المحرر لبادة.. كُسِرت القيود وبقي المرض !

نابلس- الرسالة نت "خاص"

فُكًّت القيود عن معصميه، وضربت أشعة الشمس وجهه الهزيل، وهبّت نسمة من هواء الحرية لتزيل بعضا من رطوبة جسده الذي أنهكته الأمراض وعتمة السجن.. لكنه لم يشعر بشيء من ذلك.. فغيابه عن الوعي حرمه من لذة لقاء الأهل بعد طول غياب.

هكذا كانت أولى لحظات الإفراج عن الأسير المحرر زهير لبادة (51 عاما) من مدينة نابلس، الذي أفرج عنه قبل يومين وهو في غياب كامل عن الوعي.

وأُجبِرت سلطات الاحتلال على إطلاق سراح لبادة بعد أن قدّم محامي مؤسسة التضامن الدولي استئنافا طالب فيه بالإفراج الفوري عنه لتردي وضعه الصحي بشكل كبير، ودخوله في غيبوبة.

ويعاني لبادة من أمراض خطيرة عدة وفي مراحلها المتقدمة، فهو يغسل الكلى منذ 14 عاما، وأصيب مؤخرا بالكبد الوبائي، وتشمع بالكبد، وانتفاخ بالبطن نتيجة تجمع السوائل، والتهابات بالرئة، والاعتلال العصبي، وقبل أيام دخل بحالة من فقدان الوعي والهلوسة وفقدان الذاكرة.

لقاء صعب..

واستقبلت عائلة الأسير لبادة ابنها في ساعة متأخرة من مساء يوم الخميس، حيث نقلته سيارة إسعاف لمستشفى الوطني في مدينة نابلس شمال الضفة المحتلة.

رشيد "22 عاما" نجل المحرر لبادة يصف لحظة اللقاء بوالده بأنها من أصعب اللحظات التي مرّ بها، وقال:"لقد كان أبي في غيبوبة وملقى على السرير، لم نتمكن من عناقه ولم يتمكن هو من رؤيتنا، ولم يكن يعلم أنه قد تحرر من أسره، كانت لحظات صعبة للغاية.. لكن الصبر كان سيد الموقف".

وكانت قوات الاحتلال قد اعتقلت لبادة بتاريخ 7-12-2011، من منزله في مدينة نابلس، حيث اقتحم الجنود المنزل وعندما رأوه طريح الفراش لا يقوى على الحركة استغرب الجنود أنه هو المطلوب بتلك العملية، وعندما وجدوه لا يقوى على الوقوف حمله الجنود على أكتافهم بينما حمل الضابط كيس الدواء.. واختطفوه من بين أبنائه.

ويشير رشيد إلى أن آخر زيارة كانت لوالده قبل شهر من الآن، حيث تمكنت زوجته من زيارته في سجن مستشفى الرملة، وكان حينها على كرسي متحرك، ووضعه الصحي سيء جدا، لكن ليس بالصورة التي هو عليها الآن.

ويضيف:"كان والدي خلال الزيارة يجد صعوبة كبيرة في الكلام والتركيز وتذكر ما يريد قوله، لكننا لم نتوقع أن تصل حالته لهذه المرحلة من الخطورة".

ووجهت العائلة الاتهام لسلطات الاحتلال وإدارة مستشفى سجن الرملة والأطباء هناك لإهمالهم المتعمد لصحة لبادة، مشيرة إلى أن التطور الخطير الذي حصل معه يؤكد أنه منع من تناول بعض الأدوية خلال فترة الإضراب الذي خاضته الحركة الأسيرة قبل أسابيع.

ولفت نجل لبادة إلى أن مصلحة السجون كانت ترفض الإفراج عن والده عند اللحظات الأخيرة، وبقيت متمسكة به على الرغم من تدهور وضعه وغيابه عن الوعي، وأضاف:"هذا إن دل على شيء فهو يدل على أن والدي يقهرهم حتى في مرضه".

ويعد لبادة من الشخصيات البارزة في حركة حماس في مدينة نابلس، حيث لم يمنعه المرض ولم يقعده عن مواصلة عمله الدعوي والجهادي، بل كان مدرسة لتعلم الصبر والتضحية، والعمل رغم الأوجاع التي كانت تنهش بجسده.

لحظات حرمان..

وخلال محطات حياة عائلة الأسير لبادة افتقدت زوجته وأبناؤه الأربعة رشيد وسوزان وعبد الرحمن ويحيى حضن والدهم، وحرموا من مشاركته في أسعد لحظاتهم، حيث تزوج ابنه رشيد دون أن يتمكن والده من حضور حفل زفافه، ورزق بحفيداته الثلاث دون أن يشاركهم تلك اللحظات.

ويقول رشيد:"أصرّ والدي على زواجي وأنا في الثامنة عشر من عمري، حتى يرى أبنائي، وتزوجت دون أن يكون بجانبي، ورزقت بابنتي دون أن يراها، كما تزوجت أختي ولم تكتمل فرحتها بالزفاف، فبعد ساعات قليلة من زفافها اعتقلته قوات الاحتلال بنفس الليلة".

ويؤكد:"مواقف كثيرة مرّت علينا حرمنا خلالها من والدنا، لكنه كان دائما معنا، دائما نستشعر وجوده بيننا، نتذكر كلماته وعباراته التي ربتنا وهو في الأسر.. لم يغب عنا لحظة واحدة.. يكفينا فخرا أننا أبناء هذا المجاهد زهير لبادة..".

وتعيش عائلة لبادة حالة ترقب وخوف على حياته، حيث يرقد في غيبوبة في غرفة العناية المشددة في المستشفى، بينما يصف الأطباء حالته بالخطيرة للغاية.

البث المباشر