الضفة المحتلة-الرسالة نت
تتابع بعينيها الواسعتين كلمات رُصّت على شريط الأخبار.. لم تخلُ أي جملة من كلمة الأسرى والإضراب.. بقيت تقرأ ببطء يحاكي عمرها الصغير وتحاول أن تربط المعاني حول كل ما يتعلق بوالدها الذي انضوى تحت لوائهم وأصبح واحدا من المقيدين بأصفاد الحقد (الإسرائيلي).
ميار لم تكن تعلم حين حطم الجنود ألعابها وأثاث منزلها أن اعتقال والدها سيطول دون موعد إفراج، والآن في "يوم الأسير" تعود لها الذكريات السوداء عن تلك اللحظات وأخرى وردية عن ابتسامة الوالد وحضنه الدافئ وقبلاتٍ كان يطبعها على جبينها قبل النوم.. تنتشل ذهنها من كوم الذكريات وتعاود قراءة الشريط الإخباري يغزوها القلق على والدها.
الإضراب.. وأي سلاح!
في مثل هذه الأوقات تمتلئ القلوب الفلسطينية بحالة الحزن والغضب والتضامن مع الأسرى، فخوضهم معركة الأمعاء الخاوية أو الإضراب المفتوح عن الطعام يعتبر الحرب الفاصلة التي يخرج فيها منتصر واحد، أو لنقل إن الأسرى يخرجون منتصرين على كل الأوجه.
وتعني خطوة الإضراب عن الطعام امتناع الأسير عن تناول الطعام أو الشراب باستثناء الماء وقليل من الملح، والهدف منها يكون إنهاء القمع الذي تنفذه مصلحة السجون (الإسرائيلية) بحق الأسرى كالعزل والاقتحامات والتفتيش العاري وأخيرا ما بات الاحتلال يحاول فرضه على الأسرى من فحص الحمض النووي.
وفي هذا السياق، يفيد مدير جمعية واعد للأسرى والمحررين صابر أبو كرش لـ"الرسالة نت" بأن سياسة الإضراب عن الطعام خاضها الأسرى منذ مطلع الستينيات، ولكنها اشتدت منذ السبعينيات وأخذت منحنىً خطيرا حين أصبح الأسرى يضربون بشكل جماعي وتحديدا في سجون بئر السبع وعسقلان وغزة المركزي، مبينا بأنها الخطوة الأخطر والأقسى التي يلجأون لها لنيل أدنى حقوقهم.
ويبين أبو كرش بأن سياسة الإضراب أدت في السنوات الماضية لاستشهاد عدد من الأسرى أبرزهم عبد القادر أبو الفحم عام 1970 خلال إضراب سجن عسقلان، والشهيدان راسم حلاوة وعلي الجعفري عام 1980 خلال إضراب سجن نفحة، والشهيد محمود فريتخ خلال إضراب سجن جنيد عام 1984 والشهيد نمر عبيدات خلال إضراب سجن عسقلان عام 1992.
ويضيف:" نجحت هذه السياسة في تحقيق إنجازات مختلفة على مدار الأعوام الماضية، ففي السبعينيات رضخت إدارة السجون لمطالبهم بإدخال الصحيفة اليومية والراديو، وفي الثمانينيات سمحت بإدخال التلفزيون وبعدها رضخت لمطلب تحسين أنواع الطعام".
وتتراوح فترات الإضراب عن الطعام في السجون، فقد تكون أياما قليلة أو تمتد لتصل أكثر من شهر كما إضراب الأسير خضر عدنان والأسيرة المحررة هناء الشلبي، ولعل أبرز القضايا التي يضرب الأسرى لإنهائها العزل والحرمان من العلاج والاعتقال الإداري.
" لن ننساكم"
ونعود إلى ميار طفلة الأسير منتصر شديد من مدينة الخليل، التي لم تكد تنعم بحنان والدها حتى باغتته يد الاعتقال وزجته في السجون (الإسرائيلية) رهن الاعتقال الإداري المقيت الذي لا تعرف له نهاية.
وتقول والدتها أم عمر لـ"الرسالة نت" إن هذه الأيام تمر على اهالي الأسرى بكثير من الحزن والقلق خاصة في ظل خوضهم الإضراب عن الطعام، حيث أن العائلات تبقى قلقة على مصير أبنائها إذا ماطلت إدارة السجون في تحقيق مطالب الأسرى.
وتضيف:" الأبناء مشتاقون لوالدهم وخاصة ميار البكر التي تعلقت به كثيرا، وعندما تسألني عن الإضراب ومعناه أشرح لها بصورة مفصلة كي تكون لديها فكرة عن ذلك وتعرف شعور والدها وهو يخوض الإضراب، حتى أنها ولكثرة تعاطفها معه قالت إنها ستشاركه الإضراب عن الطعام على قدر استطاعتها".
بدوره، يقول الأسير المحرر في صفقة وفاء الأحرار عبد الله أبو شلبك لـ"الرسالة نت" إن خوض الإضراب عن الطعام يكون من أصعب اللحظات التي تمر على الأسرى في السجون، خاصة وأنه يقابل في الأيام الاولى بمماطلة وتجاهل من قلب مصلحة السجون، ولكنها ترضخ أخيرا للمطالب إذا صمد الأسرى على الإضراب.
ويعتبر أبو شلبك بأن الإضراب الذي خاضته مجموعة من الأسرى مؤخرا يندرج ضمن إطار معارك الصمود والثبات التي لقنت السجان درساً وأجبرته على الإفراج عن عدد منهم، موضحا أن عملية الإضراب ليست بالأمر السهل بل هي الخيار الأخير الذي يلجأ له الأسرى لانتزاع حقوقهم من إدارة السجون.
ويتابع:" الإضراب هو حرب بمعنى الكلمة لان الاحتلال يحاول التقليل من أثرها عبر بث الشائعات ومحاولة كسر إرادة ومعنويات المعتقلين المضربين".
وعبّر أبو شلبك عن تضامنه الكبير مع إخوانه الأسرى الذين يخوضون معركة الأمعاء الخاوية في يوم الأسير، مناشدا كل المسؤولين والمعنيين أن يتكاتفوا لنصرتهم ولو بالكلمات لأن كل تحرك يرفع من معنوياتهم ويزيد ثقتهم بالنصر.