في مقابل تعليم اللغة العبرية في المدارس بقطاع غزة تتجه اللغة العربية نحو الانقراض بالمدارس اليهودية اليوم نتيجة ارتفاع منسوب الكراهية والتطرف في (إسرائيل).
ويحذّر خبراء من أن ذلك يزيد الصراع العربي الإسرائيلي تعقيدا فيما يعتبر الجيش الإسرائيلي الظاهرة مسا بالأمن.
ويستدل من تحقيق أنجزته "الأكاديمية القومية للعلوم" في (إسرائيل) أن اللغة العربية في المدارس اليهودية اليوم في حالة يرثى لها.
وتشير الأكاديمية -في تقريرها الصادر الأسبوع الماضي- لعدة أسباب خلف تدهور مكانة لغة الضاد منها تعليمات وزارة التعليم الإسرائيلية التي لا تطّبّق، ومعلمو العربية اليهود الذين لا يجيدونها، والمناهج التعليمية البالية، بعكس تعليم العبرية التي تُفرض على فلسطينيي الداخل كموضوع تعليم إلزامي حتى نهاية المرحلة الثانوية.
وتكشف معطيات الأكاديمية أن 25% فقط من الطلاب اليهود في المرحلتين الابتدائية والإعدادية يتعلمون العربية رغم كونها إلزامية بهذه المرحلة.
وتقول إن أزمة العربية في المدارس الإسرائيلية تنم عن رغبة الطلاب بالبحث عن مواضيع أكثر جاذبية كالفلك والعلوم الطبية وعن عدم إعداد معلمين أكفاء وفقدان مناهج عصرية.
ويتناقص عدد معلمي العربية (1300 منهم 170 معلم عربي فقط) فيما يمنع عادة المعلمون العرب من تعليم لغة الضاد في المدارس اليهودية لـ"دواع أمنية".
كما يتم تعليم العربية في المدارس والكليات والجامعات باللغة العبرية ما يعني تخرج طلاب لا يجيدونها كما يجب.
وتفيد معطيات وزارة المعارف الإسرائيلية بأن عدد الطلاب اليهود الذين يتقدمون لامتحانات التوجيهي باللغة العربية يبلغ نحو ثمانية آلاف طالب مقابل 170 ألف طالب يتقدمون لامتحانات الإنجليزية.
المحرك الأمني
ويتفق محاضر العربية في جامعة بار إيلان، باسيليوس بواردي، مع تشخيص أكاديمية العلوم، لكنه يشدد على أن الأهداف الأمنية طالما شكّلت المحرّك المركزي لتعليم العربية في المدارس الإسرائيلية، لافتا إلى أن هذه الأهداف باتت تساهم في تدهورها.
ويشير باسيليوس إلى أن المؤسسة الحاكمة أدرجت العربية ضمن المنهاج كموضوع غير إلزامي، من باب "اعرف عدوك" مبينا أن الاستجابة لها تتم من باب أمني لا لجماليتها وثرائها اللغوي والثقافي.
ويتابع "هذه النظرة الأمنية للغة خلقت تدريجيا حالة اغتراب لدى الطلاب اليهود حيالها وأبعدتهم عن الحضارة العربية وثراء لغتها".
ويؤكد باسيليوس أن تراجع العربية في مدارس (إسرائيل) ومفهومها كـ"لغة العدو" يُصعّب على مساعي كسر الهوة بين الشعوب ومحو الأفكار المقولبة.
ويتابع "في حال تم تعليم جيل يهودي العربية كما كان لدى اليهود في البلدان العربية لا شك أن الواقع سيكون في (إسرائيل) أقل كراهية وتطرفا بعد الاطلاع على حقيقة العالم العربي".
ويشير إلى أن إلزام الطلاب اليهود بتعلم العبرية وتقدمهم لامتحانات التوجيهي بها لن يكفي، داعيا لتعديل المناهج نحو إطلاع الطلاب على حيويتها الثقافية وتدعهم يتعلمونها بمتعة من خلال نصوص مواكبة وجذابة.
وهذا ما تؤكده المحاضرة في العلوم السياسية البروفيسورة يهوديت رونين، التي سبق وعلّمت العربية في مدارس يهودية، وتحذر من تبعات سياسية "سلبية" لتراجع لغة الضاد لدى الطلاب اليهود.
وتبدي رونين أسفها لأن الكثير من الإسرائيليين ينظرون للحيز الثقافي العربي الغني بعيون أمنية. وتتابع "شئنا أم أبينا نحن نعيش في بيئة ثقافية محاطة باللغة العربية وليس بوسعنا العيش بعزلة".
وتشير رونين إلى أنها تدرك القيمة المضافة الكبيرة للانكشاف على نتاجات موسيقية وأدبية عربية رائعة، مشددة على أن من يتجاهل العربية يخسر أولا كإنسان ومن ثم كمجتمع يستهلك ثقافة.
لكن الجيش الإسرائيلي أيضا يرى نفسه خاسرا من تراجع العربية في المدارس اليهودية بالسنوات الأخيرة.
ويشير الناطق بلسان جيش الاحتلال أفيحاي أدرعي إلى أن النقص بالخريجين الذين يجيدون العربية يمس بالناحية الاستخباراتية وبأمن الدولة.
لغة الجيران
بالمقابل ينفي شلومو ألون -الذي أنهى عمله مفتشا للغة العربية في المدارس الإسرائيلية- وجود اعتبارات أمنية لدى وزارة المعارف في تعلم اليهود للعربية.
ويرى أن دراسة الإسرائيليين للعربية ينبغي أن تتم لأهداف إنسانية وثقافية وللتعرف على الجيران.
وردا على سؤال قال إنه غير راض عن حالة العربية اليوم في المدارس اليهودية ولا سيما أنها ما زالت موضوعا غير إلزامي في المرحلة الثانوية.
ويشير مدير قسم اللغات في وزارة المعارف هاني موسى إلى أن الوزارة تتجه نحو جعل العربية في المدارس اليهودية موضوعا إلزاميا في امتحانات التوجيهي بمستوى وحدة واحدة على الأقل.
وأشار إلى أنه راض عن تعليم العربية في المدارس اليهودية وأن وزارة التعليم الإسرائيلية تستثمر فيها بساعات الاستكمال والإرشاد، ويتابع "تعمل منذ بدء العام مفتشة جديدة للموضوع، سيجاليت شوشان، على تطوير الموضوع بشكل رائع وهناك حاجة لتحسين كفاءات المعلمين وتغيير بعض النصوص".
المصدر: الجزيرة نت