غزة- فادي الحسني
أعطى "عمر.س" ظهره للبحر ومضى يضرب الأرض بقدميه الغائرتين في رمال الشاطئ، متجها نحو الطريق العمومي، تاركاً خلفه أصدقاء كان ينوي أن يقضي يومه متنزها معهم، إلا أن ما وصفه بالأسلوب "غير المنطقي" حال دون تمتعه بجلسة الأصدقاء.
عمر واجه توبيخا من عناصر من الشرطة، وانصرف بعد أن أجبروه على ارتداء قميصه الذي سبق أن خلعه عندما وصل إلى الشاطئ، حفاظاً على "الآداب العامة" كما قالوا.
ويقول الشاب العشريني "لماذا يفرض علينا لبس القميص أثناء السباحة، فيما قالت وزارة الأوقاف "إنه من غير الجائز خلع الملابس أمام الفتيات على شاطئ البحر".
وتزداد التساؤلات حول سبب الإجراءات التي يتخذها عناصر الشرطة بحق المواطنين في الأماكن العامة وخصوصا شاطئ البحر، الأمر الذي استدعى بحث "الرسالة" عن دوافع وأسباب هذه الإجراءات.
تثير الشكوك
وتثير التساؤلات التي تصدر عن بعض الشبان وبعض العائلات، الشكوك حول إذا ما كانت "حملة الفضيلة" التي أعلنت عنها وزارة الأوقاف والشؤون الدينية في قطاع غزة، الجمعة الماضية -عبر خطباء المساجد- إيمانية أم أمنية.
ويشتكي الشاب "أحمد.ج" من الأسلوب الذي تعامل به عنصر من الشرطة، أثناء جلوسه بجانب خطيبته على طاولة قرب الشاطئ المزدحم بالمصطافين، ويقول "طلب منا أن ننفصل في الجلسة وأن تجلس خطيبتي أمامي.. لماذا. أيعقل أن تتدخل الشرطة في هذا الشأن أيضا، علما بأني لم أخطئ ولم أخل بالآداب، لاسيما أني جالس أمام العامة".
أما خالد م. وهو طالب ينتظر بشغف إعلان نتيجته في الثانوية العامة فيقول "إن عناصر وصفوا أنفسهم بـ"الأمن" داهموا الطاولة التي كان يجلس عليها برفقة أصدقائه الذين جاؤوا للاستجمام، وطلبوا منهم خفض صوت الموسيقى التي كانت تصدح من أحد الهواتف النقالة.
وينتقد خالد هذا التصرف الذي اعتبره "تصرفا استفزازيا".
في المقابل وجه البعض انتقادا للحكومة، مطالبين إياها بضرورة وضع حد لما أسموه "الخلاعة"، والممارسات غير الأخلاقية المستشرية في القطاع وخصوصا، "تبرج المرأة" في الأماكن العامة.
ويعد البحر الملاذ الوحيد للغزيين الذين يخضعون لحصار إسرائيلي خانق، وتقام خلال أشهر الصيف الثلاثة كافيتريات على امتداد ساحل غزة البالغ 45 كيلو مترا، وتجهز من الخيام وأعواد النخيل، ويكثر الازدحام في هذه المناطق يومي الخميس والجمعة من كل أسبوع.
وتعتبر وزارة الأوقاف أن "حملة الفضيلة" ما هي إلا حملة دعوية، مؤكدة أن دواعي الحملة تفشي بعض المظاهر غير الأخلاقية في قطاع غزة الذي تسيطر عليه حركة حماس منذ منتصف يونيو/ حزيران 2007.
ويبين الوكيل المساعد لوزارة الأوقاف والشئون الدينية، عبد الله أبو جربوع، أن الفكرة تولدت عقب ورشة عمل أقامتها وزارات الأوقاف والداخلية والعدل وجهاز الشرطة، موضحا:"أن المجتمعين خرجوا بعدد من التوصيات رفعت إلى مجلس الوزراء، من أجل الحد من هذه الظواهر ومحاصرتها، لاسيما إذا خرجت بصيغة قانون يراقب ويحاسب".
ورغم تأكيد أبو جربوع على أن المجتمع الفلسطيني مسلم بالفطرة وذا التزام بالأخلاق، إلا أنه قال "ما من شيء إلا وفيه نقصان..ليس هناك شئ كامل", وهو ما فيه إشارة إلى أن هناك بعض الظواهر التي لا تتماشى مع الآداب العامة.
لا تهاون فيها
وبين أن هناك أمورا لا يمكن القبول بها في مجتمع محافظ "كالاختلاط في الأفراح"، وقال "هناك أمور يجب عدم التهاون فيها".
ولفت إلى أن الحملة غير مقتصرة على شاطئ البحر وإنما"ستطال كافة المناطق كالأسواق والمتنزهات"، موضحا أنه من الملاحظ أن هناك ظواهر سلبية في الأسواق تتمثل في عرض الملابس الخاصة بالنساء على "المانيكان".
