قائد الطوفان قائد الطوفان

قرى الضفة.. غبار الهدم ونيران العنصرية

الضفة المحتلة- الرسالة نت-لمراسلتنا

يتلمّس بيديه حجارة كم أضنته قبل سنوات حين وضعها واحدا تلو الآخر لبناء منزل يؤوي عائلته، ينفض عنها غباراً أحدثته أنياب الجرافات فوق أرضه الصغيرة، وبعدها يسير بعينيه إلى واقع لم يعد موجودا وحاضر هو أشبه بالكابوس, "هنا كان مدخل البيت وهنا تمركزت شجرة الزيتون المورقة" يهمس إلى نفسه ويمسح عن وجهه المجعّد عبرات كشفت قهره.

وليس ببعيد عنه كان أحد أبناء قريته يحاول إزالة آثار سوداء غطت واجهة منزله وأجهزت على مركبته، يشرد بذهنه بعيدا إلى ما وصل إليه حاله بعد أن وصلت نيران حقدهم إلى ممتلكاته وأضاعت شيئا من "الرفاهية" المتواضعة التي تحلى بها، خسائر بعشرات آلاف الشواقل سجلتها أيديهم دون أدنى حسٍ بالرحمة وكيف توجد تلك في قلوب زيفت تاريخا بأكمله.!

"هدموا الحياة"

ذلك الحال هو جزء واحد من معاناة امتدت جذورها لتضرب أعماق الحياة الفلسطينية في الضفة الغربية، فالآلام التي تسببها أحقاد المحتل لأصحاب الأرض لم تعد مجرد "ممارسات أمنية" وإنما حقد يُصب فوق أسطورة الثبات التي عايشوها.

ولأنها واحدة من القرى التي وضع الاحتلال نصب عينيه هدفا لإزالتها والاستيلاء على أراضيها يعيش أهالي قرية "الديوك التحتا" غرب أريحا هاجس الهدم المستمر، فقبل عدة أشهر جرى هدم عدد من منازلها دون مبرر ومن ثم أُكمل المسلسل بهدم عدد آخر قبل أيام.

ويقول موسى صيام صاحب أحد المنازل المهدومة لـ"الرسالة نت" إن جرافات الاحتلال أقدمت على تسوية منزله بالأرض بعد إخطاره بالهدم قبل عدة أشهر، مبينا أن الهدف ليس كما تدعي سلطات الاحتلال بأنه غير مرخص وإنما جزء من مخطط جديد للاستيلاء على أراضي القرية.

ويبين صيام أن أحقاد المحتل بانت واضحة أثناء تنفيذ عملية الهدم، وكان الجنود يتعاملون بقسوة مع الأهالي ويصدونهم بهمجية توضح أهدافهم السوداء في إخلاء الفلسطينيين من أي بقعة قريبة من المستوطنات.

من جهتها, ما تزال المواطنة المقدسية نبيلة الرازم تبكي على جرح فقد منزلها المتواضع في بلدة بيت حنينا بالقدس المحتلة، فذاك الذي شيدته بتعب السنين لم تعرف غربان الليل طريقة لقهر صاحبته إلا بتسويته ركاما.

وتقول لـ"الرسالة نت" إن هذه هي ضريبة الثبات والصمود في المدينة المقدسة وأرض فلسطين بشكل عام، وأن اعتداءات الاحتلال على منزلها ومنازل أخرى تترجم سياسة العنصرية التي تثخن أنحاء دولة الاحتلال، مؤكدة أن الاحتلال كان أجبرها على هدم أجزاء منه سابقا بحجة عدم الترخيص.

وتضيف:" لا يجدون طريقة للتنغيص علينا إلا وينفذونها، حين هدموا بيتي كأنهم هدموا الحياة بل يريدون إنهاء حياتنا وإخراجنا من أرضنا ونرد بأننا لن نخرج وسنبقى في قرانا ومنازلنا حتى نموت".

نيران المستوطنين

وبينما تقوم الجرافات بهوايتها في إزالة الأحلام الفلسطينية عن ترابٍ مقدس، تتبرع الأيادي الحاقدة الأخرى في إضرام النيران بممتلكاتها وأركانها، فترى ألسنة اللهب تغطي المساجد والمنازل والمركبات على يد "المستوطنين".

ويقول المواطن محمد أبو سنبل من قرية بيتين شرق رام الله لـ"الرسالة نت" إنه استيقظ ذات يوم ورائحة الدخان تعج في الحي، فظن أن أحد المزارعين أشعل النيران في أعشاب ضارة، ولكنه سرعان ما اكتشف أنها ألسنة لهب تشتعل بمركبته وشاحنته التي تعد مصدر رزقه.

ويضيف أبو سنبل بأن "المستوطنين" اقتحموا القرية وأشعلوا نيران عنصريتهم في مركبتيه وجزء من منزله مما أدى إلى اختناق عدد من أفراد عائلته بسبب الدخان الكثيف المنبعث من الجريمة، مبينا بأن وحشية "المستوطنين" التي مكّنتهم من تنفيذ هذه الاعتداءات يغذيها دعم جنود الاحتلال لهم وحمايتهم.

ويتابع:" استدعاني الاحتلال رغم أنني المتضرر، وهددني المحققون إذا اعترفت بأن "المستوطنين" هم من أحرقوا المركبات، وقالوا لي يجب أن تعيد أقوالك وتفكر جيدا في من أشعل النيران، رغم أن كل الدلائل تشير إلى أيادي المستوطنين".

تشجيع

وفي هذا السياق يؤكد الخبير في شؤون الاستيطان عبد الهادي حنتش أن موجة البناء "الاستيطاني" المتسارع تشجع "المستوطنين" في الضفة على الاستمرار باعتداءاتهم، مؤكدا بأن الاحتلال بأذرعه المختلفة يشارك في تنفيذ هذه الانتهاكات بحماية المستوطنين وتسهيل اقتحاماتهم للقرى والمدن المختلفة.

ويقول حنتش لـ"الرسالة نت" إن العام الماضي شهد تصعيدا غير مسبوق في اعتداءات "المستوطنين" خاصة خلال شهر أيلول وما بعده، وتضمنت تلك الممارسات حرق منازل ومساجد وأراض وحقول زراعية ومركبات، إضافة إلى مهاجمة الاهالي وتصعيد في عمليات الدهس المتعمد والتي استشهد على إثرها مواطن من مدينة سلفيت قبل أشهر، ناهيك عن رشق المركبات بالحجارة على الطرق الرئيسية.

ويضيف:" عمليات العربدة من "المستوطنين" تزامنت مع تصاعد في عمليات الهدم من قبل قوات الاحتلال بحق المنازل والمنشآت على أرض الضفة وتسليم أخطارات الهدم بشكل متزايد والاستيلاء على أراض ومصادرتها".

البث المباشر