الرسالة نت - وكالات
التطورات اليومية للأحداث في مصر، تؤكد بما لا يدع مجالًا للشك أن المجال أصبح مفتوحًا على مصراعيه أمام مختلف أنواع اللاعبين المحليين والإقليميين والدوليين من أجل إعاقة الثورة المصرية ومنعها من تحقيق أهدافها التي قامت من أجلها.
الثورة المصرية مازالت حتى الآن لم تحقق أهدافها، وهو أمر عادي تشهده جميع الثورات في العالم، فلكي تتمكن الثورة من تحقيق أهدافها لابد من تطهير جميع أجهزة الدولة من القيادات العليا والوسطى التي تقف ضد أفكار الثورة وتعمل على إعاقتها بكل ما تملك. ولابد أن يحل محل هؤلاء قيادات عليا ووسطى متحمسة لأفكار الثورة وأهدافها. هذا التطهير لا يحدث خلال أسابيع أو شهور، ولكنه يتطلب وقتًا طويلًا.
ولكي تتمكن الثورة من تحقيق أهدافها فلابد أن يتم بناء أجهزة الأمن على أسس جديدة، فيتم أولًا هدم البناء الأمني القديم والتخلص منه ومن رجاله تمامًا، ثم تأسيس البناء الجديد على فكر جديد يقوم على احترام آدمية الإنسان المصري، واحترام أحكام الدستور والقانون، والانطلاق من مبدأ أن رجل الأمن خادم للمواطن وليس سيدًا له، وأن تعذيب المواطن وإساءة معاملته جريمة يجب أن يدفع ثمنها فورًا كل من تسوّل له نفسه أن يرتكب هذه الجريمة.
الدستور في رحم الغيب
وإذا كان قد مر عام على الثورة وما زال الدستور الجديد في رحم الغيب، رغم أهميته البالغة في ضبط المفاهيم، وفي تأسيس الحقوق والواجبات وفي تأسيس الدولة على أسس عصرية، فهو ما يؤكد أننا مازلنا بعيدين عن تهيئة الأجواء من أجل أن تأتي الثورة بثمارها المرجوة.
ولن يشعر المصريون بالتغيير الذي دفعوا ثمنه غاليًا من دماء الشهداء وجراح المصابين، إلا إذا رأوا أن التطهير قد وصل إلى القضاء، وتم إبعاد القضاة الذين كانوا يصدرون للنظام البائد الأحكام السياسية التي يريدها من أجل سحق خصومه، كما أنه لابد أن يصدر القانون المنتظر للسلطة القضائية الذي يحقق للقضاء استقلاله التام عن وزارة العدل وعن تأثير السلطة التنفيذية.
ولن يتأكد المصريون من تحقيق ثورتهم لأهدافها إلا إذا رأوا إعلامًا جديدًا غير إعلام الكذب وتصفية الحسابات والخداع الذي تم فرضه عليهم لعقود طويلة، فحينما يرى المصريون إعلامًا صادقًا ينطلق من المهنية والحياد ويحترم الشعب ويؤمن بفكر الثورة ويحارب الفساد ويناقش القضايا الحقيقية التي تهم الناس.. ساعتها سوف يتأكد المصريون أن ثورتهم قد نجحت.
ولن يصدق المصريون الشعارات والكلام المعسول إلا حينما يتأكدون أن مصر أصبحت ملكًا لهم وليست نهبًا متاحًا لحفنة من رجال الأعمال والمحظوظين، وإلا إذا عاينوا أن ثروتهم قد ردت إليهم، وأن الفاسدين قد تمت ملاحقتهم ومحاسبتهم، وأن القتلة قد تم القصاص منهم، وعلى رأسهم المخلوع وزمرته.
ولأن كل هذه المطالب التي رفعتها الثورة لم يتحقق منها شيء إلا تأسيس برلمان جديد انتخبه المصريون بإرادة حرة وبطريقة شفافة ونزيهة وبإشراف قضائي كامل ومشهود بكفاءته، فإن المأمول أن يكون هذا البرلمان هو النواة الأولى التي ستحقق للمصريين كل مطالب ثورتهم. ولأن البرلمان ليس جهة تنفيذ ولكنه جهة رقابة وتشريع، فإننا مازلنا في بداية الطريق حتى يتم تنقية القوانين وإصدار التشريعات الجديدة، ثم تكليف حكومة جديدة من الأحزاب الفائزة في الانتخابات البرلمانية من أجل تنفيذ هذه التشريعات.
