قائمة الموقع

بانقطاع الكهرباء.. حر الصيف يكوي الغزيين فمن المسئول؟

2009-08-03T04:10:00+03:00

غزة- محمد أبو قمر

ضبطت أم محمد المنبه الساعة الثانية عشر ليلا وقررت الخلود إلى النوم مبكرا بعدما خيم الظلام على المنطقة، على أن تستيقظ في موعد عودة التيار الكهربائي بعد منتصف الليل لإنهاء أعمالها المنزلية من "خبز وغسيل" .

ويجسد حال أم محمد معاناة أهالي غزة في أيام الصيف الحارقة التي يتواصل فيها انقطاع الكهرباء لساعات طويلة بسبب العجز الكهربائي الذي وصل لمستويات قياسية خلال الشهر الأخير، في الوقت الذي تنفي فيه الجهات المختصة مسئوليتها عن الانقطاع الخارج عن إرادتها، كما تقول، حيث يحول الحصار دون التغلب عليه.

"الرسالة" حاولت الوقوف على أبعاد الأزمة المتراكمة رغم حالة التماس بين سلطة الطاقة ومحطة التوليد وشركة التوزيع "الثلاثي" الذي يضعهم المواطنون في دائرة الاتهام.

عجز كهربائي

وتجلس أم محمد في الأربعين من عمرها على باب منزلها تحاول اصطياد نسمة هواء باردة ، بعيدا عن حرارة المنزل الملتهبة وتقاسيم وجهها الساخطة تلقي باللوم على كل من يعمل في مجال الكهرباء ، وهي تقول " حياتنا صارت "بالمقلوب" بتنا نستيقظ في الليل لإنهاء عملنا والناس نيام عندما تكون الكهرباء قوية ".

وقد اضطر تامر أحمد صاحب مركز للتدريب في مجال الكمبيوتر الاعتذار للمنضمين للدورات التي ينفذها أكثر من مرة بسبب انقطاع الكهرباء ، وأعاد جزءا من رسوم الدورة للمشتركين للخروج من المأزق الذي وقع فيه نتيجة انقطاع الكهرباء .

ويقول أحمد " على مدار الأيام الماضية تنقطع الكهرباء في ساعات الصباح وحتى العصر ، ولا صحة للحديث عن التزام شركة الكهرباء بجدول محدد لقطع التيار الكهربائي " .

وظهرت علامات الامتعاض على قسمات وجه المواطن عبد الكريم أبو صبحة فور سؤاله عن الكهرباء ، وقال: "حتى المياه لم تعد متوفرة في المنازل بسبب انقطاع الكهرباء " ,

واضطر أبو صبحة لتعبئة جالونات صغيرة من المياه المتقطعة التي تصل من "البلدية" ، والصعود بها لخزان الماء أعلى المنزل لتعبئته يدويا .

واجتهد المواطنون بعدما يئسوا من حل قريب لأزمة الكهرباء بالبحث عن حلول بديلة ، حيث اجتاحت المولدات الكهربائية منازل المواطنين بشكل كبير لحين انفراج الأمور .

وتعود أزمة الكهرباء منذ منتصف العام 2006 عندما أقدمت طائرات الاحتلال على قصف المحولات الكهربائية التابعة لسلطة الطاقة الفلسطينية والتي بدورها تحول الكهرباء المنتجة في محطة التوليد الوحيدة في غزة إلى شبكة التوزيع ، حيث أدخل ذلك القصف القطاع بدائرة العجز الكهربائي.

ويرجع المهندس كنعان عبيد نائب رئيس سلطة الطاقة الانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي إلى زيادة الأحمال في فصل الصيف ، وزيادة الطلب في الكهرباء أكثر مما هو متاح .

وقال عبيد "للرسالة" "احتياجات قطاع غزة تقدر بمائتين وخمسين ميغا واط ، في حين أن المتاح مائة وتسعين ميغا واط فقط ، مما يضطرنا لاعتماد برامج فصل وتوزيع الكميات المتوفرة" .

