غزة - أمل حبيب
"نتألم عندما تنظرون لنا باشمئزاز وكأننا عالة على المجتمع.. لسنا لصوصا أو مجانين لتهربوا منا (...) كم سئمنا من وصمة العار التي تلاحقنا رغم رغبتنا بالعلاج, وحلمنا الأول والأخير أن ينتشلنا أحدهم من مستنقع الادمان ويحمينا ويحتضننا, ولابد أن نذكركم أن القوانين الخاصة بالمخدرات نصت على ضرورة إنشاء مصحات لإيداع المدمنين فيها والتي بدونها تتعذر مواجهة المشكلة".. هي صرخة أطلقها نعيم معبرا فيها عن وجع الانسان المدمن الذي يرغب بالعلاج ويجد الطريق مسدودا في وجهه.
الأربعيني نعيم كان كالناطق باسم معاناة الضحايا لأنه عاش تجربة إدمان سابقة لاتزال تترك بعض البصمات على جسمه الهزيل ورعشة تأتيه بين الحين والآخر, كانت الصدمة بالنسبة إليه هي عندما قرر التوقف عن تعاطي السموم فرفضه المجتمع ولم يجد من يحتويه ويؤهله.
وجع التجربة السابقة يجعل البحث عن الاسباب التي أدت لوقوع المدمن في وحل الادمان التي تشبعت بها الصحف وتناقلتها وسائل الاعلام وأشارت اليها الابحاث والدراسات العلمية, شيئا من الماضي.
فمنهم من ضاع بسبب التجربة الأولى أو كلمة رفيق السوء المتكررة "خدها وادعيلي" والآخر راح يبحث عن "الكيف" هربا من واقعه المرير ... تعددت الاسباب والادمان واحد.. بدورنا نضم صوتنا للضحايا ونتساءل: لماذا لا توجد مصحات أو مراكز خاصة لعلاج الادمان في قطاع غزة؟
**صرخة مدمن
نعيم (ابو وليد) يحمل درجة دبلوم عال في ادارة الاعمال من بريطانيا, يشعر بأن الانسان المدمن مضطهد في المجتمع, وقال بعد أن علت نبرة صوته:" من المؤلم أن تقرر التوقف ولا تجد مصحة تحتويك, وبعد أن تصر وتتعالج بمجهودك الشخصي يرفضك المجتمع".
أبو وليد مازال يذكر كلمات صاحب العمل وهو يردد في وجهه "هادا إلى ضايل أشغّل محشش عندي".
عيناه الخضراوان رسمتا ألما غريبا وكأننا نحن من رددنا على مسمعه الكلمات لحظتها, ثم صمت برهة وقال بالإنجليزية عله يجد من يسمعه :"I need a job".
أبو وليد لا يتقن اللغة العربية ولكنه أبدع في نقل صورة معاناة ضحايا الادمان بشكل متسلسل وردد:" أدمنا وخلصنا أرجوكم سامحونا (...) 90% من المدمنين هم ضحايا للوضع الاجتماعي السيء في غزة ورفقاء السوء".
بدأ نعيم تعاطي الكوكايين في العشرين من عمره عند اصابة والده بسكتة قلبية؛ أدت الى وفاته بعدما سرقت أمواله وخسر مشروعه الذي أفنى عمره واغترب من أجله في إحدى الدول الخليجية, ولكنه توقف فورا بعد أن رأى صحته في طريقها نحو الزوال.
امتزجت ألوان ملابس المتعافي أبو وليد لترسم لوحة معاناة لن تتمكن من تفسيرها وخصوصا إذا وصلت الى قدميه شبه العاريتين اللتين يحاول بقايا حذاء أن يحتويهما ولكنه يفشل فتحاصرهما ضربات البرد من كل مكان .
حكاية بسمة قد تختلف مائة وثمانين درجة عن الحالة السابقة , فالضحية فتاة لا يتجاوز عمرها الثمانية عشر ربيعا, دفعها فقر اسرتها المدقع للفضفضة الى احدى زميلاتها بالجامعة, فاستغلت الاخيرة الوضع الاجتماعي الصعب للضحية وأعطتها أول حبة ترامال في دورة المياه قائلة :"اشربيها وادعيلي".
