"نعم" و"لكن" ... مساومات اللحظات الأخيرة

باسم عبد الله أبوعطايا

"نعم" و"لكن" .. هكذا ردت حكومة نتنياهو بعد يومين من الجلسات الماراثونية و المغلقة بكثير من السرية والكثير من الإعلام ، حول صفقة الاسرى.

الحكومة الإسرائيلية بهذا الرد حاولت أن تنقل الكرة  لملعب حماس في محاولة منها للوصول إلى أقصى حد ممكن من تحسين شروط اتفاق هذا الموقف الاسرائيلى لم يعجب حتى الوسيط الألماني الذي " أرجأ زيارته إلى قطاع غزة" لتسليم حركة حماس رد الحكومة الإسرائيلية .

مصادر إسرائيلية تحدثت ، عن  طلب الوسيط الألماني من الحكومة الإسرائيلية أن "تنظر مجددا " في "التحفظات" التي أبدتها على مقترح الصفقة ..

وبحسب المصدر، طلب الوسيط الألماني من الحكومة الإسرائيلية إعادة النظر في "التحفظات" التالية:

- إبعاد عشرات الأسرى إلى خارج الضفة الغربية..

- رفض تقليص المدة الزمنية التي سيقضيها الأسرى "مبعدين"..

- رفض الإفراج عن عدد من القيادات الفلسطينية ( مروان البرغوثي وأحمد سعدات وإبراهيم حامد ...)

- رفض الإفراج عن "أسرى عرب الداخل".

الرد الاسرائيلى الضبابي والغامض ، على ما يبدو مقصود؛ فهو من جانب يظهر الموافقة على الصفقة، وما يؤكد ذلك ما صرحت به هيئة الدفاع عن جلعاد شاليط بأنهم فهموا أن حاجاي هداس قد منح الضوء الأخضر" ، ولكن من جانب آخر يشترط أمورا يمكن أن تؤدي إلى نسف المفاوضات.

لا شك أن حكومة الاحتلال تستخدم جميع السبل الأمنية والسياسية وحتى النفسية للخروج منتصرة من مسألة صفقة التبادل ، جهد وضغط نفسي كبير ونوع من حرب الأعصاب بين الجانبين  لذلك لا يبدو الأمر سهلا وبسيطا.

** الإعلام وسيلة

رغم أن حكومة الاحتلال كانت قد أصدرت أوامر مشدده لوسائل الإعلام بعدم الحديث عن قضايا حساسة وجوهرية فى الصفقة إلا أنها عادت لتستخدم الإعلام الاسرائيلى في هذه المعركة لكن حسب ما يخدم موقفها ما يرد في وسائل الإعلام في الآونة الأخيرة، يعتبر  جزء من المفاوضات الراهنة، حيث (التهديدات، الضغوط، والتنازلات)، ولكن الأمر في النهاية لن يتضح إلا عند التوقيع الحقيقي على الصفقة.

المشكلة ان رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في وضع لا يُحسد عليه، لأن إقرار الصفقة يأتي مُناقضا لموقفه المتصلب دائما، حول عدم الخضوع والخنوع إلى "الإرهاب"، وأنها تناقض أيضا آراء الذين اختاروه وصوتوا لصالح حزب الليكود في الانتخابات.

وهنا لابد أن نذكر بان نتنياهو يرفض الصفقة من منطلق ضعفه وخوفه على ااتلافه الحكومي ، فهو من أطلق سراح الشيخ احمد ياسين حين فشلت محاولة اغتيال الأستاذ خالد مشعل واليوم هو يرفض الصفقة لأنه يريد من يقرر عنه.

     لذلك سلطت وسائل الإعلام الإسرائيلية الأضواء على يوفال ديسكين واعتبرته الرجل الأقوى في تحديد الرد على الاتفاق

   وفي هذا الصدد كتبت هارتس " الرجل الأساس، في المفاوضات هو رجل جهاز الأمن العام الشباك – المخابرات يوفال ديسكين.

موقف ديسكين في المداولات الأخيرة محظور على النشر من قبل الرقابة العسكرية. ويمكن فقط القول بان القرار في صالح الصفقة، إذا ما اتخذ، سيستند إلى رأي أغلبية قادة جهاز الأمن.

 معروف أيضا أن رئيس الأركان غابي اشكنازي يؤيد الصفقة بينما رئيس الموساد مئير دغان يعارضها. اما بالنسبة لديسكين فقبل نحو سنة ونصف السنة طرأ تغيير جوهري على موقفه، حين وافق على تحرير عدد كبير من الأسرى على أن يبعدوا إلى خارج البلاد. الجولة الحالية من الاتصالات يرافقها عن كثب، الى جانب المنسق الإسرائيلي حجاي هداس.

