غزة - فايز أيوب الشيخ
خلفت الحرب الصهيونية على قطاع غزة قبل عام أثاراً مدمرة على القطاع الزراعي الفلسطيني، فقد كانت المناطق الزراعية على مدى أيام الحرب، عُرضة للتجريف والتدمير الشامل للدفيئات و الآبار وشبكات المياه، عوضاً عن تدمير قطاع الثروة الحيوانية والدواجن.
خسائر المزارعين
ولم يجد المزارع سعدي العطار من بلدة بيت لاهيا شمال القطاع، ما يعزي به نفسه بعد أن دمرت الجرافات الصهيونية أشجار الزيتون والفواكه التي يزيد عمرها عن عشرة أعوام، مبيناً أن مجمل خسائره بلغت 95ألف دولار.
أما ناهض أبو عجوة فقد تعدت خسائره المليون دولار، تنوعت بين تجريف للأشجار وتدمير لمزارع الدواجن والبيض ومعدات ومستلزمات زراعية، مؤكداً أن ما يؤثر في ذاكرته أنه ما بناه طوال حياته يتدمر أمام ناظريه.
ولم يختلف حال المزارع سلام الرش في شكواه، فقد جرف الاحتلال أرضه وكبده خسائر كبيرة في مزروعاته، مشيراً أن خسائره بلغت ما يقرب 155ألف دولار، إلا أنه أكد أن خسارته المادية لم تنعكس على معنوياته ولم تفت من عزيمته على زراعة أرضه .
خط الدفاع الأول
وليس ضرباً من الخيال القول أن المزارعين كانوا في خط الدفاع الأول أثناء "حرب الفرقان"، فقد قال م.حسن أبو عيطة الوكيل المساعد للمصادر الطبيعة بوزارة الزراعة: "إن الزراعة كانت وراء فشل الحصار والعدوان وعززت صمود الشعب وحكومته واستقلال قراره السياسي، وبسببها لم يخضع للابتزاز السياسي عبر الحصار والجوع"، مشدداً على أن تدمير قطاع الزراعة إبان الحرب الأخيرة لم يكن بمحض الصدفة، بل كانت مخططاً "استراتيجياً" .
وأشار م.أبو عيطة إلى أن الأضرار والخسائر في القطاع الزراعي قُدرت بما يزيد عن 174 مليون دولار من الأضرار المباشرة ناهيك عن الأضرار غير المباشرة 413 مليون دولار، مبيناً أن الأضرار التي تم حصرها في سنوات الانتفاضة الثانية "انتفاضة الأقصى المباركة" قد بلعت قيمتها قرابة مليار ونصف من الأضرار المباشرة وغير المباشرة.
وأوضح أبو عيطة أن تجريف البساتين والحقول والمنشآت والمرافق الزراعية أمر غير مسبوق في تاريخ الحروب الحديثة أو القديمة، مشيرا إلى أنها جريمة حرب يحرمها القانون الدولي.
تدمير الثروة الحيوانية
من جهته قال الوكيل المساعد للمحافظات الجنوبية د.إبراهيم القدرة: "أن ما حدث بحق الزراعة في قطاع غزة هي سياسة إسرائيلية ممنهجة لتدمير الوضع الاقتصادي في قطاع غزة"، مستشهداً بأن تدمير قطاع الإنتاج الحيواني أدى إلى فقدان أكثر من 20ألف أسرة فلسطينية لمصدر دخلها الرئيسي سواء بتدمير المزارع الإنتاجية الكبيرة والمزارع المنزلية.
وأشار إلى أن الاحتلال دمر خلال الحرب 50%من مزارع الدجاج البياض وحوالي 150مزرعة للدجاج اللاحم بما فيها طيور، منوهاً إلى أن ذلك أدى إلى الارتفاع في الأسعار وعدم تمكن المواطن من تلبية حاجات أسرته من البروتين الحيواني.
وتطرق القدرة إلى أن منع دخول الأعلاف والغاز بسبب الحصار وإغلاق المعابر أدى إلى تفاقم الأزمة، عدا عن قتل أعداد كبيرة من الأبقار والأغنام خلال الحرب أدى إلى حرمان الكثير الأسر الفلسطينية من الحصول على منتجات الألبان والحليب الضروري في سلة الغذاء وخاصة الأطفال، مؤكداً على أن حرب البروتين التي مارسها العدو أدى إلى ارتفاع نسبة فقر الدم ولين العظام وضعف المناعة، المرتبط بسوء التغذية ونقص بروتين الألبان ومشتقاتها في الدرجة الأولى ثم التلوث الكيميائي.
أخطار بيئية ومائية
وفي سياق متصل، جددت وزارة الزراعة مطالبتها بالمساعدة في فحص التربة والمياه والكائنات البرية والبحرية، مؤكدة على أنها اضطرت بعد توقف العمليات العسكرية الإسرائيلية إبان "حرب الفرقان"، إلى منع الزراعة في الأراضي الزراعية والآبار التي تعرضت للقصف وحذرت من الرعي وتربية الحيوانات فيها.
وعلل م.نزار الوحيدي الخبيرفي البيئة والمياه، خطوة وزارته بأن الاحتلال استخدم قذائف فسفورية تحمل مواد مُشعة ومُسرطنة وسامة، ما يجعل المناطق المستهدفة موبوئة وخطرة على صحة الإنسان والحيوان ومؤثرة بشكل مباشرفي البيئة، موضحاً أنها لم تتمكن من إجراء التحليلات الكيميائية بسبب استهدف الاحتلال المقصود لمختبرات الوزارة ومختبرات الجامعة الإسلامية ومختبرات البحوث الأخرى في قطاع غزة.
وأشار إلى أنه بعد الحرب بشهور قليلة بدأت تظهر الشواهد على استخدام الاحتلال في حربه المدمرة أسلحة محرمة مثل الطفرات الجينية على النباتات والتشوه والاصفرار، لافتاً إلى أن بعض المناطق الزراعية التي تنبت فيها الأعشاب والنباتات أصبحت قاحلة، في حين أن الكثير من الأشجار جفت، وذلك في مناطق المعارك العسكرية.
وبين م.الوحيدي أن تربة قطاع غزة تعتبر غير طينية يسهُل فيها التسربات إلى الخزان الجوفي، مما حذا بالوزارة إلى التحذير من عدم استعمال بعض آبار المياه و عدم الضخ منها، وذلك خشية أن تكون قد تلوثت كونها في مناطق ضُربت بالفسفور وقنابل الدايم والقنابل التي تحتوي على اليورانيوم المنضب، حسب تأكيدات الخبراء والمختصين.
يذكر أن خبراء ايطاليون أكدوا الخميس، أن تربة قطاع غزة تحتوي على معادن سامة ومواد مسرطنة نتيجة مخلفات الأسلحة التي استخدمها الجيش الإسرائيلي في حربه الأخيرة على القطاع قبل عام.
وبين هذا وذاك تسعى وزارة الزراعة إلى التخفيف ولو قليلا من تبعيات العدوان الصهيوني الأخير على القطاع.