لجأت الضحية الى احدى العيادات الخاصة طلبا للعلاج, بعدما أصبحت مدمنة بامتياز على عقار الترامادول وعند أول سؤال من الطبيب "ما المقابل لأخذك للحبوب وخصوصا أنك لا تملكين المال؟ أجهشت بالبكاء وهي تردد "أغلى ما أملك".
عاد السؤال مجددا بعدما تأثرنا بالضحية بسمة ..(ألا يستحق شبابنا أن نحميه ونحتويه قبل الضياع الكامل؟).
أيمن البطنيجي الناطق باسم الشرطة الفلسطينية أكد أن المسؤولية الكبرى لغياب مصحة لعلاج الادمان في القطاع تقع على عاتق وزارتي الصحة والشؤون الاجتماعية والمؤسسات الأهلية , مشيرا الى أن دور أفراد الشرطة الفلسطينية هو القاء القبض على مروجي المخدرات وتحويل قضاياهم الى النيابة للمحاكمة.
وطالب الناطق باسم الشرطة الى ضرورة تكاتف جهود الحكومة مع مؤسسات المجتمع المدني من اجل معالجة آفة الادمان, لافتا الى أن وزارة الداخلية كانت صاحبة فكرة إنشاء مركز متخصص لعلاج المدمنين في شمال القطاع.
وعند سؤال "الرسالة" له عن نسبة المدمنين في القطاع , لم يحبذ البطنيجي الخوض في الاحصائيات, وأجاب: "قد يكون الرقم مخيفا (...) لا داعي لذكره".
المتابعة الامنية قد لا تكفي وحدها, فبعد خروج المروج أو المدمن من السجن بعد دفع الكفالة "ستعود ريما لعادتها القديمة" و"كأنك يا أبو زيد ما غزيت" .
**مصحة اسبستية
بعد الجهود المتواصلة وحملات المداهمة لأوكار المخدرات والسموم التي تشنها ادارة مكافحة المخدرات في القطاع لإلقاء القبض على المروجين، يبدو الامر محزنا عند لجوء المدمنين لأفراد شرطة المكافحة لطلب العلاج , ولكن أين المصحة التي ستحمي المدمن من وباء العودة للتعاطي؟
الكثير من تجار المخدرات يستغلون الانفاق المنتشرة عبر الحدود المصرية بعد فرض الحصار على القطاع في تهريب المواد المخدرة, وبهذا الشأن بيّن سامي ياغي مساعد مدير ادارة مكافحة المخدرات بالقطاع - في حوار سابق للرسالة - أن 90% من المخدرات تدخل من الجانب المصري عبر الانفاق, منبها الى أن العام الحالي سيشهد اجراءات قانونية بخصوص الانفاق حسب خطة كاملة لضبطها.
وقال ياغي: "المدمن هو ضحية وأسير للإدمان (...) بقدر المستطاع ندله على أماكن الارشاد الاجتماعي والنفسي ونتواصل مع أهله.
ومن العقبات التي تواجه عمل رجال المكافحة ذكر مساعد مدير المكافحة بأن اقسام الشرطة الفلسطينية تفتقر الى علم البصمات وإلى المعامل الخاصة بعملهم في المكافحة اضافة الى انعدام وجود مركز رسمي لمعالجة الادمان.
بدوره قال الرائد أشرف البياري - مدير قسم مكافحة المخدرات بشرطة الشمال- لـ"الرسالة" :" بعد لجوء العديد من مدمني المخدرات الى فروعنا طلبا للعلاج أنشأنا مركزا لعلاج الادمان باسم (كامل وتمام للتأهيل المجتمعي) وهو عبارة عن اجتهاد من أفراد المكافحة بتوجيه من وزارة الداخلية".
وما أن سمعت مراسلة الرسالة بوجود مصحة في الشمال لعلاج وتأهيل الادمان انطلقت فورا نحو مخيم جباليا لزيارته.
بحي القساسيط بالمعسكر كان المركز عبارة عن غرفتين من الاسبست تحتضنه بعض الشجيرات الورقية الخضراء الصناعية علها تعطي المدمن شيئا من الراحة في فترة النقاهة.
رغم بساطة المكان وتواضع امكانياته الا أننا لاحظنا المدمنين في حالة انسجام وهم يجلسون بشكل دائري حول د. أيمن الغوراني مدير عام وحدة التطوير والتخطيط في وزارة الداخلية بغزة.
لم نشأ أن نقطع عليهم درس النصائح والارشادات بأسئلتنا الصحفية وفضلنا الجلوس بين المدمنين لسماع الندوة والتقاط بعض المعلومات الهامة.
