ربما لم تواجه التهدئة بين فصائل المقاومة الفلسطينية، والاحتلال "الإسرائيلي" تهديدا منذ أشهر ماضية بحجم التهديد الحالي، وذلك بعد مشاركة كتائب القسام –الذراع العسكرية لحركة حماس- في الرد على التصعيد الجاري.
الرد القسامي "المفاجئ" يؤكد أن تغيير المعادلات مع قطاع غزة يجب أن يُحسب فيها "القسام"، وليس بخطط تصاغ في مقر قيادة جيش الاحتلال، ثم يدفع ثمنها الدم الفلسطيني دون رد.
وتتبع كتائب القسام منذ فترة أسلوب "الصمت" أو "النفس الطويل" في معركتها مع الاحتلال، إلا أن الرسالة القسامية –بحسب محللين- أساءت "إسرائيل" فهمها، فكان لزاما على "القسام" تغيير استراتيجيته وأسلوبه.
استراتيجية جديدة
ويؤكد الكاتب والمحلل السياسي مصطفى الصواف أن كتائب القسام باتت تتبع استراتيجية جديدة في التعامل مع العدو "الإسرائيلي"، وهي الرد على أي عملية إرهابية "اسرائيلية" فور وقوعها، وعدم تأجيل الرد، كوسيلة للدفاع عن الشعب الفلسطيني.
ويقول الصواف: "من حق المقاومة الفلسطينية الرد على جرائم الاحتلال، وعلى العدو أن يفهم أن الأيام المقبلة لن تكون كالماضية والرد سيكون على حجم العدوان".
ويتوقع المحلل السياسي ألا تبادر المقاومة في شن هجوم على الاحتلال، بل سيكون دورها مقتصراً في الرد على جرائم العدو.
ويفرق مراقبون بين دخول القسام المعركة عن دخول فصائل أخرى، فيقول (براء ريان) نجل الشهيد العالم د. نزار –أبرز قادة حماس والقسام بشمال غزة- "إنّ دخول كتائب القسّام على خطّ المواجهة يختلفُ عن دخول أيّ من فصائل المقاومة.. إنّ الفرق بين أن تقصف كتائبُ القسّام أو يقصف غيرُها كالفرق بين أن تُستهدف عسقلان أو تُستهدف تل أبيب!".
ويقول آخر رداً على من يتهم كتائب القسام بأنها تقف موقف المتفرج في كل عدوان إسرائيلي: "حماس متهمة من المزاودين سواء ردت أم لم ترد... والحقيقة أن القسام همه الفعل وليس الصيت".
اسرائيل أساءت الفهم
بدوره يرى المختص في الشئون الاسرائيلية د. عدنان أبو عامر أن التصعيد "الإسرائيلي" جاء بصورة مبادرة ومدروسة من قبل، مبينا أن حركة حماس تعلمت من الدروس السابقة حينما التزمت الصمت.
ويقول أبو عامر: "حكومة اسرائيل فهمت رسالة حماس –التزام الصمت- خطأ، وهو ما جرًّأ الجيش على مزيد من العمليات ضد المقاومة والشعب الفلسطيني بغزة".
ويشير المتابع للشئون الإسرائيلية إلى أنه كان لابد من رد قسامي على جرائم الاحتلال، للفت أنظار أصحاب القرار "الإسرائيلي" وتنبيهه أنه (ليس كل مرة بتسلم الجرة)، وأن حالة الصمت القسامية الماضية ما كانت سوى رسالة أسأتم فهمها.
ولكتائب القسام في "حرب الفرقان" تجربة خاصة خاضتها مع (إسرائيل)، تمكنت خلالها من توجيه ضربات قاسية للعدو خلال المواجهة التي استمرت لمدة 22 يوماً، من بينها قتل 80 جندياً صهيونياً.
وقال "أبو عبيدة" الناطق باسم الكتائب في مؤتمر صحفي عقده من قلب مدينة غزة، وقت الحرب: "رصدنا خلال المعركة وبكل دقة عمليات قتل 49 جندياً صهيونياً بشكل مباشر وجرح المئات، ناهيك عن تلك العمليات التي لم يتم فيها مشاهدة عمليات القتل المباشر كقصف بالهاون وقنص الجنود واستهداف الدبابات، بالتالي فإن تقديراتنا تؤكد أن عدد القتلى الصهاينة لا يقل عن 80 جندياً في أرض المعركة"، متحدياً الجيش الصهيوني أن يُعلن عن خسائره الحقيقية في هذه المعركة.
وقد ارتفعت وتيرة الاعتداءات "الإسرائيلية" ضد أهالي غزة في الشهر الأخير بشكل ملحوظ، من حيث استهداف مواقع مدنية ومصانع ومنازل للمواطنين، مما أوقع الكثير من الإصابات، والتي لم يكن آخرها الليلة الماضية.
وتوعدت كتائب القسام الاحتلال "الإسرائيلي" بالرد على أي جريمة يقوم بها بحق أبناء الشعب الفلسطيني.
سيرة "القسام"
وفي لمحة خاطفة على كتائب الشهيد عز الدين القسام، فهي جناح عسكري لحركة حماس، ورغم حداثة نشأتها التي تعود إلى أواخر ثمانينيات القرن الماضي، يجمع المراقبون الغربيون والعسكريون الإسرائيليون على أن كتائب القسام أقرب إلى الجيش المنظم منها إلى المليشيا المسلحة بما تمتلكه من قدرة قتالية عالية وخبرات علمية في مجال تطوير الأسلحة وتصنيعها.
وصلاح شحادة هو المؤسس لأول جهاز عسكري لحماس عرف باسم (المجاهدون الفلسطينيون) ثم صار يحمل اسم (كتائب عز الدين القسام) في أواسط العام 1991.
وقد تولى شحادة قيادة هذا الجهاز إلى أن اغتالته (إسرائيل) في 23 يوليو/تموز 2002 بقصف جوي لحي الدرج في قطاع غزة.
ومن أبرز قادة الكتائب محمد الضيف وأحمد الجعبري، اللذان وضعتهما (إسرائيل) على قائمة المطلوب تصفيتهم من قيادات حركة حماس.
ولا يوجد رقم محدد لعدد عناصر القسام، لكن بعض المصادر تقدر عددهم ببضعة آلاف يتركز أغلبهم في قطاع غزة.
وقد نفذت كتائب القسام عديد العمليات ضد الاحتلال، تم في إحداها أسر الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط بعد مهاجمة موقع للجيش الإسرائيلي قرب حدود قطاع غزة.
ونجحت "القسام" في إرغام (إسرائيل) على توقيع صفقة تبادل، خرج بموجبها 1027 أسيراً فلسطينياً.