يوجد للمخابرات، مثلما لأذرع الأمن الأخرى، ممثل في فريق هداس.

عاموس هرئيل وآفي يسسخروف كتبا في هآرتس عن موقف نتنياهو بانه مضطرب ومتردد وقالا: " يخيل أن الانقسام المرتب لوزراء السباعية، مثلما علم (الوزراء باراك، دان مريدور وأيلي يشاي – مع؛ الوزراء بوغى يعلون، بيني بيغن وافيغدور ليبرمان  ضد؛ نتنياهو – متردد) تبسيطي بعض الشيء. 

نقل النقاش إلى السباعية كان خطوة مصطنعة سمحت لنتنياهو بالتعتيم على عملية اتخاذ القرارات والسيطرة على المعلومات الخارجة عنها. الهيئة التي يفترض بها أن تقرر في صفقات الأسرى هي الحكومة، وعلى الأقل المجلس الوزاري. في هذين المحفلين من المتوقع، حسب استطلاعات مسبقة أجراها الصحافيون بين الوزراء، أغلبية كبيرة للصفقة.

** حرب نفسية

لا شك أن حكومة الاحتلال الإسرائيلي تستخدم جميع السبل الأمنية والسياسية وحتى النفسية للخروج منتصرة من مسألة صفقة تبادل الأسرى مع المقاومة الفلسطينية، أو تقليل الخسائر إلى أدنى حد ممكن، لذا يجب أن نحرص في هذه الآونة على عدم رؤية الأمور على عواهنها، فقد تعودنا من الاحتلال الإسرائيلي تسريب بعض الأمور إلى وسائل الإعلام بهدف استخدامها كبالونات اختبار، وهي تأتي ضمن الدعاية الصهيونية من أجل تلبية الاحتياجات الأمنية والسياسية الإسرائيلية.

 إلا أن جدعون ليفي رأى في  هأرتس  أن الحكومة ما زالت مترددة وطالبها بوقف هذا التردد متهمها بعدم القدرة على أن ترفع العتب بقول فارغ وبموجبه "فعلت كل شيء" كي تحرر شاليت من أسره.

صحيح أنها فرضت إغلاقا وحشيا على غزة كوسيلة ضغط لتحريره، ولكن الثمن الباهظ دفعه سكان غزة وليس حماس. وانطلقت إسرائيل إلى حملة عسكرية كبيرة في غزة لم تحقق فيها على تحرير شاليت، وفي نهاية المطاف اضطرت للعودة إلى المفاوضات.

 لم يضف أي تعليل آخر إلى جملة الاعتبارات الأمنية والجماهيرية يبرر شد اعصاب الجمهور وعائلة الجندى  ووضع شاليت في خطر على الحياة. امن دولة "إسرائيل" ليس معلقا بعشرة او عشرين أسيرا إضافيين محررين. مكانة اسرائيل لا تقاس فقط بقدرتها على مكافحة الإرهاب، وإخفاقها لا يقاس بفرحة النصر لدى حماس مع استقبال سجنائها المحررين. جلعاد شليت، الذي كان يمكنه أن يكون محررا قبل وقت طويل، يجب أن يعود الى الديار فورا.

** عض أصابع

حكومة الاحتلال  تركت  الباب مواربا حين قالت نعم ولكن ، وأنها وافقت على الصفقة؛ حتى تخرج الكرة من ملعبها؛ ولا تظهر وكأنها هي التي قدمت التنازلات الأخيرة التي أخرجت الصفقة إلى النور، في حال الاتفاق عليها، وتريد أن تستنفذ كل الإمكانيات للحصول على التنازلات من الطرف الآخر بضغط عامل الوقت ، يدل على ذلك  تصريح داني ايالون نائب وزير خارجية الاحتلال الإسرائيلي (من حزب يسرائيل بيتينو): بأن هناك قرارا إسرائيليا بالموافقة على صفقة تبادل الأسرى.

وأضاف أيالون وفقا لما نقله موقع روتر الإخباري عن راديو الصوت إسرائيلي أنه سيتم بعد أيام نشر تفاصيل هذا الاتفاق.

لكن قبل مغادرة الوسيط الألماني إلى بلاده لحضور عيد الميلاد،  تريد اسرائيل القيام  بما تعودت عليه في المفاوضات السياسية استغلال اللحظة الأخيرة عند التفاوض بعد التهديد بحزم الأمتعة والمغادرة، والتهديد بإيقاف المفاوضات لعدة شهور أخرى.

 

البث المباشر