الغوراني، خلال ندوته الصحية، بيّن أصناف الغذاء المفيد تناولها في مرحلة الاقلاع عن التعاطي، ومنها كوب حليب مُحلى بعسل النحل، والاكثار من تناول الخضراوات والفواكه لما فيها من فيتامينات تعوض الجسم عن النقص الموجود وتساعد في طرد السموم منه.
ويجري الغوراني بعض الدراسات على عينة المدمنين من خلال العلاج التجريبي وهو نوعية الأكل والمشروبات ملاحظة النتائج, والعلاج النظري عن طريق متابعة سلوكهم وانفعالاتهم لمعالجة حالة الاحباط والشعور بالضياع التي يعيشونها.
لم نجد شحوب الوجه الذي اعتدنا على رؤيته جليا في وجوه المدمنين ظاهرا على وجه عماد - 22 عاما أحد نزلاء المركز, الذي كان سبب تناوله الترامال هو تخفيف آلام إصابته في الحرب على غزة بعد سماعه بأن العقار يتم وصفه لحالات الآلام الشديدة الناجمة عن الرضوض والكسور أو بعد العمليات الجراحية.
مازال عماد يتذكر تلك الحبة الأولى زهرية اللون التي سكنّت اوجاعه وقال:" الاوْلى سكنّت الالم وبعدها أدمنت عليها , وبعد أن استرجع بعض الاعراض التي كانت تأتيه عند توقفه عن التعاطي قال:" نوبات تشنّج يوميا وأرق يمنعني عن النوم " ، الأمر الذي كان يضطره في ذلك الوقت إلى زيادة الجرعة الواحدة باثنتين الى أربعة حتى وصل به الامر الى ابتلاع عشر حبات يوميا على فترات متفرقة.
من جهته أوضح ضياء الحلبي - رئيس مركز "كامل وتمام"- أن فكرة المشروع كانت قائمة منذ عام 2007 ولكن الامكانات كانت غير متاحة, لافتا الى ان العمل في المركز بدأ في بداية العام الحالي.
وذكر الحلبي أن المركز استعان بكفاءات عالية في الصحة النفسية وأخصائيين اجتماعي, لافتا الى وجود اخصائي يحمل دكتوراه في الصحة النفسية والادارة الصحية من الخارج.
أما بالنسبة للفئة المستهدفة فقال :"وضعنا خطة للعمل وهي العلاج لمن لديه الرغبة والارادة في الاقلاع عن الادمان وتابع :" المركز يتسع لـ18 نزيلا وما زلنا نستقبل طلبات للالتحاق من جميع محافظات القطاع".
ويؤكد الحلبي أنهم ينظرون للإنسان المدمن على أنه ضحية غدر الاحتلال واصفا اياه بالجريح الذي أصيب بطلق ناري او قذيفة مدفعية .
وخلال لقائنا مع رئيس المركز وصل الاثاث المكتبي للمركز استعدادا للافتتاح , فمع نشر (الرسالة) عبر صفحاتها التحقيق, يجري افتتاح مركز كامل وتمام المتواضع بشكل رسمي اليوم الخميس.
وذكر الحلبي أن المدمن يخضع لكشف طبي كامل يتضمن فحوصات عامة على الرغم من قلة الامكانات وعدم وجود جهاز لمعرفة نسبة المادة المخدرة في الدم, منوها الى ان فريقا طبيا أمنيا يتبع لوزارة الداخلية قد سافر الى مصر لإجراء بعض الابحاث سيتم الاستفادة منه في مسألة الفحوصات لاحقا.
وبين الحلبي أنهم يعتمدون على تفريع طاقة المدمن بسبب نقص مادة النيكوتين من الدم عن طريق ممارسة الرياضة واعطاء المريض بعض مهدئات التشنج بالإضافة الى التأهيل النفسي والمجتمعي.
وحذر بوستر معلق على أحد جدران المركز من خطورة تعاطي عقار الاترمال مبينا من خلال جسم الانسان بأنه يسبب تهتكا في جزء من خلايا الدماغ، وخللا في وظائف الكبد والكلى وصعوبة في الرؤية وفقدان الشهية، وتصرفات غير محسوبة، والخمول وفقدان الرغبة في العمل.
