قائمة الموقع

الصيادون وليلة البحث عن (الشيكل)

2011-12-28T10:39:34+02:00

الرسالة نت - فادي الحسني

مع حدود الثانية فجراً قاد الريس يوسف عبد الله مركبه برفقة عدد من الصيادين وراح يمخر عباب بحر غزة متجهاً إلى الحدود الإقليمية مع مصر، طمعاً في الصيد.

ورغم أن الصادين على متن المركب الخشبي ارتدوا معاطف مخملية ذات قبعات، لكن برد كانون الأول القارص كان ينخر في عظامهم كالسم، ويقول أحدهم انه مصاب بالغضروف في الظهر ويضطر للعمل من أجل إطعام صغاره الأربعة.

تستغرق رحلة البحث عن لقمة العيش ما يزيد عن اثنتي عشرة ساعة، يعبر خلالها الصيادون الغزيون إلى حدود مدينة (بور سعيد) وهي ثالث مدينة في مصر بعد القاهرة والإسكندرية.

ويتجه الصيادون إلى الحدود الإقليمية لتعذر ممارسة مهنتهم داخل الحدود المتاحة في بحر غزة، حيث تباغتهم الزوارق (الإسرائيلية) وتطلق النار عليهم كلما اقتربوا من الإشارات الضوئية المقامة على عمق ثلاثة أميال بحرية، وهو المدى الذي حدده الاحتلال مؤخراً للصيادين.

ويتحسس الصيادون الرزق على نور مصابيح الغاز الخافتة، ويقول الريس عبد الله "إنهم يستهلكون وقوداً بقيمة عالية، وإن السمك الذي يبيعونه لا يعوض قيمة الوقود المفقود".

ويشير عبد الله صاحب الوجه الشاحب إلى أنه غدا صباحاً وعاد مع ساعات المساء، بـ200 شيكل فقط، ويقول: "لو وزع هذا المبلغ على الصيادين العاملين على مركبي، لحصل كل واحد منهم عشرين شيكلا!، إنه ظلم واجحاف".

ويشتكي صيادون من ضعف الرزق في بحر غزة الذي يصل طوله 40 كيلو متر، مرجعين ذلك إلى ضيق المساحة المخصصة للصيد.

وينص اتفاق أوسلو على السماح للصيادين بالصيد مسافة 20 ميلاً على شواطئ بحر غزة، فيما لم يسمح لهم بالمطلق الوصول إلى تلك المساحة منذ توقيع الاتفاق.

وتغيير الصيادين لبوصلتهم وحرفها يساراً لم يكن ليعود عليهم بالربح، اذ يقول الصياد محمد أبو عميرة صاحب الثوب المهلهل: "نضطر للاتجاه شمالاً نحو مصر، لكن الصيد في المياه الإقليمية أو في الحدود المصرية لن يحقق لنا ربحاً رغم أن خفر السواحل المصري لا يلتفت إلينا كثيراً".

ويضيف أبو عميرة في العقد الرابع من عمره "الأسماك المصرية تباع بثمن بخس لمرورها بفترة سفر ليست بالبسيطة، وتصل الأسواق الغزية منهكة"، موضحا أن معظم الصيادين الفلسطينيين يشترون الأسماك من صيادي مصر ويبيعونها محليا.

وأفاد الصياد وقد بدا شاحب الوجه محمر العينين، بأن الصيادين يعانون من ديون وباتوا غير قادرين على توفير قوت أولادهم، متهماً جهات لم يسمها بنهب المساعدات المقدمة لهم.

وحسب تقديرات فإن قطاع غزة يحتاج لما يزيد عن 5000 طن من الأسماك سنوياً، فيما يصطاد الغزيون حوالي 1800 طن فقط.

يصمت الصياد أبو عميرة برهة عائداً بذاكرته إلى الوراء، ويمضي يقول :"قديماً كان يجني الصياد نحو 4000 شيكل في اليوم الواحد، واليوم نمضي الليالي في البحر بحثاً عن شيكل!".

كان الناس على موعد مع رفع اذان المغرب بينما كان الصياد ابو عميرة عائداً إلى أسرته خاوي اليدين، وقال على مشارف الشارع المؤدي إلى بيته "زي ما رحنا زي ما جينا".

وبذلك يطوي الصيادون أيامهم دون أن يلتفت أحد إلى مأساتهم سوى الجهات الحقوقية التي تأبى أن تصدر مواقف ضد ممارسات الاحتلال بحق الصيادين في بحر القطاع المحاصر.

وكان مركز الميزان لحقوق الإنسان قد ادان استهداف قوات الاحتلال للصيادين الفلسطينيين والتضييق عليهم وحرمانهم من مصدر رزقهم، والتي كان آخرها نصب إشارات ضوئية في عمق ثلاثة أميال بحرية لتحديد المدى المسموح به للصيد، وسط استمرار صمت المجتمع الدولي وعجزه عن الوفاء بالتزاماته القانونية والأخلاقية تجاه سكان قطاع غزة.

وقال الميزان في بيان صحفي نشر في وقت سابق: "إن ترسيم قوات الاحتلال لحدود الصيد، مخالفة واضحة للاتفاقيات المبرمة على هذا الصعيد"، مشيراً إلى مواصلة قوات الاحتلال انتهاك قواعد القانون الدولي الإنساني، لاسيما اتفاقية جنيف الرابعة، والقانون الدولي لحقوق الإنسان، في معاملتها للصيادين الفلسطينيين.

اخبار ذات صلة