قائمة الموقع

الشهيد الغمري..أهدى أمه عمرةً ورحل !

2012-03-15T10:41:29+02:00

المحافظة الوسطى-محمد بلّور-الرسالة نت

يتسلل الألم على رؤوس أصابعه نحو سكان المنزل فيشدهم نحو ذكريات لا تنتهي ولا تتبدد بسهولة !.

يتنفس طيف الشهيد محمد الغمري من ذاكرة أمه وأشقائه في اليوم أربعة وعشرين مرة.

وتسحب دماثة خلقه ومواقفه المؤثرة سكان المنزل نحو ذكراه فلا ينفكون يرددونها صباح مساء.

وكان الشهيد محمد إبراهيم الغمري 23 سنة من سرايا القدس بمخيم المغازي قد استشهد في عملية قصف لسيارة كان يستقلها هو وأصدقاؤه على شارع صلاح الدين في دير البلح.

الابن الحنون

لا يكفي يقين اللغة ولا بلاغة التعبير لنقل مشاعر الألم التي تعتصر عائلة محمد بعد أن غادرهم دون سابق إنذار.

سكن الحزن الهادئ وجه والدة محمد منذ استشهاده قبل أيام وقد بدت صابرةً على جراحها المملحة.

كان مجرد تصنيف شفوي في رأس أمه حين يأتي على خاطرها تفوق الشهيد محمد على إخوته بزيادة الحنان والطاعة ومن قبل الالتزام الديني.

تتوشح الأم عباءًة سوداء وهي تضيف:" أهم صفاته الحنان وأينما رأى محتاج يساعده دون أن نعرف لكن قصصه بدأت تتكشف لنا بعد استشهاده".

علم مرةً بدين للبقال على أحد أقاربه فسارع بتسديده ثم أهدى المدين مبلغاً مماثلاً لما دفع للبقال.

حصلت الأم قبل استشهاد محمد على وعد مؤكد بعمرة إلى بين الله الحرام مع حلول يوم الأم نهاية مارس الجاري.

عن ذلك تتابع: "كنت استمع لإعلان في إذاعة صوت الأقصى عن عمرة بالتقسيط تكلفتها 600 دينار ولما حدثته تركني وذهب لشركة الحج والعمرة دون أن أعلم ثم عاد وقال لي سأهديك عمرةً في يوم الأم".

أما شقيقه حسام فرغم أنه يكبره بعشر سنين إلا انه كان يشعر أنه دوماً بحاجة لمحمد لا العكس.

يطيل حسام النظر في المنضدة أمامه قبل أن يصف محمد بصديقه لا شقيقه حيث يتميز بالأخلاق و الحنان عليه وعلى أطفاله

ويضيف: "قال لأمي مرةً أنا أحب حسام أكثر واحد .. وكان يقف لجانبي إذا احتجت المال لدفع رسومي الجامعية" .

ويتذكر حسام حرص محمد على جلب الحلوى لأطفاله وملاطفته لهم كلما سنحت الفرصة.

أما شقيقه الأصغر امجد 14 سنة والذي يعد الأكثر تعلّقاً وحباً للشهيد فقد جاهد لحجب دموعه قبل أن ينبس ببنت شفّة.

تحشرج صوته بالقول: "أخي استشهد في سبيل الله وهو من زمان ناوي يستشهد ولن نتكلم شيء فوق أمر الله ".

4 سنوات

يمر شريط العمر سريعاً أمام وجه أم بسام "والدة الشهيد".. تقفز مشاهد متباينة طوال 4 سنوات وهي تراقب محمد منخرط بكامله في المقاومة.

وتضيف:" من أربع سنوات وهو يرابط بشكل يومي وأصيب 3 مرات أحدها حين كان مع صديقه الشهيد جهاد جبر".

أما شقيقه حسام فقد كان يرى محمد شهيداً يوماً ما لا محالة فهو يدرك مدى حرصه وحبه للمقاومة.

وجد محمد انه من الوفاء والحب أن يبقى لجوار الشهيد جهاد جبر "حيّاً أو ميّتاً" فتسلل خفية وحفر قبرا بجوار الشهيد جهاد وثبت له شاهدين ثم أوصى احد أصدقائه إن استشهد أن يدفنوه فيه.

