قائد الطوفان قائد الطوفان

الأسير أكرم الريخاوي يبعث رسالة عتاب

من سجن الرملة.. جثة تصرخ بصمت

نابلس-الرسالة نت

بعث الأسير المريض أكرم الريخاوي برسالة من سجن مستشفى الرملة إلى الرأي العام الفلسطيني والعربي، وعبرّ فيها عن أسفه لتجاهل قضية الأسرى المرضى في سجون الاحتلال.

وفيما يلي نص الرسالة:

بسم الله الرحمن الرحيم

جثة تصرخ بصمت

وحده الموت رفيقي، لقد نضج الموت في حقولي فمتى القطاف؟ متى يلملم قلبي المخدوع مواسم جنونه؟ متى تحنو القسوة على ذاتها وترق الشراسة على جروحها ؟ فبياض جدران ما يسمى بالمستشفى وبياض إبرة المصل وبياض الصمت تنظم أنفاسها متواترة مع أنفاس الليل الوديع.

وحدها آلامي تتلاحق نبضا وتشمخ نائية وتنتصب كعود النار الراقص، وسط دنيانا الساكنة، حين يتعب جسدي يتسلل وحده الموت ليعانق روحي، يعرف جيداً رقم جنتي، يعرف طريقه إلى مخدعي ويدوس بقدميه الثابتتين أركان جثث أحياء حولي.. جثث متلاشية.. جثث متحللة ساكنة مشلولة حية حولي، استقبله دونما دهشة أو بكاء مسرور بقدومه لعله ينهيني من عذاباتي وآلامي.

حين يسعى اليّ وحده الموت ويحبسني كوني أنفاسه، حين يحتويني أتأمل به خيراً، أرى وجهي كما لو كنت أحدق في مرآه.. أتأمل عمري على شاشة الجدران البيضاء.. وطن، لجوء، احتلال، تحرير، مقاومة، قدس، أهل، أولادي ......آه

وحده الموت يعرف دوماً طريقه الى حين يمد أصابعه الشفافة تنهار كل حصون الزحام والصخب مثل بيوت من ورق اللعب هدمتها في غمضة عين رفة عصفور، تلك هي وعودكم، كل ذلك الضجيج الإعلامي ما كان ليجدي، كل ذلك الصخب والعتاب ومسرحيات الوصال، كل تلك الدموع ما كانت لتجدي وكل ذلك الركض المسعور في الليل وأحاديث ومفاوضات والشروط والتغني والتباكي بالأمناء على أوجاعنا والنظرات الخجلة المشحونة بالصراخ كل ذلك لم يكن ليجدي.

لقد جربت كل الوصفات ضد موت ضمائركم ونفاقكم وحملت كل الأحاجي العتيقة ولفظت على جسدي كل التعاويذ ومارست كل ما عرف الإنسان من أقدم العصور وكل ما اكتشفته في آخر الزمان واتخذت من أوسمة الأبطال درعاً واختبأت داخل أجسادهم ، لأعزي نفسي بكم ، ولكن يا إلهي كبعض صنيع الأساطير، فمغفورة خطايا القادة الذين عرفت.. مغفورة خطايا كل المسئولين والسياسيين، مغفورة خطايا المقاومة التي عرفت، مغفورة خطايا الذين عرفونا وأنكرونا، مغفورة خطايا الذين وعدوا وأمّلنا بصدقهم، مغفورة خطايا الذين فرطوا بجثث فيها بقايا نفس فريسة للأسر والمرض والتلاشي.

وحين يهمس الموت تحت نافذتي لا أملك إلا أن أتبعه مسحورا إلى وديان الأنين الباكي، يناديني الموت يا طفلي وأناديه يا حصني ضد زحف كوابيس الصدق والتمني، افتح عيناك ومد أهدابك... فاني وحيد وحيد، كإصبع مقطوع عن جسده وروحي مشفقة بدأت بالتلاشي، الليل طويل.. طويل جداً ولا يتسع لتنهيدة من صدري.. والطريق مظلم ومليء بالمفاجآت والأبجدية شاسعة لكن كلمات الحواس قد اهترأت .. لا حياة لمن تنادي..

وحده الموت.. يظل لا متناهياً واثقاً من نفسه وحده يعرف كيف يمتلكني وفي ملكوته وحده اعرف مشهقة التلاشي.

 

أكرم عبد الله الريخاوي

سجن مستشفى الرملة "مراش"

البث المباشر