في إطار من المسؤولية السياسية والاحترام المتبادل في أروقة الجامعات ولا يكون الهدف إقصاء طرف على حساب آخر بل هناك طرق قانونية أقرها القانون يجب تطبيقها في الجامعات تتمثل في التداول السلمي بين المجالس الطلابية.
زيادة الاستقطاب السياسي
ويؤكد شاهين على ان الحركة الطلابية قادرة على أن تطور نفسها سواء في مقاومة الاحتلال أو الخروج من حالة الانقسام والشرخ الفلسطيني ولقد لعبت دوراً كبيراً ومشهوداً في حل العديد من القضايا على الساحة الفلسطينية لكن المطلوب الآن أن يكونوا على قدر المسؤولية ويخرجوا حيز الخلافات عن أروقة الجامعات والمساهمة في الوصول لاتفاق ومصالحة وطنية، ويتابع: الجامعات تواجه مشاكل عديدة في حالة الشرخ التي نعيشها تمثلت في الاعتقال المستمر والمهين واقتحام الأجهزة الأمنية للحرم الجامعي دون مراعاة حرمته وإرهاب الطلبة بحمل سوط الاعتقال والتعذيب، مطالباً بعدم إخضاع الحركة الطلابية لمتطلبات السياسة، فالطالب يجب أن يستقل عن رغباته السياسة وعدم توظيفها في خدمة السياسة وتكون باباً للصراعات في الجامعات، كما يجب المحافظة على المسافة بين رجل السياسة والحركة الطلابية ولكن دون قطيعة بين الفعل السياسي والحياة الجامعية.
ولازال السؤال يراود الطلبة إلى متى سنبقى رهائن المشاحنات السياسية الفصائيلية التي تضر بالحياة الجامعية؟!.