وقال أبو جربوع "هذه المجسمات تبدو كفتاة طبيعية وبالتالي لا يعقل شرعا أن تكون بهذا الشكل، بالإضافة لصالونات الكوافير وما يحدث فيها من أمور مخالفة للشرع".
ويشير إلى أن تشريع قانون الأخلاق العامة سيمكن رجال الشرطة سواء في الشوارع العامة أو الأسواق، من زجر من يقع في مثل هذه الإشكالات.
ويؤكد أبو جربوع أن وزارة الأوقاف ستشرف على الشق الإرشادي من الحملة بينما ستتولى وزارة الداخلية الشق التنفيذي.
ويقول أبو جربوع "ستكون هناك لوحات إرشادية ستوزع في الشوارع والجامعات ستزجر ظواهر الإدمان والتدخين والتبرج والتسكع".
وبالعودة إلى قضية شاطئ البحر، فإن وكيل مساعد وزارة الأوقاف يؤكد أن هناك شكوى متزايدة ضد بعض الشباب المصطافين على شاطئ البحر، ويقول "لا يجوز أن يأتي شاب إلى الشاطئ ويخلع ملابسه أمام الفتيات".
وعن محاولة منع تدخين "النرجيلة" في بعض الأماكن، قال "موضوع النرجيلة فيه إيذاء وضرر للصحة وأؤكد أن النرجيلة و"السجائر" حرام حرام ولا يجوز تدخينها". وأضاف أبو جربوع "نحن لا نريد منع النرجيلة الآن.. لدينا برامج".
الحجاب مستقبلا
في ذات الوقت دعا أبو جربوع الفتيات للالتزام بالحجاب، قائلا "أدعو الفتيات للالتزام بالحجاب، نحن نعيش في مجتمع محافظ، ومستقبلا سيفرض الالتزام بالزي الشرعي والحجاب في الجامعات، مبدئيا فقط نريد التوعية وتهيئة الأجواء".
وأشار إلى أن الشرطة الفلسطينية ستساهم في "حملة الفضيلة" من خلال تواجد عناصرها الدائم والمستمر في الطرقات وارتدائهم سترة فسفورية تحمل شعار الحملة.
فيما لفت الشيخ يوسف فرحات مدير عام الإدارة العامة للوعظ والإرشاد بوزارة الأوقاف أن الحملة ستهدي سائقي السيارات شريط كاسيت يحمل خطبة بعنوان الحملة "نعم للفضيلة"، وأنها ستشكل زيارات ميدانية لمحال البيع الخاص بالنساء وإهدائهم نشرات دعوية تعالج بعض المخالفات التي تحدث في تلك المحال التجارية.
ويقول فرحات "إن الزيارات ستحاول القضاء على ظاهرة ما يسمى (بالمانيكان)، حيث تعرض الملابس الفاضحة خارج المحال إضافة إلى الصور العارية".
وبين أن الحملة ستقوم بالتنسيق مع عدد من وسائل الإعلام المحلية من أجل تنظيم برنامج بعنوان "حراس الفضيلة" يقدمه نخبة من أهل العلم والقدوة في المجتمع الفلسطيني، وكذلك طرح عدد من القضايا الحوارية لنفس الهدف.
وحذر فرحات المواطنين من الوقوع في الرذيلة من خلال المشاركة في الفعاليات الخارجة عن الشرع، مكررا تحذيره للمواطنين بعدم الاختلاط في الصالات العامة وصالات الأفراح، وعدم إقامة السهرات الليلية المختلطة دون وجود أدنى حد من الرقابة.
الرحلات والرقابة
كما حذر فرحات من إقامة الرحلات الطلابية المختلطة، والحذر من انتشار ظاهرة "الكافي شوب" المغلق، مطالبا بمضاعفة رقابة الأجهزة الأمنية على هذه الأماكن.
في نفس الوقت حذر مدير عام الإدارة العامة للوعظ والإرشاد بوزارة الأوقاف، من انعدام الرقابة على الانترنت "مما يتيح الفرصة للجميع لتداول أية مواد إباحية"، وكذلك منع تداول وبيع قطع ذاكرة محملة بالمقاطع الإباحية، ومنع تداول الحبوب المخدرة.
وفي وقت لم يتسن "للرسالة" الحصول على تعقيب من وزارة الداخلية، نفى المتحدث باسم الشرطة إسلام شهوان، أن تكون لديهم أية آلية لتنفيذ الحملة التي أعلنت عنها وزارة الأوقاف مؤخرا.
وقال شهوان "للرسالة" "وزارة الأوقاف صاحبة الفكرة ونحن ليس لدينا آلية تنفيذ، كما لا توجد لدينا أية معلومات حولها".
وفي ضوء ضبابية المسؤولية، فإن سؤالا جديدا يطرح: من يُساءل الناس على الشواطئ وفي الشوارع، لطالما الشرطة تنفي مسؤولياتها عن تنفيذ الحملة؟