وبحسب عبيد فان البرنامج المتبع حاليا في محافظة غزة هو قطع التيار الكهربائي أربع مرات أسبوعيا اثنتين نهارا ومرتين ليلا ، على أن تمتد فترة كل مرة ثماني ساعات ، مشيرا إلى أن زيادة ساعات انقطاع الكهرباء في بعض المناطق ناجم عن الأعطال الفنية بسبب زيادة الأحمال مما يسبب تشويشا في البرنامج .

من المسئول؟

ويحمل المواطنون المسئولية لشركة الكهرباء بشكل مباشر على اعتبار أنها المسئولة عن إيصال الكهرباء لمنازل المواطنين ، ويرفضون الاستسلام أمام الأمر الواقع والاكتفاء بحديث المسئولين أنهم يوزعون ما هو متاح دون إيجاد حلول جذرية للأزمة .

لكن المهندس جمال الدردساوي مدير العلاقات العامة بشركة توزيع الكهرباء ينفي مسئولية شركته عن العجز في التيار الكهربائي ، مؤكدا أنهم جهة فنية تكمن مهامها في توزيع كميات المتوفرة سواء من قبل الاحتلال ومحطة التوليد بغزة والكهرباء القادمة من مصر فقط .

ويتابع " شركة الكهرباء لا تتحمل مسئولية الطاقة المتوفرة وتوفير حاجة المواطنين ، وزيادة الكمية ملقى على عاتق سلطة الطاقة" .

ويبرر كنعان عبيد التقطع في الكهرباء بأن المحولات الصغيرة المتوفرة حاليا والتي تستقبل الكهرباء المنتجة من محطة التوليد محملة بطاقة أكبر من قدرتها مما يزيد المشاكل الفنية ، وقال " ما يصل إلى غزة من الكهرباء يقدر بمائة وتسعين ميغا واط منها مائة وعشرين من الخطوط الإسرائيلية، وسبعة عشر ميغا واط قادمة من مصر ، فيما تنتج المحطة خمسة وخمسين ميغا واط ، وذلك نتيجة العجز في إمدادات الوقود المحدد من الاحتلال بمليوني لتر أسبوعيا فقط بناء على قرار من المحكمة الإسرائيلية " .

وفي نفس السياق يقول الدكتور ضرار أبو سيسي مدير التشغيل بمحطة توليد الكهرباء أن المحطة كانت تنتج خلال الأيام الماضية خمسة وخمسين ميغا واط ، وذلك بناء على ما تحتمله المحولات الخاصة بسلطة الطاقة ، متوقعا أن يعاد تشغيل المحول اليوم الخميس بعد أن كان قيد الصيانة في مصر لأكثر من شهر ليصبح مجموع ما تنتجه المحطة 75 ميغا واط وهو ما سينعكس بالإيجاب على انخفاض عدد ساعات انقطاع التيار الكهربائي .

ويشدد أبو سيسي على أن المحولات التي وفرتها سلطة الطاقة كبديل عن تلك التي تم قصفها منتصف 2006  لا تستطيع احتمال جميع الكميات التي بمقدور المحطة إنتاجها ، مشيرا إلى أن قدرة المحطة هذه الأيام هي 85 ميغا واط بانتظار دخول قطع غيار موجودة لدى الجانب الإسرائيلي ، وحينها ستكون المحطة جاهزة لإنتاج 140 ميغا واط ، لكن أبو سيسي عاد ليؤكد أن المحولات التي توفرها سلطة الطاقة لا تستوعب الكميات التي بإمكان المحطة إنتاجها .

ويرى أبو سيسي أن موعد وصول قطع الغيار مرهون بالقرارات الإسرائيلية ، وتابع : "كنا نتوقع أن تستغرق عملية إدخال القطع أسبوع واحد خلال فترة الصيانة التي انتهت مطلع يونيو الماضي ، لكن الاحتلال احتجزها " .

