الواقع المصري في ظل هيمنة وانقلاب العسكر بات بالغ الصعوبة والتعقيد.
ماذا عسى الرئيس القادم "مرسي" -إن تم إعلانه رئيسا ولم يتم الانقلاب عليه أيضا- أن يفعل في ظل صلاحيات محدودة وقيود واسعة ومرجعية عسكرية قادرة على قلب الطاولة في وجهه في أية لحظة؟!
المعادلة المصرية اليوم شديدة الحساسية والتعقيد، والتحوّل الديمقراطي في مصر انقلب إلى حكم عسكري صارخ، والوضع المصري ككل يؤول تباعا إلى المجهول.
لا ينبغي للإخوان اليوم أن يسلكوا سبيل المواجهة المفتوحة مع عسكر مصر، فهذه المواجهة تستبطن تبعات وتداعيات لا يقوى الإخوان على تحمل خسائرها في مواجهة الجيش الذي يُحكم قبضته على كل مفاصل القرار والقوة في النظام المصري.
يحتاج الإخوان اليوم إلى العمل على ثلاث مسارات متوازية في مواجهة طغيان العسكر في إطار خطة وطنية لإعادة تصحيح الأوضاع المختلة أو تقليل الخسائر إلى حدها الأدنى على أقل تقدير.
المسار الأول يقضي بإعادة صناعة الثورة من جديد، والشروع في جولات منازلة ثورية سلمية ضد العسكر.
مسألة إعادة استنهاض الهمم الثورية ليست سهلة في ظل الإنهاك الذي أصاب الشعب المصري طيلة الأشهر الثمانية عشر الماضية التي تلت سقوط مبارك، وفي ظل التشتت والانقسام الذي ضرب أطنابه في قرار وموقف قوى الثورة، وتجلى أوضح ما يكون في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية.
أمام الإخوان اليوم مهمة عاجلة وملحة للغاية لإعادة بناء ما تصدع من الثورة، والعمل على ترميم بناها ومواقفها، وجمع كلمة وشتات قواها وأحزابها وتياراتها، وصهرها جميعا في بوتقة الدفاع عن الثورة ومكتسباتها، ومنع الانقلاب عليها، ومواجهة حرف مسار التحول الديمقراطي نحو حكم عسكري بثوب دستوري مرقّع.
الثورة المصرية يجب أن تستعيد زخمها وألقها من جديد، وأن تعطي إشارة الانطلاق للفصل الثاني منها، وأن تحافظ على سلميتها وعنفوانها الشعبي بعيدا عن أي انزلاق إلى العنف، وإلا فإن حكم العسكر سيصبح حكما جبريا قهريا يُفصّل الحياة السياسية المصرية على مقاساته الخاصة.
حين تلتقي قوى الثورة على قلب رجل واحد في إطار شراكة كاملة ووحدة حال ومصير للدفاع عن الثورة وتحقيق أهدافها، وتدير جماعيا المعركة السلمية في مواجهة العسكر بحكمة واقتدار، فإن جهدها سوف يؤتي أكله عن قريب، ولن يصمد العسكر في وجه وحدتها زمنا طويلا.
أما المسار الثاني فيستدعي قيام الإخوان بإعادة صياغة الخطاب الداخلي الموجه للشعب المصري بما يبدد المخاوف وينزع الهواجس ويزيل التشوّه والالتباس عن صورة الإخوان ومواقفهم في نفوس العديد من شرائح المجتمع، وخصوصا أولئك الذين أعطوا أصواتهم لشفيق ليس كرها في الثورة وإنما خوفا من "بعبع" الإخوان.
الإخوان مقصرون تماما في بسط جسور التواصل الاجتماعي مع العديد من الفئات والشرائح المجتمعية، وينبغي عليهم اليوم نسج علاقات حيوية مع مختلف القطاعات المصرية، وتوظيف وسائل الإعلام توظيفا فاعلا في هذا الاتجاه بهدف طمأنة المصريين ككل وإعادة تحشيدهم لصالح الثورة ومعركتها القادمة.
ويتركز المسار الأخير على الرئيس المنتخب "مرسي" حال إعلانه رئيسا، لجهة رسم خطة وطنية شاملة ذات أولويات واضحة للخروج من الأزمة المصرية الداخلية.
وقبل أن نتحدث عن خطة مرسي لمعالجة الملفات الكبرى يجب أن نتحدث عن فريق عمل رئاسي من المهنيين الأكفاء، يُحسن العمل والإنتاج ويُقلع عن المناكفة والصدام، ويعمل على بناء الأسس والقواعد الكفيلة بإعادة صياغة النظام السياسي المصري على أسس دستورية سليمة.
مهمة مرسي ثقيلة، وهو يحاول اجتراح المعجزة خلال مرحلة رئاسته التي يحاول البعض أن يجعلها انتقالية محدودة بحكم نصوص الدستور القادم، لذا فإن عليه أن يبدأ بالمتوافق عليه ويبني على القواسم المشتركة، ويتحسس مواضع أقدامه جيدا بين الحين والآخر، ويعيد تقييم أدائه وتجربته باستمرار، ويستخدم لكل موقف أداته الخاصة، ويعطي المرونة والصدام ما يستحقان من الدراسة المتأنية في ظل حساب كامل للنتائج والتداعيات.
سيناريوهات الوضع المصري القادم لا زالت تحفها الغموض والخوف من المستقبل القادم، لكن الثورة يجب أن تُظللها جميعا ضمانا لربيع مصري مشرق بعيدا عن حكم العسكر وجبروت الاستبداد.