غزة - ديانا طبيل
حسرة جديدة تضاف إلى حصراتهم العديدة فشهر رمضان المبارك أصبح على أبواب بيوتهم المدمرة ، مما يعيد الذاكرة لأصحابها لحظات عاشوها مع أسرهم داخل بيوت لطالما جمعت حباً وألفة وطقوساً رمضانية ، فالعديد منهم عاد إلى نفس الحالة النفسية التي لازمته فى مطلع العام جراء ويلات الحرب وصور دمارها التي كادت تمحو معالم حياتهم من الواقع .
ولعل الحسرة والقهر الذي يعتريهم مرتبط كذلك بقضية إعادة الاعمار، حيث لا حلول تلوح في الأفق ، مما يزيد من معاناتهم سيما وان عدداً منهم مازال قابعاً في خيم الإيواء، في حين يحتمي آخرون لدى الأقارب والمعارف في أماكن لا تتسع لهمومهم ، بينما يكتوي آخرون بأجرة البيوت المرتفعة وبتهديد صاحب العقار بالإخلاء .
تجدد الأحزان
وفي عزبة عبد ربه شمال القطاع، تبدو الصورة مكتملة المشهد لا يحتمل إلا اللون الأسود فتفاصيله رغم مرور سبعة أشهر لازالت واضحة منازل مدمرة على طول الطريق الرئيس، أثاث وملابس ومستلزمات منزلية طحنتها الدبابات الإسرائيلية مع ذكريات سنوات مضت.
التقينا الحاج توفيق عبد ربه "62عاماً " الذي يجلس بجانب أنقاض منزله المدمر ورغم مرور سبعة أشهر لا يستطيع تفسير منطلق رغبته في القدوم لمشاهدة الركام .
ويقول :"إن حالة من اليأس تتملكه هو وكافة أصحاب البيوت المدمرة في عزبة عبد ربه إذ ما طرح موضوع إعادة الاعمار، خاصة وان لا حلول تلوح بالأفق منذ انتهاء الحرب، ويضيف معاناتنا الآن متجددة فى السنوات الماضية كنا نستقبل رمضان وكلنا فرحة وأمل لأننا بلغنا هذا الشهر أما اليوم فهذه المناسبة ستجدد أخزاننا .
ويتابع منذ أيام قليلة عادت إلى ذاكرتي صورة ابنائى واحفادى ونحن نجلس على سفرة رمضانية واحدة نأكل ونصلى المغرب جماعة ونتسامر ونشاهد التلفاز ، لقد كانت أيام رائعة لا اعتقد أني سأعيشها مجدداً " ما ظل بالعمر قد ماراح "، موضحاً أن أسرته الآن مشتتة فى بيوت الإيجار وبيوت الأقارب وسيكون رمضان من أصعب الأوقات التي مرت علينا منذ مطلع العام .
في حين تقول الحاجة فاطمة المزعنن (74 عاماً) التي مازالت تقيم بجوار منزلها المدمر المكون من ست طوابق و ترفض الذهاب إلى أي مكان آخر: " لا استطيع ترك منزلي الذي سكنته أنا و ابنائى واحفادى وحفرنا فيه ذكرياتنا .
وتضيف ظروف الحياة قاسية جداً لقد هدموا المنزل بما فيه لا نتملك أي وثائق أو ألبسة أو أثاث و رغم مرور سبعة شهور على هدم المنزل إلى أننا لم نستطع شراء كل ما يلزم لاستمرار الحياة فالأسواق ذاتها محاصرة والبضائع فيها قليلة ومرتفعة الأسعار اليوم نتظر قدوم شهر رمضان ونحن لا نتملك شيء لاستقباله .
كابوس مزعج
وتتمنى المزعنن أن تغمض عينها لتجد منزلها وقد أعيد بناؤه خاصة وان شهر رمضان على الأبواب وفيه ستجدد أحزنها حين لن تجد أمام أعينها سوى الركام في حين تفرق أبناؤها في بيوت الإيجار أو لدى الأقرباء ، مطالبة المؤسسات الحقوقية والدولية بإيجاد حل لها ولأسرتها ولكافة أصحاب البيوت المدمرة .
الأمنية ذاتها لا تفارق المواطن سلامة الوحيدي (45عاماً) فهو يأمل أن يتمكن من إعادة اعمار بيته في وقت قريب ليمكنه من العيش وأسرته من جديد في حياة رمضانية جميلة تجمعهم على سفرة واحدة وسحور واحد دون الشعور بالحسرة والمرارة التي أنستهم طعم السعادة.