آخر يوم

في يوم الجمعة لم ينتبه أحد من أسرة محمد أن ذلك المتحرك بينهم بخفة ورشاقة سيغيب إلى الأبد.

صحيح أن حواراته كانت فوق اعتيادية لكنها كانت تؤكد خصال الحنان والخير المتجسّد في شخصيته.

راقبت الأم ذلك الحوار بين محمد وشقيقه وهم يتفقون على المسجد الذي سيؤدون فيه صلاة الجمعة.

دعا محمد شقيقه لمرافقته كي يصلّون في مسجد أكثر بعداً طمعاً في الأجر كما تروي والدته: "قال له تعال معي تأخذ حسنات أكثر!" .

وتعجّب أمجد من حديث محمد وهو يصاحبه وهم يقطعون شوارع مخيم المغازي في طريقهم للمسجد: "انظر يا امجد هذا الشاب كان معي في الجامعة وقد استشهد ولم أره بعدها !" .

كما أصرّ محمد على شقيقه الصغير أمجد ليرافقه بعد العشاء لكن أمجد رفض  وقد كان رفضه آخر عرض للقاء يجمعهما!.

الشهادة

فاحت رائحة الموت ليلة الجمعة في كافة أرجاء قطاع غزة بعد سلسلة غارات استشهد وجرح فيها الكثيرون.

تسلل القلق إلى قلب حسام قرب منتصف الليل خوفاً على شقيقه محمد فبحث عنه في كل مكان فلم يجده ثم حاول الاتصال على هاتفه الجوال فلم يرد.

رمت طائرة استطلاع "إسرائيلية" السيارة التي كان يستقلها محمد وأصدقاؤه بصاروخ من صواريخ الموت أدت لاستشهاد محمد وإصابة 5 آخرين .

حمل رنين الهاتف خبراً مفجعاً حين سألت زوجة حسام زوجها عن سيارة محمد فأجابها بالرد الفوري: "أكيد محمد استشهد!".

في ذات الساعة كان هاتف أمجد الجوال يرن في صلاة الفجر من أحدهم للسؤال عن سيارة محمد هل هي موجودة قرب البيت؟!.

عن ذلك يضيف أمجد: "لم أجد السيارة ! ثم جاء شاب وطلب مقابلة أخي الكبير وقال له أخوك محمد إما مصاب وإما شهيد اذهب لمستشفى الأقصى".

دارت جلبة في منزل الشهيد غير متيقنين من النبأ لكن أكثر ما أقلقهم هو كيف سيخبرون أمه بالأمر.

تلقت الأم أخباراً متباينة من سكان المنزل تخفيفاً للصدمة لكنها أصرت على التأكد من استشهاده بزيارة المستشفى.

وتضيف: "لما علمت باستشهاده قلت الحمد لله رب العالمين ولما جابوه لأودعه قبلته وقلت يا رب صبّرني فلم أذرف دمعة واحدة وأنا أقبله وأتمنى أن تقدم كل أم ابنها في سبيل الله".

وفيما بدأت الاستعدادات لدفن جثمان الشهيد الغمري جاء دور الوصيّة من صاحب السرّ فأخبر أهله أنه أوصاه بدفنه بجوار جهاد جبر وقد كشف لهم عن القبر الوهمي الذي صنعه محمد بيديه.

عن ذلك تتابع الأم: "لما حفروا القبر بجوار الشهيد جهاد سقط حجرا من قبر جهاد فانكشف جثمان الشهيد جبر فإذا بدمائه كما هي وكفه ابيض وحذاؤه كما هو لم يتغير فيه شيء ! ".

أما أمجد فقد ختم حديثه بالقول: "كان أحنّ واحد عليّ-يذرف الدموع ويبكي" فتقاطعه أمه بالقول: "لا تبكي أخوك شهيد!" .

وتتحامل والدة محمد على جراحها فتبدو صابرةً محتسبة ابنها الشهيد لكن أمجد الأشد تعلًقا بمحمد يحاولون منذ أيام أن يسحبوه من نوبة تأمل في ذكرياته مع أكثر من أحبه ورافقه.

اخبار ذات صلة