غزة- لميس الهمص
وجد الطالب أحمد بكر نفسه عاجزا عن تحقيق حلمه في أن يكون طبيبا بعد إعلان نتائج الثانوية العامة التي أظهرت أن معدله لا يسمح له بدخول ذلك التخصص مما اضطره لطلب الالتحاق بتخصصات تتناسب مع معدله وتلاقي إقبالا في سوق العمل الفلسطيني، لاسيما وأن وضع والده المادي والمعابر المغلقة التي تحول دون سفر الطلبة لا يسمح له بإكمال دراسته في الخارج.
وكان عدد المتقدمين لامتحانات الثانوية العامة هذا العام (84971) مشتركا، نجح منهم (47469) مشتركا بنسبة بلغت (55.9) %، موزعين على الفروع بنسبة بلغت (50.8) % للفرع الأدبي،و(79.5) % للفرع العلمي، وبنسبة بلغت (57.9) % للفرع المهني ، و (55.1) % للدراسات الخاصة.
"الرسالة" أثارت قضية البحث عن التخصصات وحاجة سوق العمل في خضم ثورة الجامعات الجديدة التي تضع الطلبة في حيرة من أمرهم.
نقص في المعلومات
ويواجه الطلاب الذين اجتازوا الثانوية العامة عددا من المعيقات التي تمنعهم من تسجيل في التخصصات الملائمة لهم ، إما بسبب نقص المعلومات عن التخصصات المتاحة، أو الخضوع لرغبات الآخرين، إلى جانب التقصير لدى المدرسة ووزارة التربية والتعليم في تحفيز الطالب على معرفة ظروف المهن المختلفة واكتشاف مهاراته الذاتية.
ويرجع الطالب باسم يسري الحاصل على معدل 82% ،السبب في عدم معرفة احتياجات سوق العمل إلى غياب جهة توجه الطلبة لاختيار التخصص الأنسب، ويضيف: لا أحد يقدم لنا المعلومات الكافية حول معايير اختيار التخصصات ، وأيها أفضل. ويتساءل: كيف يمكنني أن أعرف إن كان هذا التخصص مطلوبا أم لا، أو ما إذا كانت بعض التخصصات لا تلقى قبولا في سوق العمل.
ويقترح الطالب أن تنظم وزارة التربية والتعليم محاضرات وندوات في المدارس، أو حتى توزيع نشرات تبين التخصصات المطلوبة في سوق العمل لتوعية الطلبة فيها لكي يتمكنوا من إحسان الاختيار.
وبحسب باسم فأنه كان يود دراسة الكمبيوتر بعد إنهاء مرحلة التوجيهي، إلا أنه بات في حيرة من أمره عندما علم أن سوق العمل استكفى من ذلك التخصص.
ويقول والد الطالب سامح عليان: أعلم مصلحة أبنائي عقب إنهائهم الثانوية العامة وأوجههم لدخول الأقسام العلمية التي تجعلهم ذوي مكانة بين الناس، معتبرا أن خبرته في الحياة تؤهله لاختيار ما يناسبهم كون أبنائه يفتقدون الخبرة، والحكمة، والتجربة.
ويكمل بلهجة حادة:’ أجبرت أولادي جميعا على دراسة التجارة كي يساعدوني في عملي، لأن ذلك التخصص سيكون مصدر رزق لهم في المستقبل ، بدلا أن يجدوا أنفسهم ضمن طوابير العاطلين عن العمل.
***ثورة جامعات
وفي هذا السياق ذكر د. داود حلس المحاضر في الجامعة الإسلامية في قسم التربية أن اختيار التخصص من قبل طلاب الثانوية العامة يجب أن يعتمد على ميولهم وقدراتهم ، معتبرا أن اختيار الطلبة للتخصصات بعد الثانوية العامة أمرا خاطئا ، حيث يتطلب من وزارة التربية توفير سجل لكل طالب فور دخوله المدرسة تحدد فيه ميوله وقدراته وتحاول تنميتها مع السنوات حتى يصل للجامعة.
ورفض أن يكون معدل الثانوية العامة المصدر الوحيد لاختيار التخصص كونه لا يعتبر مقياسا صحيحا في كثير من الأحيان ، منوها إلى ضرورة وجود اختبارات لقياس القدرات عند التخصص كما يجري في العديد من الدول وليس فقط بناء على المجموع.
وتحدث حلس عن أن بعض الطلبة يضطرون لدخول بعض الأقسام لرغبة الأهل أو للوضع المادي فيختارون بعض التخصصات التي توفر منح للطلاب ، وشدد على ضرورة أن يكون المقياس حاجة المجتمع للتخصص والمقدرة عليه .
ونوه التربوي إلى وجود العديد من الطلبة الذين يحصلون على نسب مرتفعة إلا أنهم يتخصصون في الشريعة بناء على ميولهم ، ويكون التوفيق حليفهم .
وأضاف " هناك تخصصات يحتاجها المجتمع ولا تجد إقبالا من الكثيرين فنحن بحاجة لخريج العلوم التطبيقية والفنية أكثر من النظرية ، والمجتمع يفتقر للفنيين وقد لا نجد أي فني خلال العشر سنوات القادمة".
