قائمة الموقع

أطفال الحرب.. كيف ينظرون لمستقبلهم؟

2009-12-25T11:27:00+02:00

أطفال: فقدنا كل شيء وبقي لنا التعليم

 

أخصائي نفسي: نظرتهم المستقبلية ضبابية 90%

 

الوداد: انعدام الأمان أفقدهم ثقتهم بأنفسهم وبالآخرين

 

         

 

الرسالة نت- فادي الحسني

 

ينبطح الطفل أحمد معروف (10 أعوام) على بطنه وهو يراجع دروسه داخل خيمة إغاثية مقامة على أنقاض منزله المدمر الواقع إلى الشمال من قطاع غزة.

 

تبدو نظرات الطفل معروف كأنها تحمل أملا في مستقبل أفضل، وهو يكابد عناء الدراسة، فقد حطم الاحتلال منزله وجاء الدمار على طاولة الدراسة، ويقول "هكذا أصبح حالنا اليوم (..) كنا نراجع دروسنا وندرس على الطاولة لكننا فقدنا كل شيء وكما ترى ندرس على الأرض".

 

وتختلط لهجة الطفل البريئة بشيء من الحرقة:"هل هناك طفل في هذا العالم يعاني مثلما نعاني؟!".ويضيف الطفل معروف الذي يعيش مع أسرته المكونة من عشرة أفراد، "خلال هذا العام عانينا الكثير ويبدو أننا سنبقى نعاني في ظل المكوث في هذه الخيمة المهترأة".

 

ورغم أن الطفل يدرك بأن أمد المعاناة قد يمتد ، لكنه يصر على أن يكمل دراسته، ويقول:"رغم كل شيء حل بنا لكننا سندرس وسننجح".وتطرق الذكرى الأولى للحرب على غزة، عقول الأطفال الضحايا، فتفتح باب السؤال على مصراعيه: كيف ينظر أطفال غزة لمستقبلهم؟

 

مستقبل أفضل

 

وذاق الأطفال في قطاع غزة خلال الحرب التي دارت رحاها على مدار ثلاثة وعشرين يوما قبل عام، صنوف العذاب والآلام.

 

وتصر الطفلة اليتيمة أميرة القرم على مواصلة دراستها رغم فقدانها حنان الأب وشقاوة الأشقاء عصمت وعلاء، وتقول: "في حياة والدي تمنيت أن أصبح تاجرة مثله ولكن اليهود قتلوه وقتلوا حلمي معه, وأضافت: "رغم ما حصل سأكمل تعليمي".

 

وفقدت أميرة (14 عاماً)، والدها وشقيقيها، في ليلة من ليالي ديسمبر الماضي الساخنة، فيما أصيبت هي بعيار ناري في ساقها اليمنى، وبقيت تبحث عن مسعف زحفا وسط أزيز الرصاص وهدير الدبابات.

 

حكاية أميرة التي بدت كسيناريو لفيلم (رعب) لم تنته بانقضاء أرواح أسرتها، واستطاعت أن تختبئ  من خطر الموت تحت شجرة طوال الليل ثم دخلت احد البيوت الخالية في منطقة (تل الهوى) وسط غزة وربطت جرحها ببنطال وقضت يوم وليلة على قنينة ماء خلفها أصحاب البيت.

 

ومع أن جراح أميرة لم تضمد بعد مرور عام كامل على نكبتها، لكنها تتطلع إلى مستقبل مشرق، وتقول: " أتطلع لأن أصبح محامية أدافع عن أطفال فلسطين وحقوقهم الضائعة".وقضت الدبابات الإسرائيلية على غرف نوم الأطفال وداست بجنازيرها فوق الدمى ومزقت الكتب المدرسية، لكنها لم تقض على أحلامهم، كما يقول أطفال عائلة عواجا.

 

وتقتصر رسومات الأشقاء الثلاثة الأطفال (أمسيات وصبحي وحلا عواجا) في حصص الرسم بمدرسة سخنين المدمرة- على الطائرات الحربية والصواريخ والبيوت المهدمة، وذلك نتيجة لفقدانهم شقيقهم إبراهيم وهدم منزلهم ومدرستهم خلال الحرب.

 

وقالت مرشدة نفسية في مدرسة "سخنين" الأساسية الدنيا المشتركة شمال غزة، "بالتأكيد هذه هي الصورة التي من الممكن أن يرسمها طفل فقد أحدا من أسرته أو شاهد الموت بعينه، أو هدم بيته".

 

وتشير المرشدة ميساء الخطيب إلى أنها حاولت تفريغ كبت الأطفال من خلال رسم لوحات فنية، لكنها تقول "الصورة دوما واحدة..الجميع يرسم إما طائرة تقصف أو دبابة تدمر أو طفل يقتل أو شيخ يعدم، أو مسجد مهدم".

 

دور محدود

 

ورغم علم المرشدين أن دورهم محدود جدا في التخفيف من العبء النفسي الذي خلفه الحرب، إلا أن الخطيب تقول "نعمل ما بوسعنا من أجل التخفيف عن هؤلاء الأطفال".

 

مع أنها تؤكد في الوقت ذاته أن نسبة التجاوب من قبل الأطفال لا تتجاوز "50% " وقالت "نحن نقضي معهم من أربع إلى خمس ساعات يوميا، بينما يقضون بين عائلاتهم المبادة والمشردة وبين أنقاض بيوتهم، عشرين ساعة!".