المعيقات التي تواجه المركز كانت واضحة وخصوصا تواضع المكان وقلة التمويل, ولام رئيس "كامل وتمام" على المؤسسات الدولية والجمعيات التي تدعم وتمول مشاريع غير فعالة في المجتمع, مشيرا الى أنه من الأولى أن يتم انشاء مركز متخصص لعلاج الادمان.
الكثير من الدراسات والابحاث تجمع أن الفئة العمرية التي تقع في وحل الادمان هي الشباب والمراهقين الذين يدفعهم حب الاستطلاع والتجربة الى التعاطي, ولكن يبدو أن لكل قاعدة شواذ فرئيس مركز كامل وتمام أكد أن أول وثاني نزلاء المركز كانا مهندسا وطبيبا.
وبخصوص المشاريع المستقبلية بخصوص علاج الادمان قال البياري :" نحن الان في طور دراسة لمشروع ضخم لإنشاء مستشفى متخصص لعلاج الادمان سيتم افتتاحه نهاية العام .
وخلال حديثنا للبياري قاطعنا اتصال هاتفي من أهل شاب مدمن فأسمعنا الرائد صوت المتصل نزولا عند رغبة (الرسالة) :" أنا خايف على أخويا الصغير وضعه سيء جدا .. صرت خايف عليه يموت".. وين مكان المركز؟
أسئلته لم تدع للرائد فرصة الإجابة , فوجع أهالي المدمنين ورغبتهم في علاج فلذات أكبادهم قد يفوق وجع المدمن نفسه, وبعد تنهيدة طويلة من المتصل , طمأنه البياري أن بإمكانه احضار شقيقه للمركز لبدء العلاج .
كثيرة هي قصص الادمان التي تبحث عن العلاج والتعافي من الوباء , فعلى الرغم من بساطة امكانات "كامل وتمام" الا أنه كان كالقشة التي يتعلق بها الغريق.
**انا مش مجنون.. أنا مدمن
مازال علاج المدمنين في القطاع هو جزء من مصحات الأمراض النفسية والعقلية, وهو ما لمسناه في محطتنا الثانية أمام لافتة كتب عليها "الطب النفسي" بالبنط العريض , تلقائيا جال في خاطرنا سؤال :"هل العنوان سيجعل المتعاطي يعزف عن اللجوء لتلقي العلاج خوفا من أن يظن الناس أنهم مجانين".
د. عايش سمور مدير عام الادارة العامة للصحة النفسية بوزارة الصحة اكد وجود قسم خاص لعلاج الادمان في ادارته يقدم لهم الخدمات ولكنه لم ينكر بأن أغلب المرضى يفضلون العلاج في منازلهم أو في العيادات الخاصة, منبها الى أن أعداد المدمنين نسبة إلى المرتادين على العيادات الخاصة أربعة أضعاف خوفا من ان يفتح له ملف في النفسية ويوصف بالمجنون.
ولكن هنا يكمن السؤال: هل يفضل المدمن العلاج في البيت حتى لو توفرت المصحة وكانت حاضنة له وكاتمة أسراره وأهم ما في الامر ألا تحمل يافطة الطب النفسي؟!.
واستعرض سمور بدايات الاهتمام بوجود مستشفى لعلاج الادمان بغزة, قائلا:" تم تشكيل لجنة مكافحة المخدرات العليا برئاسة وزيرة الشؤون الاجتماعية في عام 1995 مكونة من الوزارات المختلفة ومن مؤسسات أهلية وحقوقية وتم عمل خطة لإنشاء مركز لتأهيل المدمنين نفسيا ومهنيا الا ان كان هناك تأخر في التمويل وضعفه".
ويرى سمور أن قضية انشاء المصحة المتكاملة لعلاج المدمنين هي مسؤولية مشتركة بين جميع الوزارات, منوها الى ان دور وزارة الصحة هو تقديم العلاج.
إلا أنه اعتبر أن الدور الاكبر يقع على عاتق عدة وزارات منها الداخلية التي تحتك بقضايا المروجين أو المدمنين , وتابع: ووزارة الشؤون الاجتماعية اعتبرها المسؤول الاول عن ايجاد برامج تأهيلية للمرضى , مبينا أن وزارة الزراعة أيضا عليها دور لمراقبة زراعة البانجو , والدور الاخير القاه على الشباب والرياضة ووزارة الاوقاف .
