لندن –الرسالة نت
نشرت صحيفة "ذي غارديان" البريطانية الجمعة تحقيقاً مسهباً عنوانه "انصار حماس المعتقلون يعذبون على ايدي عملاء فلسطينيين لهم صلات وثيقة بوكالة الاستخبارات المركزية الاميركية".
وهنا نص التحقيق:
"علمت ذي غارديان ان عملاء امن فلسطينيين يعتقلون انصار حركة حماس الاسلامية ويزعم انهم يعذبونهم يعملون بصورة وثيقة مع عملاء الاستخبارات المركزية الاميركية.
وكان الرئيس الاميركي باراك اوباما قد أصدر امرا ادرايا قبل اقل من عام حظر بموجبه اعمال التعذيب وشدد على التحقيق المشروع مع المحتجزين لدى الولايات المتحدة، وبدأت تظهر بعض الادلة على ان وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية تتعاون مع وكلاء امنيين قامت هيئات حقوق الانسان على نطاق واسع بتوثيق استمرارهم لممارسة التعذيب.
وقال دبلوماسيون ومسؤولون غربيون في المنطقة ان العلاقة بين الوكالة الاميركية واثنتين من الوكالات الفلسطينية في هذا المجال – هما جهاز الامن الوقائي وجهاز الاستخبارات العامة – وثيقة لدرجة يبدو معها ان الوكالة الاميركية تشرف على اعمال الفلسطينيين.
وقال احد المسؤولين الغربيين ان "وكالة (الاستخبارات الاميركية) تعتبر هذين الجهازين الفلسطينيين تابعين لها". وأضاف مصدر دبلوماسي ان النفوذ الاميركي عليهما قوي الى درجة انه يمكن اعتبارهما "الذراع المتقدمة للحرب ضد الارهاب".
وفيما تنكر وكالة الاستخبارات الاميركية والسلطة الفلسطينية ان الوكالة الاميركية تتحكم بنظيرتيها الفلسطينيتين، فان ايا منهما لا ينفي انهما يتعاونان بشكل واسع في الضفة الغربية.
وتبرز تفاصيل هذا التعاون لدى تساؤل بعض منظمات حقوق الانسان عما اذا كانت وكالات الاستخبارات الاميركية تغض النظر عن التحقيق التعسفي الذي تمارسه وكالات استخبارات تتعامل معها في دول اخرى.
وحسب ما اوردته هيئة المراقبة الفلسطينية "الحق" فان حقوق الانسان في الضفة الغربية وغزة "تدهورت كثيرا نتيجة اتساع اطار الانتهاكات التي يمارسها العملاء الفلسطينيون" هذا العام.
ان معظم الذين اعتقلوا من دون محاكمة وقيل انهم تعرضوا للتعذيب في الضفة الغربية هم من انصار حركة "حماس" التي فازت في الانتخابات الفلسطينية عام 2006 وان كانت قد وسمتها السلطة الفلسطينية- التي تسيطر عليها حركة "فتح" المنافسة - والولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي بانها منظمة ارهابية. وفي قطاع غزة الذي تسيطر عليه "حماس" منذ اكثرمن سنتين شاعت انباء بان قواتها تحتجز وتعذب انصار حركة "فتح" بالطريقة ذاتها.
ومن بين هيئات حقوق الانسان التي قامت بتوثيق سوء معاملة المحتجزين لدى السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية واشتكت من ذلك منظمات "أمنستي انترناشونال" و"هيومان رايتس ووتش" و"الحق" وهيئة حقوق الانسان الاسرائيلية "بتسيلم". وحتى لجنة حقوق الانسان التابعة للسلطة الفلسطينية اعربت عن "قلق عميق" بسبب سوء معاملة المحتجزين.
واكثر الشكاوى شيوعا هي الشكوى من ان المعتقلين يضربون ضربا مبرحا ويتعرضون لعمليات تعذيب تعرف بـ"الشبح"، بتعليقهم واجبارهم على اتخاذ اوضاع مؤلمة لفترات طويلة. كما ترددت انباء عن الحرمان من النوم وحشد اعداد كبيرة من المعتقلين في زنزانات صغيرة لحرمانهم من الراحة.
وبدلا من مثولهم امام محاكم مدنية يقف كل المعتقلين امام نظام من القضاء العسكري يمكن بموجبه عدم مثولهم امامه لمدة ستة اشهر.
وحسب ما ذكره مسؤولون في السلطة الفلسطينية يحتجز لدى جهاز الامن الفلسطيني وجهاز المخابرات العامة ما بين 400 و 500 من المؤيدين لـ"حماس".
وبلغ سوء المعاملة من القسوة درجة شديدة ادت الى موت ثلاثة على الاقل من المعتقلين. ومن بين احدث تلك الحوادث ما لحق بالمعتقل هيثم عمر (33 سنة) وهو ممرض مؤيد لـ"حماس" من مدينة الخليل توفي بعد اربعة ايام من احتجازه لدى المخابرات العامة الفلسطينية في حزيران (يونيو). واوحت اثار الكدمات الواسعة حول كليتيه بانه تعرض للضرب حتى الموت. ومن بين الذي فارقوا الحياة اثناء احتجازهم لدى تلك المخابرات العام الماضي ماجد البرغوثي (42 سنة) وهو امام في احدى القرى القريبة من رام الله.