وبحسب أبو سيسي فان إدخال قطع الغيار هو بالأساس من مهام سلطة الطاقة الفلسطينية وذلك بناء على الاتفاق بين الشركة والمحطة الذي ينص على أن إدخال وإخراج قطع الغيار من مسئوليات سلطة الطاقة .

ويرفض عبيد تحميل سلطة الطاقة كامل المسئولية عن العجز ، محملا الاحتلال المسئولية الاولى وقال " لو توفرت محولات تستوعب جميع كميات الكهرباء التي تنتجها المحطة ، ستبقى المشكلة قائمة لأن الاحتلال لا يسمح بدخول سوى مليوني لتر أسبوعيا من الوقود الصناعي المشغل لمحطة التوليد وذلك بناء على قرار المحكمة الإسرائيلية ، في حين أن تشغيل المحطة بالكامل بحاجة إلى أربعة ملايين لتر وهو غير متاح حاليا بسبب رفض الاحتلال تزويد الكمية " .

لكن مدير التشغيل بمحطة توليد الكهرباء كرر تأكيده على أن سلطة الطاقة مسئولة عن إدخال الوقود إلى محطة التوليد ، والاتحاد الأوروبي هو الذي يدفع ثمنه ، وكشف عن أن الاجتماع الأخير الذي عقد بين سلطة الطاقة والاتحاد الأوروبي خرج بتفاهم يدعم بموجبه الاتحاد المحطة بكميات إضافية بانتظار الموافقة الرسمية الإسرائيلية" .

توزيع المتاح

ويظهر السجال بين الأطراف المسئولة عن توفير الكهرباء تعدد الأسباب الكامنة وراء استمرار انقطاع التيار الكهربائي حيث يرى الدردساوي أن الكمية المتاحة لا تكفي لسد احتياجات المواطنين بشكل كامل وعلى دفعة واحدة ، إلى جانب الأعطال الفنية الخارجة عن السيطرة ، والعجز القائم منذ عدة سنوات والمقدر بثلاثين بالمائة من كمية الكهرباء ، أي أن الكهرباء تنقطع عن ما يقرب من النصف مليون في آن واحد من مجمل عدد سكان القطاع المقدر بمليون ونصف .

وتحاول شركة التوزيع اعتماد جدول منتظم لإيصال الكهرباء للمواطنين بشكل متساو، لكن حسب مدير العلاقات العامة فان الجدول مرهون بقدرة الكهرباء ففي الربيع تكون الضغوط اقل وبالتالي ساعات وصول الكهرباء للمواطنين تكون أكثر ، أما الجدول المتبع هذه الأيام في الخطوط التي تغذيها الكهرباء الإسرائيلية بمدينة غزة وشمالها يتمثل بقطع الكهرباء ثماني ساعات ، ومن ثم مجيئها ثمان وأربعين ساعة ، ثم اعادة قطعها ثماني ساعات أخرى .

أما في الخطوط التي تغذيها محطة التوليد فالبرنامج القائم يشمل قطع ثماني ساعات ، ثم تواصلها لاثنتين وثلاثين ساعة ، ويليها قطع ثماني ساعات وذلك بناء على الكميات المتاحة .

ويشير الدردساوي إلى أن ذلك البرنامج خارج عن الطوارئ والأعطال الفنية مما يجعل من الصعب التعاطي مع البرنامج .

وكان تقرير لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة "اوتشا" قد كشف مؤخرا أن محطة الطاقة الوحيدة في غزة تعمل بشكل متقطع ما يؤدي إلى نقص بنسبة 41% ، فيما يعاني السكان في غزة من انقطاع التيار لمدة تصل 16 ساعة في اليوم، حيث يؤثر نقص التيار الكهربائي على أنظمة المياه والصرف الصحي مع نتائج واضحة على الصحة العامة ، مشيرا إلى انه يتوقع أن تعاني محطة الطاقة من أضرار على المدى البعيد بسبب انقطاع التيار ونقص الصيانة الضرورية.