التيارات المعادية تتكاتف
لكن القوى والتيارات المعادية للثورة تكاتفت من أجل منع الثورة المصرية من تحقيق أهدافها، لأن هذا النجاح سيقضي على مصالح كثير من الجهات التي اعتادت التعاون الكامل والمساعدة من النظام البائد.
فالولايات المتحدة كانت تعتبر مصر مستعمرة أمريكية مضمونة تتسابق في تنفيذ ما يصدر إليها من تعليمات. فنظام المخلوع مبارك أساء أعظم إساءة لمصر وقزّم دورها وجعل قرارها السياسي تابعًا للإدارة الأمريكية.
أما إذا نجحت الثورة المصرية في تحقيق أهدافها فمعنى ذلك أن يكون بمصر نظام وطني يعمل على استقلال القرار السياسي المصري، ويجعل القرار لتنفيذ مصالح البلاد العليا. كما سيعمل هذا النظام الوطني على زيادة الإنتاج المحلي والتقليل من الاستيراد، وهذا ما لا يريده الأمريكان والغرب عمومًا، الذين يريدون أن تبقى بلادنا أسواقًا مفتوحة أمام صادراتهم.
ولذلك فلم يكن التحرك الأمريكي من خلال المنظمات الحقوقية مستغربًا، فالأمريكان موّلوا هذه المنظمات لكي تشيع الفوضى في المجتمع المصري، من خلال الإبقاء على حالة التظاهر والاحتجاج مستمرة، مما يزيد من إمكانية حدوث مواجهات بين المتظاهرين وأجهزة الدولة، وهو ما يعني سقوط المزيد من القتلى والمصابين، الذين يشكلون الوقود لحدوث مزيد من المظاهرات والاحتجاجات والمواجهات، وهكذا تستمر دائرة الفوضى الجهنمية، وعندها يكره المصريون أنفسهم ويكرهون اليوم الذي قاموا فيه بثورتهم، وتزيد المطالبات بدفع الغالي والنفيس والتنازل عن كل شيء من أجل استعادة الهدوء والأمن مرة أخرى.
الحملات المسعورة
وحينما تحرك المجلس العسكري الحاكم للتفتيش على هذه المنظمات ومعرفة مصادر تمويلها، وهو حق سيادي ودستوري وقانوني خالص له، إذا بالحملات المسعورة يتم شنها عليه من جهتين أساسيتين: الأولى هي الولايات المتحدة، والثانية هي هذه المنظمات التي تعيش على المساعدات الأمريكية.
ولأن الموضوع شديد الأهمية بالنسبة للولايات المتحدة، لخطورة الدور الذي تقوم به هذه المنظمات لصالحها، فقد أعلن البيت الأبيض أن الرئيس الأمريكي اتصل بالمشير طنطاوي بهذا الشأن، وربط الأمريكان بين الموافقة على قرض صندوق النقد الدولي البالغ 3.2 مليار دولار الذي طلبته مصر وبين السماح لهذه المنظمات الاستخباراتية بالعودة إلى العمل مرة أخرى.
ثم أرسل عدد من أعضاء الكونجرس خطاباً إلى أوباما يحرضونه على قطع المساعدات عن مصر إن لم يتم حل أزمة المنظمات المذكورة. ثم جاء طوفان من الزيارات من مسئولين وشخصيات أمريكية للضغط على مصر مثل جيفرى فيلتمان وفرانك بيرنز مساعدي زير الخارجية، ثم الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر ثم مايكل بوزنر مساعد وزير الخارجية لحقوق الإنسان، ثم الوفد القضائي الأمريكي برئاسة وزير العدل الأمريكي، بعد منع 4 مواطنين أمريكيين من السفر منهم سام لاهود مدير فرع المعهد الجمهوري في مصر وهو في نفس الوقت ابن وزير النقل الأمريكي.
أما المنظمات المشبوهة فإنها شنت حملة كبرى ضد المجلس العسكري للتغطية على تجاوزاتها. وقد كشفت هذه القضية عن أنه يوجد بمصر حوالي 23 ألف منظمة تعمل في المجال الأهلي وحقوق الإنسان. وقد تفجرت القضية بعد أن أعلنت السفيرة الأمريكية في القاهرة "آن باتريسون" في يونيه الماضي، في جلسة استماع بلجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي يوم 21 يونيه 2011م، أن واشنطن مولت نشطاء مصريين بــ 42 مليون دولار، خلال ثلاثة أسابيع بعد ثورة 25 يناير دون علم الحكومة المصرية. وأكدت وزيرة التخطيط والتعاون الدولي د. فايزة أبو النجا، في شهادتها أمام قاضى التحقيقات في القضية، أن الأموال التي ضخت إلى جيوب النشطاء السياسيين والحقوقيين بلغت 200 مليون دولار.