وأشار حلس إلى ضرورة وجود الميكانيكي المتعلم والتقني الذي يمنح شهادة هندسة في العديد من الدول ، مؤكدا أن خريجي تلك الأقسام يحصلون على وظائف أسرع من أي تخصص نظري.
وانتقد حلس ثورة الكليات التي يشهدها القطاع متسائلا عما إذا ما كان حجم القطاع يحتاج لهذا العدد من الكليات .
وطالب حلس بفصل وزارة التربية والتعليم عن التعليم العالي حتى تكون قادرة على تطوير الجامعات ومتابعتها كون كل واحدة منهما تحتاج لعمل مكثف ومنفصل، مؤكدا على ضرورة وجود ضوابط لفتح أي جامعة أو كلية واعتمادها.
وتساءل حلس: كيف تسمح وزارة التربية والتعليم للطلاب التوجه لجامعات غير معترف بها ، مطالبا بضوابط في تلك القضية.
العمل التقني
من جانبه حذر وكيل وزارة التربية والتعليم العالي في غزة د. يوسف إبراهيم من خطورة التوجه الحالي من قبل الطلبة نحو التخصصات الأدبية، والذي من شأنه أن يرفع نسبة البطالة في الكثير من الأقسام، وإغلاق أو تجميد بعض التخصصات العلمية.
وأشار إبراهيم إلى أن ارتفاع نسبة البطالة في بعض الأقسام العلمية كالهندسة تعود لسياسات
الجامعات خاصة فيما يتعلق بمفتاح قبول الطلبة المرتفع في الأقسام العلمية، وارتفاع ثمن الساعات المعتمدة لتلك الأقسام لتصل إلى أضعاف الساعات المعتمدة للأقسام الأدبية.
ورأى أن هذه الأسباب تُجبر الطلبة على الهروب من الدراسة العلمية، والقبول بدراسة التخصصات الأدبية، مما يؤدي إلى نقص حاد في خريجي الأقسام العلمية، لافتاً إلى أن ذلك من شأنه أن يؤثر على الحياة العلمية والتعليمية في المجتمع الفلسطيني.
وأوضح أن نسبة توجه الطلبة الذكور نحو التخصصات الأدبية أعلى من نسبة توجه الإناث، إلا أن التوجه العام نحو الفرع الأدبي، أكبر بكثير من نسبة التوجه العام نحو الفرع العلمي.
وقال: "في بعض التخصصات العلمية مثل العلوم (الفيزياء والكيمياء والأحياء والعلوم العامة)، توجد نسبة عالية من البطالة في فئة "الإناث"، ما أدى إلى وجود تضخم في أعداد الطالبات الخريجات من هذه الأقسام".
وأوضح أن الطلاب الذكور غالباً ما يتوجهون إلى العمل الشرطي أو الإعلامي وغيرها من التخصصات التي تُتيح لهم مجال العمل.
وتطرق وكيل الوزارة إلى دور الجامعات في حل المشكلة، إذ رأى أنه تترتب عليها إعادة النظر في مفاتيح القبول للتخصصات العلمية، إضافة إلى كسر حدة جفاف المناهج في التخصصات العلمية.
وطالب الحكومة بتشجيع الطلبة على الإقبال على دراسة التخصصات العلمية، وذلك من خلال توفير حوافز تشجع الطلبة على ذلك، كالمنح الدراسية والإعفاءات وغيرها، وأيضاً من خلال توفير الإمكانات اللازمة من أجهزة كمبيوتر ومختبرات داخل المدارس.
أما بخصوص الاعتقادات الخاطئة من الأهالي بشأن بعض التخصصات، الذين يدفعون أبناءهم لدراستها مثل تخصص اللغة الإنجليزية، فقال:" هو بالفعل اعتقاد خاطئ، ليس فقط الانجليزية بل وتخصصات أخرى".
ومن خلال تحليل إحصائي للخريجين والخريجات المتقدمين للوظائف عام 2008 – 2009م، نفذته الوزارة، تبين وجود بطالة مرتفعة في بعض التخصصات ، ويتربع تخصص اللغة الإنجليزية على قمة الهرم من هذه التخصصات التي تُعاني من بطالة مرتفعة، خاصة عند الإناث، يليها تخصص اللغة العربية ومن ثم تخصص التربية الإسلامية، ويتبعه تخصص معلم صف ومن ثم تخصص الرياضيات.
وأضاف إبراهيم:" يقابل ذلك نقص شديد في خريجي التخصصات العلمية لاسيما من الذكور".
ونصح الطلبة للتوجه للإدارة العامة للتعليم الجامعي التابعة لوزارة التربية والتعليم قبل التوجه إلى الجامعات، حتى يطلعوا على التخصصات المعترف بها من قبل وزارة التربية والتعليم، كي لا يقعوا في فخ التخصصات غير المعترف بها.
وذكر أن البطالة موضوع تراكمي لا يمكن معالجته في وقت قصير فهو يحتاج إلى سياسات عريضة وقرارات من مجلس الوزراء لفرض سياسات تحمي المجتمع الفلسطيني ، مبينا أن سبب ثورة الجامعات وعدم تنظيمها إلى أن بعض الجامعات تتخذ من حكومة رام الله مرجعا لها بينما تعتبر جامعات أخرى حكومة غزة هي المرجع.