يضيف: "معاناتنا لا تنتهي بمساعدة أو مبالغ مالية ، نحن نريد أن نرى منازلنا قد بنيت من جديد، فبقاؤها على هذا الشكل يعني استمرار حالة التشريد ، يجب أن يدرك العالم أن الجو الأسرى والجمعة العائلية لا تعوضها المساعدات الغذائية .
في حين يقول حميد عطايا (55 عاماً) : لم أتخيل يوماً أن تتحول حياتي البسيطة إلى كابوس مزعج يلاحقنا في كل مكان، فكل شيء مع هدم منزلي تحول إلى جزء من الماضي، أما الحاضر فغني عن توصيفه، وتكفيه صور التشريد التي أعيشها و اسرتى ".
ويتابع عطايا قائلاً : لا اعرف كيف سيكون شكل شهر رمضان ! من المؤكد انه سيكون قاسى جداً وسيجدد أحزان اسرتى بمجملها فقد كانت زوجتي تعد الولائم وأجمل الأكلات الرمضانية وتهتم بكافة التفاصيل ابتداء من الأثاث وانتهاء بأدوات الطعام لقد كان رمضان مناسبة تضفى على بيتي الكثير من التغير والحيوية، أما الآن فزوجتي لا تجد شيئا مناسب لتقديم الطعام ولن تحتفل بقدوم الشهر سوى بمزيد من الدموع والحسرة على تعب سنوات طويلة من الغربة حطمتها إسرائيل بصواريخها.
فى حين تقول أم محمد السلطان أحد ساكني مخيم العزة للإيواء :إنها ستستقبل رمضان فى ظروف حياتية لا تطاق وتفتقد الحد الأدنى من وسائل الحياة المعروفة ،وأضافت السلطان: أنها تضطر يوميا لقضاء جزء كبير من نهارها في منزل أقاربها ولا تدرك ماذا ستفعل خلال شهر رمضان وكيف سيكون شكل حياتها بعد أن فقدت كل ما تملك فى بيتها المدمر .
لن نشترى الفوانيس
وتضيف ربما لن استطيع شراء فوانيس لابنائى فالحالة المادية التي تحيها اسرتى فى غاية الصعوبة فقد جرفوا الأراضي الزراعية التي كنا نعيش من خيرها، ومنذ انتهاء الحرب لم يدخل إلى جيب زوجي مليم واحد .
وبحسب تقرير لـ"المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان" في غزة، كان من الواضح أن سلطات الاحتلال الحربي عمدت إلى تخريب أي مظهر حضاري لقطاع غزة، وعمدت بانتظام ومنهجية إلى تدمير شامل لجميع المرافق الأساسية والخدماتية، ما تسبب في تراجع القطاع عشرات السنين إلى الوراء".
فإن قوات الاحتلال دمرت نحو 2400 منزل بشكل كلي، من بينها 490 منزلاً تم تدميرها بواسطة الصواريخ الجوية والبقية تم تجريفها.
ففي محافظة الشمال دمر نحو 650 منزلاً كليا، بينها 250 منزلاً دمرت بواسطة الصواريخ الجوية والبقية تم تجريفها، علاوة على تدمير نحو 500 منزل آخر جزئيا وغدت غير صالحة للسكن، فيما لحقت أضراراً بالغة بمئات المنازل الأخرى.
أما محافظة غزة فشهدت تدمير نحو 1100 منزل كليا، بينها 80 منزلاً دمرت بواسطة الصواريخ الجوية والبقية تم تجريفها. كما دمرت مئات المنازل جزئيا، في ما لحقت أضرار بالغة بمئات المنازل الأخرى".
وأوضح التقرير أن نحو 220 منزلاً دمر كليا، بينها 52 منزلاً دمرت بواسطة الصواريخ الجوية في محافظة الوسطى، أما في محافظة خان يونس فقد دمر نحو 220 منزلاً كليا، بينها 52 منزلاً دمرت بواسطة الصواريخ الجوية والبقية تم تجريفها. بينما دمرت قوات الاحتلال في محافظة رفح نحو 160 منزلاً سكنياً كليا، 80 منها دمرت بالصواريخ والباقي تم تجريفه، ولحق دماراً جزئياً بنحو 300 منزل آخر.