 

ونظرة الأطفال للمستقبل ضبابية بنسبة 90%، كما يقول عطاف الدوش منسق مشاريع الدعم النفسي في مركز العمل التنموي "معا"، مؤكدا أن تأثيرات الحرب على أطفال غزة كبيرة جداً.ويرى الدوش أن هذا المؤشر الخطير جاء نتيجة فقدان الأطفال إما لآبائهم أو لإخوانهم أو لأصدقائهم أو لبيوتهم أو لمدارسهم، وقال: "هناك أطفال يفتقدون لأدنى الاحتياجات ليعيشوا حياتهم الطبيعية".وعلى الرغم من المحاولات العديدة لتقديم المؤسسات المجتمعية لبرامج توعية للأطفال، إلا أن الدوش يوجه نقدا للإهمال-غير المقصود- في الجانبين التعليمي والصحي بالنسبة للأطفال.

 

وقال الدوش وهو أخصائي نفسي: "عدم توفر التعليم المناسب وفقدان الأمن والأمان حتى داخل المدرسة، جميعها عوامل تسهم في ضياع أحلام وأهداف الأطفال".

 

وفضلا عن ذلك فإن الحصار المفروض على قطاع غزة يلعب دورا هاما في حرمان الأطفال من ابسط الاحتياجات، كقلة التغذية، ويقول الدوش :"قلة التغذية تؤثر سلبا على الأطفال (..) أصبح الطفل فاقدا لأهم حقوقه".

 

ويؤكد أنهم يحاولون دمج الطفل مع الواقع للتعامل معه، مبينا أنهم قدموا برامج توعية للأطفال توضح لهم أضرار مخلفات الحرب، بالإضافة إلى موضوعات أخرى كعمالة الأطفال والعنف بجميع أشكاله.

 

اضطرابات

 

يشار إلى أن (20)% من الأطفال في قطاع غزة وجد عندهم "اضطرابات ما بعد الصدمة"، و(13)% أصيبوا "باضطرابات اكتئاب"، ناهيك عن رسوب (9000) طفل في مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين "الأونروا" في المرحلة الابتدائية، وذلك حسب دراسات نشرت في غزة مؤخراً.

 

من جانبها أوضحت إيناس الخطيب الأخصائية بجمعية الوداد للتأهيل المجتمعي، أن فقدان الأمان بالنسبة لأطفال غزة سبب لهم تأثيرات سلبية كبيرة.

 

وقالت الخطيب التي ترأست فرق الدعم النفسي والمجتمعي للأطفال، خلال فترة ما بعد الحرب، : "الأمان مفقود بالنسبة للأطفال، لاسيما أن الآباء لا يستطيعون حماية أبنائهم(..) الأمان جزء مهم من حياة الفرد لكنه مفقود وهذا يفقد الإنسان ثقته بنفسه وبالآخرين أيضا".

 

وحسب نتائج كانت محصلة مشاريع للدعم النفسي للأطفال، صادرة عن جمعية الوداد بغزة، فإن تطلعات الأطفال تختلف من مناطق لأخرى، وتقول الخطيب:"في مناطق الاحتكاك المباشر كشمال القطاع، فإن أقصى تطلعات الأطفال هي العيش في أمان في كنف أسرهم، في حين أن الأطفال الأقل عرضة للخطر وجدنا من خلال التفريغ الانفعالي أن لديهم تطلعات لمستقبل زاهر وواعد".

 

وأوصت الخطيب بضرورة  التدخل السريع من أجل"تقديم الدعم النفسي الطارئ خاصة إلى أطفال ونساء المناطق المنكوبة"، والاستمرار في تقديم الأنشطة خاصة للأطفال.وطالبت الخطيب بضرورة تنمية قدرات فرق الدعم النفسي والمجتمعي لكي يستطيعوا تقديم الخدمات بشكل مهني، ومتابعة التنسيق الميداني مع المؤسسات وخاصة تلك التي تقدم خدمات علاجية.

 

في الوقت ذاته شددت على أهمية تنفيذ جلسات تثقيفية لمقدمي الرعاية للأطفال حول الحرب وآثارها السلبية على الأطفال.ويؤكد محامو حقوق الطفل، أن ما تعرض له الأطفال الفلسطينيين من حرب نفسية وجسدية يعتبر جريمة ضد الإنسانية جمعاء ويجب معاقبة ومحاسبة مرتكبيها اشد العقاب.

 

منح الحقوق

 

وطالب المحامون المؤسسات الحقوقية والقانونية المحلية والدولية التكاتف وبذل الجهود لمنح الأطفال الفلسطينيون حقوقهم كباقي أطفال العالم.وتنص المادة (19) من اتفاقية حقوق الطفل، على ضرورة اتخاذ جميع الأطراف التدابير التشريعية والإدارية والاجتماعية والتعليمية الملائمة لحماية الطفل من كافة أشكال العنف أو الضرر أو الإساءة البدنية أو العقلية والإهمال أو إساءة المعاملة أو الاستغلال.

 

وبلغت نسبة الشهداء من الأطفال والنساء 43% من ضحايا الحرب على قطاع غزة، وفي إحصائية صادرة عن وزارة الصحة بغزة فإن الحرب فتكت بـ 437 طفلا، وخلفت ألفي جريح منهم.ومع إصرار الأطفال وخصوصا ضحايا الحرب على مواصلة تعليمهم، فإننا نستنتج أن العدوان الذي اعتاد عليه الأطفال يمسح ملامح الطفولة من وجوههم البريئة ويشوه أحلامهم الناصعة، لكنه لن يسلبهم أمل إكمال تعليمهم، حتى وإن أدركوا أنهم غيروا آمنين حتى وهم على مقاعد الدراسة.

 

اخبار ذات صلة