قائمة الموقع

مقال: مستوطنة في «المقاطعة»... ماذا ننتظر؟!

2012-02-19T09:09:32+02:00

عريب الرنتاوي

تبدو الرسالة التي ستوجهها القيادة الفلسطينية إلى حكومة (إسرائيل) وعواصم القرار الدولي، بمثابة "خطبة الوداع"، هكذا توحي التصريحات والشروحات الفلسطينية المحيطة بها، وإذا ما وردت عبارة "اللهم هل بلغت.." في ختامها، فستكون استحقت هذه التسمية بجدارة.

وعندما أقول "خطبة وداع" لا أقصد ما يُشاع تحديداً، عن نية الرئيس عباس عدم الترشح لولاية رئاسية جديدة، وهي نية تدور بشأنها تكهنات وتأكيدات من مصادر عديدة... أقصد أنها خطبة في وداع نهج سياسي، يصل اليوم إلى خواتيمه، بعد أن اصطدم بجدار التعنت والاستيطان والغطرسة (الإسرائيلية)، الذي لم يبق مجالاً لأي رهان على "الحلول التفاوضية" للقضية الفلسطينية، بعد أن جَرّب جميع الأطراف والوسطاء حظوظهم، ومع مختلف الحكومات (الإسرائيلية) المتعاقبة، ولكن من دون جدوى.

الرئيس الفلسطيني، تحدث أمام وزراء الخارجية العرب عن الاستيطان المتفشي كالسرطان، في كل بقعة فلسطينية، لم يستبعد أن يستيقظ ذات صباح ليجد مستوطنة في قلب "المقاطعة"، تناول الاستيطان الزاحف على القدس الشرقية بطولها وعرضها، وتحدث عن "عودة الاحتلال العسكري" لمناطق السلطة"، وما قاله هنا بإيجاز، توسع حسين الشيخ وزير الشؤون المدنية في تفصيله، عندما تناول "عودة الإدارة المدنية الاحتلالية" و"سلطة بلا سلطة" إلى غير ما هو معروف للكافة، وبات يمثل واقع الحال الفلسطيني.

هنا يجدر بنا التوقف أمام فكرة الرسائل التي ينبغي أن توجه لحكومة نتنياهو وغيرها من اللاعبين الدوليين... والمشكلة في ظني ليست مشكلة رسائل إضافية تشرح وجهة النظر الفلسطينية، فهذا أمر عُمِل في السابق، ويمكن أن يُعمَل في أي وقت قادم... المشكلة تكمن في تعليق تنفيذ محاور الاستراتيجية الفلسطينية البديلة على نتائج هذه الرسائل وطبيعة الردود عليها، هنا سندخل من جديد في حالة "انتظارية" خطرة ولا مبرر لها، هنا سندخل في لعبة "المهل" و"تقطيع الوقت" ولقد دفعنا ثمناً باهظاً لكل ما مُنِح من مهل لسلطات الاحتلال.

كنا أشرنا في غير مقال سابق، إلى أن خطوات تنفيذ عناصر الاستراتيجية الفلسطينية البديلة، لا يجب أن تعلق على شرط "المهل" أو بانتظار نتائج "المفاوضات الاستكشافية" أو حتى "الردود على الرسائل المنوي إرسالها لكل من يعنيهم الأمر"...لندع الرسائل تسير في طريقها، ولنمض قدماً في ترجمة العناوين التوافقية للاستراتيجية البديلة.

بادئ ذي بدء، لا ينبغي لاستحقاق المصالحة أن يتأثر لا بالرسائل ولا بالردود عليها...هذه ضرورة وطنية قصوى، ترقى إلى مستوى "الأولوية العليا" ويجب أن يجري التعامل معها على الأساس...ونمر بخيارات الهيكلة وإعادة بناء المنظمة وتعريف السلطة ووظائفها واجتراح معالم نظام سياسي فلسطيني جديد، أو بالأحرى، بعث مزيد من الدماء والحيوية في عروق الحركة الوطنية الفلسطينية، فنعيد بعثها ونسترد اعتبارها بما هي عليه كحركة تحرر وطني لم تستكمل وظائفها وأهدافها بعد... ونمر بالمقاومة الشعبية التي هي ركن ركين في أي استراتيجية بديلة، من دونها، لن يجد الاحتلال ما يدفعه حتى للتفكير بالانكفاء إلى وضعية ما قبل الثامن والعشرين من أيلول عام 2000، ولا ننتهي بمطاردة "(إسرائيل) في شتى المحافل الدولية، من مجلس الأمن والجمعية العامة مروراً بجنيف ولاهاي وغيرهما.

