2012.. "شرق أوسط إسلامي" جديد

الرسالة نت - محمد بلّور

لو كنت مكان "شيمعون بيرس" لسحبت البقية الباقية من طبعة كتابه "شرق أوسط جديد".. أما الحاخام اليهودي زعيم شاس "عوفوديا يوسف" فلن يكرر اليوم ما قاله سابقا: "اضرب على كيف كيفك!!".

أولئك الذين أمضوا وقتا طويلا خلف "كونداليزا رايس" و"ديك تشيني" و"دونالد رامسفيلد" تأكدوا الآن أن "الشرق الأوسط الجديد" خاصتهم لم يكن إلا برجا من ورق.

بقلم رصاص وممحاة يرسم الإسلاميون الخريطة الجديدة للشرق الأوسط بعد أن أصبحوا لاعبا مؤثرا في المنطقة مما يستدعي من الآخرين ضرورة الحوار معهم.

تتمدد الخطوط بين أيديهم وهم يصلون الحدود بين مصر ودول المغرب المحسومة إسلاميا في حين يعيدون الرسم في المشرق العربي كسبا لود البقية.

اجتيازهم للتحديات الماثلة أمامهم يشبه لحد كبير المشي على جسر من الحبال المعلقة بين جبلين، فرغم أنهم حازوا ثقة الجماهير في مصر وتونس والمغرب وغيرها فإن القريب القادم خطير لا محالة.

ويجمع المراقبون للمشهد السياسي في الشرق الأوسط على أن سنة 2012 ستشهد تحوّلا كبيرا في سياسة المنطقة والأحلاف بعد صعود الإسلاميين.. "في حين سيخضع الإسلاميون لتحدّ كبير أمام مشكلات البطالة والتنمية والأمن وملفات أخرى".

(إسرائيل) خائفة

تتلفت (إسرائيل) حولها فتجد نفسها قد أصبحت في حقل ألوان -قوى إسلامية- متحدة النوع ومتباينة المظهر, وهي تدرك تماما أن خطابهم السياسي لن يختلف في جوهر العداء لها.

ما زالت الرياح هادئة، وما يظهر للعيان ألوان سياسية متقاربة فقط لكن الكابوس المزعج سيكون -إن تحول- حقل ألغام بدلا من حقل الألوان!.

ويرى الباحث في الشئون (الإسرائيلية) ناجي البطة أن التصريحات (الإسرائيلية) الرسمية تحدثت مؤخرا عن خطر الإسلاميين المتعاظم في الدول العربية.

رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو قال قبل أيام إن فجوات المنطقة التي نجمت عن سقوط الديكتاتوريات ستملأ بمتطرفين إسلاميين، ويقصد "الإخوان المسلمون".

أما رئيس أركان جيش الاحتلال بيني غانتس فقال إن الربيع العربي سيكون زلزالا، وإن (إسرائيل) مقبلة على واقع خطير على (إسرائيل) بعد سيطرة "الإخوان المسلمون" على الحكم في بعض الدول.

وأضاف البطة: "أصبح الربيع العربي خريفا للصهاينة، والتغييرات صارت في مصلحة البلاد الإسلامية في مواجهة التمدد الاستيطاني ووجود الاحتلال (الإسرائيلي)"، واصفا الاحتلال (الإسرائيلي) بأنه احتلال وظيفي خاضع لمصالح مشتركة، "ويحاول منع بروز سيادة وقرار عربي مستقل بل يحاول الغرب جعلهم منقادين له عبر (إسرائيل)".

وأوضح أن (إسرائيل) ركزت طوال المدة الماضية على ثلاثة محاور، "أولها إفقار الأمة اقتصاديا، وثانيا تجهيل مؤسساتها وبخاصة الأكاديمية والعلمية لتكون خارج تصنيف المتقدمة عالميا، وأخيرا إهدار طاقات الشعوب بإرهابها عبر أجهزة أمن متسلّطة".

الغرب يترقب

سيجد الزوّار الأوربيون للشرق الأوسط الجديد خيارات حديثة لاختيار هدية العودة، فبدلا من أن يهدي أحدهم زوجته حقيبة "هيرمس" لن يجد حرجا في أن يجلب لها قرطا من سوق خان الخليلي في القاهرة!.

هذا هو الغرب يبحث عن مصلحته ويمتدح الواقف على قدميه، وبما أن المستقبل للإسلاميين فستعمل أوروبا على كسب ودّهم بل الإطراء على حسن صنيعهم لحد رفع القبعة!.

وأكد المحلل السياسي د. وليد المدلل أن الغرب متفاجئ بالتطورات في الدول العربية والشرق الأوسط، "وهو منقسم لقسمين: الأول يرى ضرورة مجاراة ما يحدث مع قدوم الإسلاميين، والثاني ضدهم"، وأضاف: "القسم الأول يرى بعضهم أن الإسلاميين جزء من المنطقة ويؤيد التعامل مع نتائج الانتخابات، وهي نظرة متصاعدة حاليا في مراكز التفكير.. أما القسم الثاني فمتخوف منهم ويعتبرهم زلزالا جيوإستراتيجي يؤثر على المصالح، ولأولئك نقاش عميق في ذلك". 

وأوضح أن بعض الاتصالات بدأت مع بعض الإسلاميين العرب مثل الغنوشي بتونس وآخرين لهم ثقل متوقع.

وتراقب الولايات المتحدة الأمريكية ما يجري في المنطقة والشرق الأوسط بحذر بحثا عن أصدقاء جدد بعد رحيل الأنظمة السابقة.

المحلل البطة أكد أن مسؤولا في الولايات المتحدة الأمريكية صرح أمس الأول قائلا إن بلاده تخشى من تقلص نفوذها في المنطقة, "وذلك سيؤثر بلا شك على (إسرائيل)".