من جانبه يرى الدكتور خالد دحلان أخصائي الطب النفسي وطب الأعصاب وعلاج الادمان أن الاحتلال هو المسؤول عن انعدم وجود (مؤسسات لفطام الادمان) بسبب اجراءاته التعسفية من منع ادخال المواد الطبية وبعض المواد المشعة التي نحتاجها في العلاج .
ودعا دحلان الى ضرورة تكثيف الجهود من كل الجهات الأمنية والصحية والتعليمية والقضائية والاجتماعية والشرعية والإعلامية، والتنسيق بينهم لمواجهة هذا الخطر الداهم.
وتطرق دحلان خلال حديثه إلى ضرورة أن يكون علاج المدمن شموليا متكاملا يأخذ أكثر من مسار، فهو ليس علاجا طبيا بقدر ما هو علاج نفسي واجتماعي وبيئي وأسري أو عائلي ومهني.
وبين الطبيب المعالج بأن اعراضه الانسحابية قد تكون صعبة وبحاجة الى جلسات وعلاجات خاصة وفترة نقاهة تفتقر اليها عيادات القطاع.
وقال مدير الادارة النفسية: "فتحنا في وزارة الصحة قسما لعلاج الادمان منذ عام ونصف يتبع دائرة التأهيل النفسي ويقدم العلاج الدوائي والنفسي والاسري وتأهيل المرضى من خلال زيارتهم المنزلية ", مضيفا :" يتم استقبال المريض و فحصه نفسيا وجسميا, وملاحظة وجود أمراض جسمية أو اضطرابات نفسية ادت الى الادمان وبعدها يتم عمل برنامج علاجي لقطع التعاطي نهائيا ويعتبر القسم الاول من نوعه في تقديم خدمات صحية نفسية للمدمن رغم قلة الامكانات المتوفرة".
وعن الامكانات التي تنقص الادارة النفسية أشار سمور الى عدم جهاز الفحص الكيميائي لمعرفة نسبة المادة المخدرة ونقص أنواع معينة من الأدوية والمسكنات التي تعتبر من الاساليب العلاجية سريعة المفعول.
خلال جولتنا في القسم لاحظنا أن المنظر السائد فيه هو صرف الادوية والمهدئات لتخفيف الاعراض الانسحابية للمدمنين وبعدها يخرج المدمن بعد ان يسمع من المرشدة بعض النصائح
وهنا ينتهي دور الادارة العامة للصحة النفسية، كما تبين لنا من خلال مراحل علاج المدمن بقسم التأهيل والآن أين سيذهب المدمن؟
هو بحاجة لمن يساعده على اعادة دمجه بالمجتمع وتأهيله والا "سوف تعود ريما لعادتها القديمة", وفي هذا السياق يوضح سمور أن المرحلة المقبلة هي مساعدة من المجتمع المحلي والاسرة ووزارة الشؤون الاجتماعية لمنعه من العودة للإدمان , والمحافظة عليه من النكسات مثل الكآبة وعدم الاحساس بطعم الحياة .
وفي اطار تقصي الرسالة اكتشفت أن مشفى الطب النفسي الحكومي الوحيد في القطاع ينقصه حتى سيارة للتواصل مع المدمنين لتفقد أحوالهم بعد علاجهم في ادارة التأهيل النفسي, ولا يقف الأمر عند هذا الحد بل حتى اللافتة الموجودة على المشفى بحاجة الى تغيير منذ فترة لتصبح الادارة العامة للصحة النفسية.
وعند معرفة سمور بوجود مصحة متواضعة في الشمال خلال مناقشتنا معه لبعض القضايا ارتسمت على وجهه ابتسامة وكان رده :" حقيقة أسعدني كلامك.. مبادرة مميزة سندعمها ونشجعها".
ابتسامته الأخيرة دفعتنا للتساؤل: اذن لماذا لا تتضافر الجهود ويتحرك كل مسؤول من أمام مكتبه لإنشاء مركز علاج متكامل؟
آخر الكلمات التي التقطناها من سمور كانت أمنياته برؤية مستشفى تخصصي لعلاج الادمان ونيته بالتواصل مع رئيس مركز كامل وتمام لتقديم المساعدة.