"(إسرائيل) تفاوض، وتزعم أنها حريصة على السلام، وتتهم أبو مازن بـ"تطليق السلام" وعقد قرانه على "إرهاب" حماس وإيران، ومع ذلك تواصل يومياً سياساتها الاستيطانية العدوانية، منتهكة كل القوانين والشرائع الدولية، فهل من الصعب الفلسطينيين، أن يواصلوا بعث الرسائل كما يشاؤون، شريطة أن يواصلوا السير على مسار متزامن وموازٍ: تنفيذ بنود استراتيجيتهم، المنسجمة أتم الانسجام مع نص وروح القانون الدولي؟...هل كثير على الفلسطينيين أن يفاوضوا من جهة وأن يطاردوا "(إسرائيل) في محافل الشرعية الدولية و"الجنايات الدولية" من جهة ثانية؟... هل كثير على الفلسطينيين أن يُضَمنوا رسائلهم القادمة بطلب الذهاب إلى مؤتمر دولي جديد للسلام، تحت مظلة الشرعية الدولية وطلباً لحمايتها؟.

العالم المنشغل الآن بتوفير الحماية للمدنيين من نظم الفساد والاستبداد، يجب أن يصرف جزءاً من وقته واهتمامه لبحث الحماية للمدنيين الفلسطينيين تحت الاحتلال... وألوف المعتقلين من مناضلي الحرية والاستقلال، والمشردين على أرضهم وبيوتهم المعروضة للهدم والاستيطان، يستحقون التفاتة من المجتمع الدولي، لا تقل عن اهتمامه وتركيزه على معتقلي الحرية والديمقراطية في العالم العربي.

نحن لا نذهب إلى "تورا بورا" أو "كهوف أفغانستان" إذ نذهب للشرعية الدولية في نيويورك وجنيف ولاهاي... نحن نذهب للأدوات التي وفرها القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، للضعفاء والمُستلبة حقوقهم، رداً للظلم وصوناً للحقوق والحريات الأساسية، ومثل هذا المسعى، لا يجب أن يكون مشروطاً بنتائج "جولة استكشافية" هنا، أو بانتظار جواب على رسالة هناك.

يجب أن نعترف بأن هذه الطريق وصل نهايته، وأن اللعبة السابقة انتهت... يجب أن نعترف بذلك مرة واحدة وإلى الأبد، وإذا كان ثمة من "مطرح" للرسائل والمفاوضات في استراتيجياتنا القادمة، فيجب أن يكون في حجمه ومكانه الصحيحين، ومن على قاعدة أنها "الجزء الأقل أهمية" في برنامج الكفاح اليومي للحركة الوطنية والإسلامية الفلسطينية.

وعلى العرب في ربيعهم، أن يدركوا الحاجة لتوفير "شبكة أمان" لهذا المسعى الفلسطيني الجديد، وثمة فرص لتوفير مثل هذه الشبكة استناداً لمنجزات الشوارع العربية ومكتسباتها، لكن نقطة البدء في هذا المسار، يجب أن تنطلق من رام الله والقدس وغزة، ويجب أن نعيد "البعد القومي" لهذه القضية، ولكن من بوابة الشوارع العربية المنتفضة والثائرة هذه المرة.

من دون أن نقدم بحزم وثبات على طرق هذه الأبواب، وقرع جدران هذا الخزان بقوة وثقة وعزم، فإننا سنظل ندور في دوائر الانتظار والرهان المغلقة، التي لن تصل بنا إلى أي "مطرح"، وما أورده الرئيس عباس ساخراً عن "مستوطنة في المقاطعة" قد يصبح حقيقة، وما قاله حسين الشيخ، هو ما تعيشه الضفة الغربية، وليس ما قد تعيشه في المستقبل، فهل آن الأوان، لانطلاقة جديدة في الوعي والتفكير والبرنامج والممارسة؟.

صحيفة الدستور الأردنية

اخبار ذات صلة