الضفة المحتلة-لمراسلتنا
هو يوم فاصل نثر عزته في كل أجواء الأرض، يومٌ كالماء تروي القلوب العطشى خرج من رحم تجربة لا تخدشها تقلبات الأزمان.. ففوز حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية كان أول قطرات الغيث في العالم العربي والتي تمخضت عنها انتصارات متتالية لأحزاب كانت تحشر في زوايا المحظور على مدار عشرات السنين.
وكم تتبسم الأذهان حين تستذكر حكايا الحركات الإسلامية في العالم العربي، فالإخوان المسلمون وتفرعاتها كحماس كانت ضحية التجبر السلطوي الظالم منذ نشأتها، وتلك أرواح البنا وقطب شاهدة على ذلك فيما تأبى الذاكرة تناسي ما فعل "التحرريون" بالغنوشي وياسين والرنتيسي.
أسباب الانتصار
الزحف الإسلامي بدأ مشواره من قلب الوطن العربي وبقعته المحتلة الوحيدة على يد حركة مقاومة إسلامية أثبتت لشعبها ولكل العالم أنها الأجدر بتصدر ثقة الفلسطينيين تزامنا مع تصديها لمخاطر المشروع الصهيوني سياسيا وعسكريا واجتماعيا ودعوياً، فكانت مؤسساتها وجمعياتها الخيرية تزخر بشتى أشكال الدعم والمساندة للفلسطينيين على كل النواحي.
وبعدها فُتحت الأبواب للتجربة الإسلامية الحاكمة في بلدان الثورات العربية التي طالتها رياح التغيير في ظل تجربة فريدة ناصعة أسبغتها على عملها أمام أعين الجماهير، وكان الكل يتعلق بها في مختلف الدول إلا أن صناديق الاقتراع كانت تحوي نتائج الانتخابات دوما بشكل مسبق مائل للحزب الحاكم "الفوضوي".
ويقول أستاذ الإعلام في جامعة بيرزيت د. نشأت الأقطش إن حركة حماس كان دورها الرئيسي متمثلا في إذكار الثورات العربية وتفجيرها في ظل دورها السياسي والعسكري المميز خاصة في قطاع غزة وما تعرضت له من مظالم وحصار على يد أنظمة عربية.
ويوضح الأقطش لـ"الرسالة" أن أسبابا عدة تؤدي إلى فوز الإسلاميين في أي انتخابات قد تجرى في العالم العربي، مبينا أن أبرزها هو أن الحركات الإسلامية هي أكثر الأحزاب تنظيما في مقابل فوضوية الأحزاب الأخرى، حيث تعتمد على مبادئ الدين الإسلامي في تنظيم الأفكار والأعمال والخطوات مما يجعلها تحوز على ثقة الناخبين.
ويضيف المحلل السياسي بأن الأسباب الأخرى التي تدعو إلى فوز الإسلاميين تتمثل في استياء الشعوب من الأنظمة الحاكمة السابقة، حيث أنها كانت تقاد من أحزاب ليبرالية تحررية ولكنها أثبتت فشلها على مدار السنين واتخذت من الفساد ملاذا ومن قمع الحريات أسلوبا في التعامل مع الشعوب، فأرادت الأخيرة أن تنفض الظلم عنها باختيار من يطبق شرع الله العادل.
ويتابع:" هناك أسباب عديدة أخرى تتمثل في محاسن الإسلاميين ومساوئ غيرهم، وهذه الأمور كلها تدفع الجماهير إلى اختيار الأحزاب الإسلامية للتأمين على مستقبلها ونفض التجربة القديمة، وفي أي انتخابات تجرى في العالم العربي ستفوز الحركات الإسلامية بالتأكيد".
نموذج الثبات
تجربة حماس الناصعة والتي تعرضت لمحاولات التشويه على مدار تلك السنوات كانت جديرة بالاهتمام في ظل نموذج اليد المقاومة والأخرى البناءة، إضافة إلى عدم توقف عجلتها الداعمة للشعب الجريح منذ انطلاقتها عام سبعة وثمانين، أما ثباتها في ظل الضغوط والهجمات كان سببا آخر لإنجاح الفوز الإسلامي في الدول العربية.
