غزة-إيمان أبو جبة
قصص كثيرة تحكى.. فلان سافر للتعلم، وآخر هاجر للخلاص من حصار غزة، وتنتهي الحكاية هنا، وتنقطع أخبار من هاجر، ولا أحد يسأل نفسه: هل تكلل هذا السفر بالنجاح أم القي بصاحبه للعيش على الأرصفة وتحولت حياته من عزة وكرامة إلى ذل ومهانة، وهل يملك ذاك المهاجر قرار العودة بعد أن حرم من مواطنته وهويته، ولكن يبقى الأمل بالعودة إلى ارض الوطن واحدا مع اختلاف طرق الابتعاد عنها.
* غزة ارحم
ويروي د. معين الحداد طبيب أسنان بعيادته بغزة قصة سفره التي استمرت أحد عشر شهرا، تنقل خلالها بين عدد من الدول العربية والأوروبية فمن غزة إلي القاهرة ثم روما وبروكسل وستوكهولم وأوسلو ليعود إلى غزة وعيونه تنطق بكلمات شوق لترابها وأهلها.
وأشار الحداد إلى أن رحلته كانت لتلقي العلم والخبرة، إلا انه عاد وكان أول ما تفوه به: "غزة ارحم مليون مرة، الهجرة إلى الخارج ليست سهلة والحياة صعبة جدا وثمنها غال جدا على الصعيد النفسي والاجتماعي والأخلاقي أو العقائدي"، وتابع: عندما عدت إلى غزة أحسست وكأني ولدت من جديد.
وأضاف الحداد إلى أن المجتمعات الغربية غير اجتماعية بطبيعتها ويقضون عطلاتهم وهم سكارى وباقي أيام الأسبوع لو حدث وان كلمت احدهم في يوم غير ذلك قد يطلب لك الشرطة كما ذكر.
وأضاف: "كل واحد يتمنى أن يعيش في مناطق أكثر استقرارا وأماناً وبالفعل فكرت في أن أرسل لعائلتي وانقلهم للعيش معي في الخارج وخصوصا في فترة الحرب على غزة"، واستمر الحداد في حديثه" ولكنه استدرك: "مرجوعي إلى غزة مهما طال الزمن".
وأوضح الحداد انه خلال رحلته مر بالنرويج وكان عدد أطباء الأسنان هناك لا يتعدى 300 طبيب موزعين على 4 مليون نسمة وخبراتهم قليلة، مشيرا إلى أن العديد من العروض قدمت له للبقاء والعمل ولكنه رفض.
* العربي عبارة عن رقم
ونقلنا الحداد للتعرف على حال آلاف من المهاجرين والهاربين من رقة الحال في بلادهم ليتحملوا ذل ومهانة المعيشة في الخارج، وقال وهو متكئ على مكتبه بعد تنهيدة تنم عن الحسرة: "للأسف كل من خرج للهجرة منذ عام 2000 فما فوق جميعهم أعمالهم مهينة يرسل الشخص لأهله انه يعمل في شركة دون أن يوضح لهم ماهية الشركة، مستطردا والأهل لا يعلمون أن أبناءهم يعملون في شركات للتنظيف حتى الأطباء المختصين وغير المختصين هناك ليس لهم عمل وأفضل مهنة قد يعمل المتخصص بها هناك هي في خدمة العجزة والتنظيف في تلك العيادات ليس إلا، ولا احد يستفيد في تخصصه لأنه في تلك الدول لا يعتمدون عليهم على حد تعبيره.
وأضاف: العرب في الخارج عبارة عن رقم، ولا يتعاملون معهم بأسمائهم، وحالهم اشبه بحال المساجين فمثلا الشخص يكون اسمه 10987 وهكذا(...)، إلى جانب ذلك فإن الشخص مهما كان مؤهله العلمي لا يصل مهما كان قدر إلى أن يكون درجة ثانية أو ثالثة، ويتساوي هناك العربي المتعلم مع الصومالي غير المتعلم أو الأفغاني وغيرهم.
وحول وضع الشباب المهاجر من غزة قال الحداد: "رأيت منظرا تقشعر له الأبدان وتدمع له العين، رأيت شبابنا في الخارج يقفون طوابير لنيل حفنة من الطعام"، وتابع يمكن لهم أن يعملوا في بلدهم فهي بحاجة إليهم بعيدا عن الظروف السياسية.
وناشد الحداد الشباب بالتفكير كثيرا قبل أن يخطوا أية خطوة في مشروع الهجرة، وتابع: "كثير من الشباب كانوا يأتوني وأنا بالخارج يبكون ما وصلوا إليه وما يعايشون من ذل ومهانة.
وطالب الحداد الشباب بعدم الانجرار وراء التراهات، وعرض على من أراد النصح والحديث مع شباب يعانون في الخارج بان يتوجه إليه وسوف يزودهم بأرقام وأشخاص حتى يعلموا أن غزة بالرغم من الحصار وما تمر به هي ارحم بكثير من أية بقعة أخرى على حد قوله.
* حرمان من الحقوق
تغرب من اجل العمل يحرم العديد من العيش في غزة فهذا هو حال أنغام خضير (19 عاما ) التي سافر والدها للعمل في السعودية منذ تخرج من جامعته: "انتظر اقرب فرصة تتحسن فيها الأوضاع في غزة لأقوم بزيارتها وتبادل الزيارات مع أقاربنا وأصدقائنا، لقد منعنا عمل والدي من العيش في وطننا"، وتابعت " حرمنا الكثير من حقوقنا لأننا لاجئون فلو كنت في غزة لما منعني احد من دخول الجامعات أو أجبرني على دخول المعهد كما يحدث هنا".
وأضافت خضير: لم يقتصر ذلك على التعليم فحتى في الوظائف نعامل معاملة أخرى فالفلسطيني يتقاضي راتبا اقل بكثير من السعودي أو الأجنبي على حد تعبيرها.
وكان للنازحين نصيب من ويلات الغربة. عادل 38 عاما يمتهن العمل الحر هاجرت عائلته منذ حرب 1967 لتتنقل في العديد من الدول العربية، أما هو فاستقر في آخر الأمر في مصر حدثنا "يبعد عني وطني بضعة كيلومترات ولا استطيع مجرد زيارته لأنني لا احمل هوية لدخول غزة"، وأردف منذ انتشرت الأنفاق في غزة وأنا أفكر في أن انتقل عبرها لألمس تراب فلسطين الذي حرمت من التنعم به".
وذكر عادل أن المعيشة في مصر صعبة وخاصة في الفترات التي انتشرت فيها التفجيرات حيث تقوم قوات الأمن المصرية بالتحقيق مع كل فلسطيني ومراقبته وكأنه إرهابي عل حد قوله.
هذه صورة لمعاناة بعض المهاجرين صورة واحدة ومعاملة واحدة لجميع المهاجرين العرب في الدول الأوروبية، وان كنا لا نحتمل الذل والاهانة في الغربة فبلادنا أحق بما نملك من قدرات ويكفي أنها تبقى حافظة لعزتنا وكرامتنا.