وقال التقرير "تصل توقعات طلب الكهرباء في قطاع غزة إلى معدل 237 ميغاواط؛ يتم شراء نسبة 51 % من هذا الطلب (122 ميغاواط) من إسرائيل ونسبة 7% (17 ميغاواط) من مصر، ويمكن لمحطة الطاقة في غزة أن تنتج بكامل طاقتها ما يقرب من 43 % من الطلب، ما يؤدي إلى حصول عجز بنسبة 8%.

وأضاف التقرير " في شهر تشرين الثاني 2007 ، وبعد تصنيف غزة على أنها "كيان معاد"، بدأت إسرائيل بتخفيض كمية الوقود التي تقوم بضخها إلى قطاع غزة، بما يتضمن كميات الوقود الصناعي المستخدم في تشغيل محطة الطاقة، ومنذ ذلك الحين، تمكنت المحطة من العمل بقدرة 75% إلى 80 % من كامل قدرتها (65 ميغاواط)، مما يوسع العجز إلى نسبة 15% وفي العديد من المناسبات خلال الفترة الأخيرة التي تضمنت الحصار المشدد، اضطرت المحطة أن تتوقف عن العمل بشكل نهائي ما أدى إلى انقطاع التيار في كامل مناطق غزة لفترات وصلت إلى 16 ساعة في اليوم في مدينة غزة.

وقال التقرير : "لقد أدى الانقطاع المتكررة للكهرباء والنقص الجدي للوقود وقطع الغيار للمولدات الاحتياطية إلى أضرار في جزء من نظام المياه والصرف الصحي ، فما يقرب من 80 % من آبار مياه غزة تعمل حاليا بشكل جزئي والجزء الآخر لا يعمل.

ونتيجة لذلك تتوفر المياه إلى ما يزيد على نصف سكان غزة لبضعة ساعات فقط في الأسبوع، وفي حين ارتبطت قضية نقص الوقود بالإغلاق.

البحث عن حلول

ولم تتوقف الجهود للتخفيف من حدة انقطاع الكهرباء والتغلب على العجز الذي يعصف بقطاع غزة فقد كشف المهندس عبيد عن مناقصة من خلال بنك التنمية الإسلامي يعكف من خلالها على إدخال محولات جديدة بكفاءة تلك التي كانت قبل قصفها من قبل طائرات الاحتلال منتصف 2006.

ويقول عبيد " يستغرق ذلك المشروع عاما كاملا ، وفي حال وافقت قوات الاحتلال على إدخال تلك المحولات فستكون جاهزة لاستقبال جميع الكميات التي بمقدور محطة الكهرباء إنتاجها " .

من جانبه لم يخف الدردساوي الجهود التي بذلتها سلطة الطاقة لربط شبكة غزة مع مصر في إطار المنظومة الإقليمية الثمانية التي تضم مصر وليبيا والأردن وسوريا ولبان والعراق وتركيا وفلسطين .

وفي حال نجاح ذلك المشروع فان مصر ستمد غزة بكهرباء وفيرة في المرحلة الأولى تقدر بثلاثمائة ميغا واط وهو ما يسد احتياجات المواطنين ، هذا إلى جانب الاستفادة من الكميات المتاحة الآن .

ويرى الدردساوي أن الكهرباء المصرية تحتاج لجهود وظروف تؤهلها للوصول لغزة ، مؤكدا أن تشغيل المحول الذي دخل مؤخرا سيخفف من ساعات انقطاع الكهرباء .

وأمام المحاولات التي تبذل للتغلب على أزمة الكهرباء ، يبقى المواطنون بين التفاؤل الحذر والتشاؤم في انتظار انعكاس النتائج على انخفاض عدد ساعات انقطاع الكهرباء ، وهم يتساءلون من المسئول عن حل الأزمة التي أوجدها الاحتلال لكن ذلك لا يعفي الثلاثي "الطاقة والتوليد والتوزيع من جزء من المسئولية.

 

 

اخبار ذات صلة