وإذا كان منطقيًا أن نرى الضغوط الأمريكية وضغوط مرتزقة الداخل الذين يستحلون التمويل الأمريكي من أجل تنفيذ الأجندة الأمريكية والتجسس وإشاعة الفوضى في مصر وإعاقة الثورة عن تنفيذ أهدافها، فإن غير المفهوم هو أن تمتنع الدول العربية عن مساعدة مصر في هذه اللحظات الفارقة في تاريخها، وتتركها نهبًا للضغوط الأمريكية، والأسوأ من ذلك أن نسمع عن شرط مسبق لهذه المساعدات وهو عدم محاكمة المخلوع الذي أفسد حياة المصريين ونهب ثرواتهم وقزّم الدور المصري!!
وغير خفي ما يقوم به الطابور الخامس من الذين زلزلهم سقوط المخلوع ونظامه البائد، وهؤلاء في الأساس رجال أعمال فاسدون جمعوا ثرواتهم بمساعدة المخلوع وأجهزته الفاسدة. وهم قادة الحزب الوطني المنحل، الذي تحول من مركز قوة يملك كل شيء، إلى حزب منحل تصب عليه لعنات المصريين صباح مساء.
لكن القطاع الثوري العلماني، أصبح من أهم المعوقين لثورة 25 يناير، والذي يحول بينها وبين تحقيقها لأهدافها. فهذا القطاع فعل كل شيء لكي تتعطل الثورة، فمرة يثير قضية الدستور أولًا، ومرة يثير قضية المبادئ فوق الدستورية، ومرة يطالب بتأجيل الانتخابات حتى تستعد الأحزاب التي تعبر عن الثوار، ومرات يثير تهمًا تتعلق بالتحالف بين الإسلاميين والمجلس العسكري الحاكم، وكان الدافع لكل ذلك هو إدراكهم الكامل أن أي احتكام للشارع سوف يكون في صالح الإسلاميين.
مشكلة العلمانيين
وبعد أن اكتملت الانتخابات البرلمانية، رغم محاولات العلمانيين تعطيلها، وبعد أن فاز الإسلاميون بالأغلبية، تحول العلمانيون إلى إثارة قضية خطيرة وهي "شرعية الميدان لا شرعية البرلمان"، بل إنهم رفعوا شعارات تعبر عن مكنون أنفسهم مثل "الشعب يريد إسقاط البرلمان"، "الشعب يريد إسقاط الإخوان". وهي شعارات ضد الثورة نفسها، فالثورة في النهاية لابد أن تتحول إلى مؤسسات، والبرلمان لن يسقطه الشعب، لأن الشعب هو من انتخبه وهو من انتخب الإخوان، ولو أعيدت الانتخابات كما يطالب العلمانيون فإن نجاح الإسلاميين سيكون أكبر، لأن الشارع ساعتها سيؤكد على سابق خياره وسينحاز للتيار الإسلامي الذي يتعرض للهجوم والتشويه كل يوم على أيدي العلمانيين.
مشكلة العلمانيين أنهم يريدون احتكار المشهد الثوري، والتمسك برأيهم لدرجة الاستبداد، وعدم تقبل الآراء المخالفة، بدعوى أنها ضد الثورة وصادرة عن "فلول" أو "حزب كنبة"، وما أبشع أن يتم رفع الأحذية في وجوه الإخوان وسبهم بأبشع الشتائم في ميدان التحرير لأنهم قالوا بالاحتفال بالثورة ولم يقولوا باستكمال الثورة، فالعلمانيون يريدون أن يحتكروا المشهد الثوري ولا يريدون أن يقول أحد إن الإسلاميين ثوريون، فضلًا عن أن الإسلاميين هم من حمى الثورة وساعد على نجاحها.
فالثورة في المنطق العلماني هي قطع الطرق، ومنع د. كمال الجنزوري، رئيس الوزراء، من دخول مقر الحكومة، والثورة في منطقهم أيضًا هي الخروج عن السلمية، والتقليل من أهمية الانتخابات البرلمانية، والدعوة لمقاطعتها، والادعاء بأنها لم تعبر عن المصريين، والشعب المصري في منطقهم جاهل لأنه انتخب الإسلاميين.