وقال إن هناك محاولات لجس نبض تطلقها الولايات المتحدة عبر أصدقائها في المنطقة.. "بينما بدأ الحديث منذ شهور عن حوار مستقبلي يجمع "الإخوان المسلمون" بالولايات المتحدة الأمريكية كونهم اللاعب المهم في الشرق الأوسط الجديد".

أما المحلل السياسي د. عبد الستار قاسم فيرى أن الغرب إذا زاد من تحديه ومعاندته لـ"الإخوان المسلمون" فذلك سيؤدي تلقائيا إلى زيادة في التفاف الجمهور من حولهم.

وأضاف: "المطلوب من "الإخوان" التركيز على الكفاءة وتكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية والتنمية"، متوقعا حوارا جديا بين الدول الغربية و"الإخوان" باعتبار أنهم أبرز لاعبي المعسكر الإسلامي، "لأن الغرب عملي ولا يترك الساحة فارغة"، كما قال.

أما موقف أمريكا فيرى قاسم أنه سيحاول مجاراة الإسلاميين في الفترة المقبلة، مستبعدا أن يلبي الموقف مصلحة الحكومات الجديدة، "وعلى رأسها قضية فلسطين".

أمنيات وتحديات

لعشرات السنين تهشّمت درجات سلم "ماسلو" في الدول العربية؛ فالأمن والغذاء والثقة والاحترام والابتكار لم تتوفر بسهولة أو تدرج طبيعي, ولقد كان كل شيء خاضع لضابط المخابرات أو حاكم الدولة المتسلّط بصورة مطلقة!.

الإسلاميون استلموا الطاولة بكثير من التحديات والأمنيات، وهنا عليهم إعادة هرم ماسلو لوجهته الصحيحة "القاعدة لأسفل" والتدرج وفق الإمكانات مجاهدين أمام جدار الصدّ المنيع المشكل من البطالة والفقر والتنمية.. وملفات أخرى.

ويرى المحلل السياسي د. وليد المدلل أن سنة 2011 كانت سنة العرب بامتياز، وأن سنة 2012 ستكون أول خطوات الديمقراطية والحرية مع ولادة أنظمة وسياسة جديدة تقدم طرحا عميقا على مستوى الدساتير والحكم.

وأضاف: "هناك حضور إسلامي واضح في سنة 2012، ولكن التحديات أكبر من الأمنيات وبخاصة فيما يتعلق بالملف الداخلي من حيث البطالة والفقر والعائدات المجمدة والموارد المهدرة".

وألمح إلى أهمية مواجهة انتشار الجهل وتطوير الاقتصاد عبر جمعيات معرفية، "وملاحقة فلول الأنظمة الفاسدة إضافة لملفات مهمة كقضية فلسطين"، داعيا إلى ضرورة إشراك غير الإسلاميين في توزيع الحكم والمهمة.

أما قاسم فأكد أن الشهور القادمة من سنة 2012 ستشهد تطورا وتشكيلا لحكومات إسلامية.

وأضاف: "غالبا سنرى رؤساء إسلاميين أو مناصرين لهم خلال العام الجديد وهم أمام تحديات كبيرة أهمها علاقتهم مع الشعب".

ويتساءل قاسم عن قدرة "الإخوان المسلمون" على التفاعل مع شعوبهم وفق العدالة العامة، محذرا من خطر الوقوع في الإطار الحزبي الضيّق.

مصر الأهم

العيون كلها شاخصة نحو مصر بتغيراتها اليومية التي ستقود البقية نحو مشهد سياسي واضح المعالم.

قديما قالوا: "لا حرب بدون مصر، ولا سلام بدون سوريا"، ولكن الأقرب للواقع الآن: "لا شرق أوسط جديد بدون مصر وسوريا معا"؛ ففي كلاهما حراك وإن قطعت الأولى شوطا وتعيش الثانية مخاضا.

وأكد المحلل البطة أن أنظمة "سايكس بيكو" تغادر المنطقة؛ "لذا يفعّل الاحتلال مؤسسات البحث في القطاع الخاص والحكومي والحزبي الجامعي لاتخاذ القرار في مرحلة تشبه لحد كبير المرحلة التي سبقت ظهور صلاح الدين الأيوبي".

وأضاف: "حماس جناح "الإخوان المسلمون"، و(إسرائيل) خسرت معركة ترميم قوة الردع؛ لذا ستكون رأس حربة الإخوان حماس!.. وقد حصدوا 40% من الأصوات في مصر ويتقدمون في سوريا والأردن".

وتخشى (إسرائيل) "إخوان مصر" من جهة أنهم خصم قوي له جذور، فهو أول من أرسل مقاتلين لفلسطين في حرب 1948، مما يجعل من مصر الأهم عربيا في السنة القادمة.

أما المحلل المدلل فأكد أن رياح التغيير بدأت في مصر، "وستغير مسار المنطقة إضافة لأهمية سوريا المقبلة بعد وقت قصير".

وأضاف: "بقية الدول مسألة وقت، والعراق لن يقف بعيدا، كما إن هناك دولا لها وزن في الصراع العربي (الإسرائيلي) مثل الأردن المرشحة قريبا، وأي تغيير في تلك الدول سيرسم الخريطة من جديد في الشرق الأوسط".

السابقون السابقون.. إلى الشرق الأوسط الجديد عليهم توثيق علاقتهم بـ"الإخوان المسلمون" في حين يبقى التحدي الماثل أمام جماعة ناضجة كـ"الإخوان" في أنها كيف ستتعامل مع قوس قزح بألوانه المتراصة وتقنع الغير برؤيتها الجديدة المعتدلة.

البث المباشر