ورغم انه ليست هناك ادلة على ان وكالة الاستخبارت المركزية الاميركية أمرت بتلك المعاملة، فان نشطاء حقوق الانسان يقولون انها ستوقف على الفور اذا مورس ضغط اميركي على السلطات الفلسطينية.
وقال شهوان جبارين، المدير العام لهيئة "الحق" ان "بامكان الاميركيين ان يوقفوا ذلك في اي وقت. وكل ما عليهم ان يفعلوه هو ان يبلغوا (رئيس الوزراء) سلام فياض انهم سيجعلون من هذه المسألة قضية. ويمكنهم القول انه لا بد من مثول المعتقلين من دون تأخير امام المحاكم".
وقال احد الدبلوماسيين في المنطقة ان مسؤولي الاستخبارات الاميركيين يدركون "على اقل تقدير" ان هناك اعمال تعذيب ولا يفعلون ما يكفي لوقفه.
واضاف: "هناك عدد من الاسئلة التي يجب توجيهها للادارة الاميركية: الى ماذا يهدفون من وراء ذلك وما هو دورهم فيه. هل يدربون الجهازين الامنييين الفلسطينيين وفق جدول الادارة الاميركية السابقة بما في ذلك سكب الماء على الوجه. وهل يتحكمون بالوضع ام انهم مجرد مشاهدين لما يجري".
واقر سعيد ابو علي وزير الداخلية في السلطة الفلسطينية بان المعتقلين قد عذبوا وان بعضهم قد مات لكنه قال ان مثل هذه الانتهاكات ليست سياسة رسمية وانه يجري اتخاذ خطوات لمنعها. وقال ان انتهاكات كهذه "تحدث في كل بلد في العالم". وحاول ابو علي في بادئ الامر ان تكون وكالة الاستخبارات الاميركية المركزية "متورطة بعمق" مع جهازي الاستخبارات الفلسطينيين المسؤولين عن تعذيب انصار "حماس"، لكنه اقر بعد ذلك بوجود صلات. وقال: "ثمة صلة ولكن ليس هناك اشراف من جانب الاميركيين. المسألة كلها فلسطينية ولكن الاميركيين يساعدوننا".
ولا تنكر الـ"سي أي ايه" انها تعمل مع منظمة الامن الفلسطينية والاستخبارات العامة مع انها ترفض ان تقول ما الفائدة التي جنتها من الاستخبارات المنتزعة خلال استجواب "انصار حماس". ولكنها تنفي انها ادارت ما وصفه احد المسؤولين بـ"عين نيلسون تجاه الانتهاكات (أي انها غضت الطرف جزئياً).
ونفى الناطق باسم الـ"سي أي ايه" بول غيميجليانو ان تكون الوكالة لعبت دور اشراف على جهاز الامن الفلسطيني او الاستخبارات العامة وقال: "ان الفكرة القائلة بان هذه الوكالة تسير وكالات استخبارات اخرى هي ببساطة فكرة خاطئة. ان "سي أي ايه" لا تدعم ولا تهتم الا بالاساليب المشروعة التي تنتج استخبارات سليمة".
ويزداد القلق في الضفة الغربية بشأن الانتهاكات ضد المعتقلين بالرغم من جهود المجتمع الدولي لايجاد مؤسسات فلسطينية تضمن مزيدا من الامن كخطوة اولى نحو ايجاد دولة فلسطينية. وجاء اكثر من نصف موازنة السلطة الفلسطينية البالغة 2800 مليون دولار من المانحين الدوليين في السنة الماضية. وقد ابتلعت وزارة الداخلية والامن الوطني اكثر من ربع تلك الموازنة. وقالت منظمة "هيومان رايتس واتش" ومنظمة "الحق" ان البلدان المانحة تتحمل، بزيادتها القدرة الامنية للسلطة الفلسطيني، مسؤولية عن ضمان مراعاتها لمعايير حقوق الانسان الدولية.
وفي صلب الجهود الدولية ايجاد قوة الامن الوطني الفلسطيني وهي قوة درك قوامها 7500 رجل باشراف ضباط جيش من الولايات المتحدة وبريطانيا وتركيا تحت امرة الجنرال الاميركي كيث دايتون. ويلوم فلسطينيون كثيرون الجنرال دايتون على الاساءة الى انصار "حماس" بالرغم من ان صلاحيات الجنرال لا تمتد الى أي من وكالات الاستخبارات المسؤولة.
ويقال ان بعض اعضاء طاقم دايتون حذروا من جانب ضباط كبار في الـ"سي أي ايه" بانه لا ينبغي ان يحاولوا التدخل في عمل جهاز الامن الفلسطيني او المخابرات العامة. وعلى صعيد خاص يقال ان بعضهم يخشى من ان اساءة معاملة المعتقلين والغضب الذي يثيره ذلك في اوساط السكان يمكن ان يؤديا الى تقويض مهمتهم. وقال احد المصادر: "اعلم ان دايتون وطاقمه قلقون جدا مما يجري في مراكز الاعتقال تلك لانهم يعلمون ان ذلك يمكن ان يعرض عملهم للخطر".