**ارادة مدمن .. وارادة حكومة
حكاياتهم متشابهة كما لون وجوههم الشاحبة.. المدمن عامر من دير البلح والذي كان ينتظر صرف دوائه لعلاج الادمان في مشفى الطب النفسي بدأنا الحديث اليه بعد أن نفخ دخان سيجارته وقبل أن نسأله قال:" هلقيت أنا بطلت أشرب حشيش ولا ترمال بس بشرب شاي ودخان " كانت عيونه قد فهمت ما نريد أن نقول وكأنه فعلا يشعر أن المجتمع ينبذه.
لحيته أعلنت حالة الاستنفار وكأنه نكس الاعلام معلنا حالة حداد لا نهاية لها , وتحدث بكلمات تنم عن عدم توازنه وكان الكلمات تخرج من فمه بالتنقيط :" أوسخ نوع هو الترامال صعب الواحد يتركو بسرعة (...) لما بطلت تعبت كتير".
حديثنا انتهى مع المريض عامر ولكن رعشة يديه لم تنته وخصوصا عندما همزه أحدهم بأن دوره قد حان ..بانت الاضطرابات على وجهه وكأنه شعور بالخوف من محاكمته خصوصا عند رؤيته لأحد أفراد الشرطة يتجول في المكان وبات يردد:" بداوي حالي لحالي (...) أنا مش مجرم.. بحبش الحبس".
وبحسب قانون العقوبات المصري المعمول به في القطاع تقع المخدرات ضمن أعلى درجات الجريمة، وهي الجنايات، ولذلك فهي لا تسقط بالتقادم إلا بعد مرور 15 سنة من تاريخ القضية، وحسب القانون رقم 19 سنة 1962م وصلت العقوبة إلى حد الإعدام، أو الأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة، إضافة إلى غرامة محددة.
أما المدمنون على المخدرات فيعتبرهم المشرع القانوني مرضى في المادة 37، حيث يعاقبهم بالسجن، بدون تحديد المدة، وأعطى الحق للقاضي بإدخالهم المصحات العلاجية لمدة ستة أشهر.
رئيس جمعية الوداد الدكتور نعيم الغلبان رد على اتهامات بعض الاطراف بخصوص تقصير الجمعيات الأهلية ودورها في انشاء مصحات ادمان قائلا :"بالنسبة للإنسان المدمن هو بحاجة الى مستشفيات خاصة تقدم له العلاج المتكامل بداية بالعلاج والنقاهة والتأهيل والتشغيل", وتابع:" كل هذه الأمور والمطالب تقع على عاتق الحكومة".
وبحسب الغلبان فجمعية الوداد تقوم على عملية الارشاد الاولي للإنسان المتعاطي من خلال برامجها التوعوية بمخاطر عقار "الترامادول" والحشيش وحبوب الهلوسة وتحذير الاسرة من خطورة الادمان, مشيرا إلى أن الجمعية تستضيف أفرادا من الاجهزة الامنية والمباحث خلال ورش العمل تلك.
وقال :" قمنا بأدوارنا المطلوبة كجمعية أهلية على أكمل وجه من خلال اجراء الدراسات والبحوث التي تدق ناقوس الخطر على قضايا تؤثر على المجتمع مثل الانتحار والقتل والادمان .
ولم ينكر الغلبان تعاون أفراد الداخلية من خلال مشاركتهم , "ولكن للأسف على أرض الواقع لم يطبق شيء بخصوص ايجاد مستشفيات متخصصة لعلاج الادمان" يقول رئيس الوداد.
وأكد الغلبان أنه لا يمكن اسقاط اللوم عن الحكومة فهي مطالبة بتوفير مركز خاص لمعالجة ضحايا الادمان , مشددا على ضرورة صياغة مشروع بحدود مهنية بالتعاون مع مؤسسات تعنى بحقوق الانسان والاهتمام بتوفير بيئة صحية وآمنة.
ويرى الغلبان أن المجتمع الفلسطيني عنده شيء من المبالغة في النظرة للمدمن , منوها الى أن الوصمة التي تلحق به لم تعد بنفس حدتها في الماضي .
كل جهة ألقت المسؤولية على الأخرى دون ان يدرك الجميع أن المسؤولية تلاحقهم, فالمدمن ضحية بحاجة الى تكاتف الجهود لعلاجه وتأهيله ودمجه في المجتمع.. هذا ما نقلناه على ألسنة المسئولين والمعنيين بالقضية, ولكن ما خفي كان أعظم, فخلف الكواليس سمعت "الرسالة" منهم كلاما -طلبوا عدم نشره- يوحي بعمق المشكلة..