وفي هذا يؤكد النائب عن كتلتها البرلمانية عبد الجابر فقها لـ"الرسالة" أن فوز حماس في الانتخابات التشريعية الأخيرة كان له وقع كبير على زيادة ثقة الشعوب العربية بالأحزاب الإسلامية، ولكن الأهم من ذلك هو تحديها للظروف الصعبة وثباتها على مواقفها رغم كل ما ألم بها.
ويقول فقها إن حركة حماس تعرضت للكثير من الضغوطات عقب فوزها في الانتخابات تمثلت في قطع الدعم الدولي وتصعيد الملاحقات لقادتها من قبل الاحتلال ومن ثم لحاق السلطة بهذا النهج وتشديد الضغط الامني على كوادرها في الضفة، إضافة إلى العربدة المنظمة ضد مؤسساتها ومحاولة إقصائها عن الحكم بشتى السبل رغم فوزها النزيه.
ويتابع:" كل تلك المحاولات وغيرها الكثير أفشلتها حماس بثباتها على مواقفها ورفضها انتزاع اعتراف بالكيان الصهيوني منها مقابل در ملايين الدولارات عليها، فرفضت أن تسير على نهج من سبقها في الحكم وأن تكون لعبة بيد الاحتلال وأعوانه يحركها كيفما يشاء".
ويشير فقها إلى أن انتصار حماس في العدوان الأخير على قطاع غزة ورفضها التنازل ومواصلتها عملها المقاوم رغم كل التهديدات، وكسرها الحصار الذي حاول نزع إرادتها كلها أسباب أدت إلى اقتداء تجربتها وإعجاب الجماهير بها في كل العالم وبالتالي تمهيد الطريق أمام فوز الإسلاميين الكاسح في دول الربيع العربي كتونس ومصر والمغرب.
تلك الحركة وبلا شك مهدت الطريق أمام فوز الإسلاميين الأخير كما يؤكد معظم المراقبين، وتتوالى الأسباب لاختيارها أسوة بغيرها من الحركات الإسلامية التي تعطش الشعب لإنصافها وحكمها البعيد عن أيدي الفساد.
أما المحلل السياسي عبد الستار قاسم فوجد أن امتداد حماس في الخارج وهو ما تمثله حركة الإخوان المسلمين كان قادرا على اكتساح قلوب الملايين لعدة أسباب، أبرزها برنامج الإخوان الغني بالإنجازات في ظل غياب الأحزاب القومية والوطنية.
ويقول قاسم لـ"الرسالة" إن الأحزاب القومية اختفت والأخرى الوطنية أثبتت فشلها في الحكم، فكان الأخوان وحيدين على الساحة لا يوجد من ينافسهم بسبب إنجازاتهم على مر السنين، فهم أنشأوا المؤسسات الخيرية والداعمة والمراكز الثقافية والدينية ولهم امتداد متأصل في الشعوب لم تنجح الأنظمة في تشويهه، كما أنهم أثبتوا أنهم الأقدر على خدمة شعوبهم من خلال ما يحملونه من فكر معتدل متزن لا تهاب الجماهير منه بل تطمئن له.
وفي ظل الانتصارات المتتالية للحركات الإسلامية في بلاد العُرب تتوالى الأسئلة إلى الأذهان حول إمكانية فوز حماس من جديد في أي انتخابات قادمة، وفي هذا يقول الأقطش إن حماس وفتح إذا بقيتا على حالهما فإن حماس ستتغلب بالتأكيد وستفوز، ويرى قاسم أن حماس ستفوز في الانتخابات في الضفة بسبب تراجع أسهم حركة فتح أمام المواطنين هناك لما لممارساتها من استياء وتنديد، أما فقها فيؤكد على أن حماس ستواصل فوزها في الانتخابات القادمة في ظل مواقف مخزية للسلطة وفتح من تنسيق أمني وعدم تحقيق إنجاز سياسي وتبادل أدوار مع الاحتلال.