ويضيف " الجامعة التي لا تقبل حكومة غزة منحها الترخيص تتجه لحكومة رام الله وبالعكس أيضا مما سبب إلى فوضى تحتاج لوقت لحلها كما تحتاج لتعاون من جميع المستويات في وضع سياسات تعليمية وقرارات ملزمة".
مفاتيح القبول عائقا
من ناحيته قال د. أحمد المبحوح عميد القبول والتسجيل في الجامعة الإسلامية أن جامعته تراعي في طرح تخصصاتها ومفاتيحها عدة اعتبارات أهمها سوق العمل الذي تحدد حاجاته بعد تحليل النتائج لتحديد مفاتيح القبول.
ويتابع: لو لاحظت الجامعة تضخم في أحد الأقسام فإنها ترفع نسبة القبول لتقليص العدد المقبول فهي تفتتح أقسامها نظرا لحاجة المجتمع وسوق العمل.
وذكر أن هناك العديد من الطلبة الذين يحرمون من بعض التخصصات التي يرغبونها بسبب مفتاح القبول ونسب الثانوية العامة ، مشيرا إلى أن الجامعة تمنحهم فرصة التحويل بعد العام الأول على أن يحصل الطلاب على معدل تراكمي يفوق الثمانين.
وأوضح المبحوح أن الجامعة تحوي دائرة للخريجين تهتم من خلالها بالخرجين وتؤهلهم بعدد من الدورات في سوق العمل كما توفر لهم في بعض الأحيان عدد من فرص العمل منوها أنه تم التنسيق مع وكالة الغوث لاستيعاب أوائل الدفعات في وظائف لديها وتم ذلك .
وبين أنه بإمكان أي طالب الاستفسار عن أي قسم قبل دخوله ومدى حاجة سوق العمل لذلك التخصص مؤكدا أن دوائر الجامعة على استعداد للإجابة عن استفسارات أي طالب مستجد.
وتشير دراسات إلى ضرورة الاستعداد لاختيار التخصص الجامعي مبكرا بالتفكير والاجتهاد من أجل الوصول إلى قرار هام في حياة الطالب.
وتطالب الدراسات التحرر من تأثير الآخرين و الخضوع لرغباتهم، والاستشارة للوصول للقرار المناسب من خلال الحصول على قدر كاف من المعلومات عن ذاته أولا ثم عن مجالات التخصص ثانيا، وهذه المعلومات لا تتوفر لديه وحده، بل يساهم في ذلك مساندة الأهل والمعلمين في المدرسة والأصدقاء.
ويعتبر اكتشاف الذات من أهم المراحل التي لابد لها أن تبدأ في مرحلة مبكرة من اكتشاف الطالب لمهاراته وقدراته في سن مبكرة وتحديد ما يناسبها من تخصص، ويساعد في اكتشاف المهارات الذاتية أمور قد ترشده، مثل الهوايات والأنشطة التي مارسها، وتقديره في المرحلة الثانوية.
حاجة سوق العمل
وتدعو الدراسات إلى ضرورة أن ينصب اختيار الطالب على المهنة وليس على الكلية أو الجامعة، والبحث عن التميز ومن ضمن الاعتبارات التي لابد للطالب أن يعيها هي أن يرسم صورة للمجال الذي سيختاره بعد عشر سنوات، كيف سيكون الحال؟ وهو ما سيضطره تلقائيا إلى التفكير في تنمية مهاراته أثناء الدراسة .
من جانبها ذكرت وزارة العمل على لسان مديرة دائرة العمالة المحلية والوافدة سرية أبو سمعان أنها نفذت مؤخرا ورشة عمل تدور حول موأمة مخرجات التعليم العالي مع سوق العمل بالتعاون مع ديوان الموظفين والتربية والتعليم ودعت من خلالها إلى تطوير القدرة الاستيعابية للقطاعات الاقتصادية ، وضرورة التركيز على التخصصات النادرة المطلوبة في سوق العمل .
وأوضحت أن الوزارة تعمل في ظروف استثنائية في ظل الحصار والدمار وعدم الاستقرار السياسي مرجعة سبب البطالة لضيق سوق العمل في القطاع ، مطالبة بخلق فرص عمل في الدول المجاورة والعمل على إنشاء مشاريع صغيرة تخدم قطاعات الخرجين .
وذكرت مديرة الدائرة أن الوزارة تضع خططا لتشغيل للخرجين منها تشغيل العاطلين عن العمل المتزوجين من الذكور في المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص وكذلك برامج تدريب للنساء المتزوجات بأزواج غير قادرين على العمل .
وتحدثت أبو سمعان عن بعض الشواغر في بعض الوظائف الإدارية والتقنية .
ويبقى على عاتق الطالب التحرر من تأثير الآخرين وتحمل المسؤولية في اختيار تخصصه الجامعي بما يتناسب مع ميوله وحاجات المجتمع وسوق العمل المحلي .