نظر الحكم الإيطالي بييرلويجي باريتو في ساعته، مرت خمس دقائق فقط من عمر الشوط الإضافي الأول، وصلت الكرة أقدام أوليفر بيرهوف على حدود منطقة الجزاء، كان مهاجم أودينيزي جالسا على مقاعد البدلاء في بداية المباراة وفور نزوله سجل هدف التعادل لبلاده.
استدار بيرهوف، الذي تكمن خطورته في ألعاب الهواء بشكل أساسي، وسدد الكرة، اصطدمت بقدم مدافع التشيك وخادعت الحارس بيتر كوبا وسكنت الشباك.
30 حزيران/يونيو 1996، تاريخ تحفظه الجماهير الألمانية جيدا، هو آخر عهد الناسيونال مانشافت بالألقاب حين تمكن يورغين كلينسمان وأوليفر بيرهوف وماثياس سامر وغيرهم من الفوز بلقب كأس الأمم الأوروبية على حساب جمهورية التشيك على ستاد ويمبلي بالعاصمة الإنكليزية لندن تحت قيادة بيرتي فوغتس.
بعد 16 عاما، انتظرت خلالها الجماهير الألمانية تحقيق أي لقب بفارغ الصبر، جاءت كتيبة المدرب يواكيم لوف لتنعش الآمال في ارتقاء منصات التتويج بعدما طرقت أبواب البطولة بقوة في نسختها الماضية وكانت على بعد أمتار قليلة من اللقب الذي ذهب لمصلحة إسبانيا بهدف النينيو فيرناندو توريس.
دخلت ألمانيا، كأس الأمم الأوروبية، كمرشح أول للفوز باللقب رفقة المنتخب الإسباني البطل، وأكدت على ذلك خلال مباريات الدور الأول، فرغم وقوعها في "مجموعة الموت" كما أطلق عليها مع البرتغال والدنمارك وهولندا، إلا أنها عبرت بسهولة إلى الدور ربع النهائي بعدما حققت ثلاثة انتصارات حصدت بها تسع نقاط، وكانت ألمانيا الوحيدة التي حققت العلامة الكاملة في مرحلة المجموعات.
في ربع النهائي، خاض أصغر منتخبات البطولة، مواجهة سهلة أمام اليونان الذي تأهل بشكل مفاجئ من المجموعة الأولى، ورغم تفوق الألمان منذ بداية المباراة، إلا أن حالة ارتباك سادت صفوفهم حين تأخر تسجيل الهدف الأول الذي جاء في الدقيقة 39 عبر القائد فيليب لام، وتضاعفت تلك الحالة حين أدرك العملاق ساماراس التعادل لليونان في الدقائق الأولى من الشوط الثاني، قبل أن تعاود ماكينات الألمان عملها وتسجل ثلاثة أهداف متتالية في الدقائق 61 و68 و74 عن طريق سامي خضيرة وميروسلاف كلوزة وماركو ريوس.
إيطاليا، كانت العقبة التالية للألمان، فبعدما عبرت ألمانيا اليونان، وتغلبت إيطاليا بصعوبة على إنجلترا بركلات الترجيح، اصطدم المانشافت بالأتزوري في نصف النهائي، كانت التوقعات، أغلبها، يصب في صالح ألمانيا لكّن المباراة سارت في الاتجاه الآخر.
تفوقت إيطاليا، ونجحت في هز شباك مانويل نوير بهدفين سجلهما المشاغب ماريو بالوتيللي مبكرًا في الدقيقتين 20 و36، وظهرت ألمانيا، المرشحة للفوز باللقب، مفككة، وتباعدت خطوطها، وعجزت تغييرات لوف عن إعادة الماكينات للعمل إلا على فترات وباجتهادات قادها في أغلب الأوقات خضيرة وريوس.
استمر هذا الحال، حتى نهاية المباراة، ورغم أن هدف مسعود أوزيل في الدقيقة الثانية من الوقت بدل الضائع منح الألمان أملاً في التعادل إلا أنه تبدد حين أطلق الفرنسي ستيفين لانوس صافرة النهاية.
ودعت ألمانيا "يورو 2012" من المحطة قبل الأخيرة، تعطلت ماكيناتها دقائق معدودة في مباراتيها الأخيرتين أمام اليونان وإيطاليا، وعجز لوف عن إيجاد حلول لتلك الأعطال رغم امتلاكه أوراق كثيرة على مقاعد البدلاء.
الآن، وقبل البدء في التصفيات المؤهلة لكأس العالم المقبلة 2014، يتعين على المدير الفني للمانشافت البحث عن مفاتيح جديدة تضمن استمرار عمل الماكينات طوال المباريات، عليه أن يعرف أسباب هذا الخلل الطارئ والمتكرر الذي تسبب في الحرمان من التتويج باللقب بعد 16 عامًا من الغياب كانت ألمانيا قريبة فيها من الصعود للمنصة في مونديال 2002 حين بلغت النهائي أمام البرازيل ثم خسرت، وفي 2006 و2010 حين بلغت نصف النهائي وتعثرت أمام إيطاليا وإسبانيا، وكذلك في النسختين الأخيرتين من اليورو
1 – التوتر السريع
أزمة كبرى يعاني منها المنتخب الألماني حين تهتز شباكه بهدف أو يتأخر في هز الشباك أمام الفرق الصغرى، ينتاب اللاعبين قلق واضح، أكد عليه القائد فيليب لام، عقب مباراة اليونان، ويفقد بعض اللاعبين تركيزهم وتكثر التمريرات الخاطئة.
وتبدو تلك الأزمة منطقية، بسبب قلة خبرة لاعبي ألمانيا، أصحاب أصغر متوسط أعمار في البطولة، وتتطلب من لوف إيجاد حلول "نفسية" قبل أن تكون "فنية" حتى يعبر لاعبوه تلك المرحلة بنجاحٍ دون أن تهتز ثقتهم بأنفسهم.
2- قلبا الدفاع
دون شك، وبعيدا عن الخطأ الساذج الذي ارتكبه أمام إيطاليا، يعد ماتس هوميلس قلب دفاع بوروسيا دورتموند والمنتخب الألماني من أبرز لاعبي الدفاع في كأس الأمم الأوروبية، قدم مستوى متميز خلال البطولة، هو ورفيقه بادشتوبر لاعب بايرن ميونيخ، لكنّ درجة تفاهم الثنائي ليست كبيرة، فكل منهما، يقدم على حدة أداء متميز لكن تواجدهما جنبا إلى جنبٍ يخلق أحيانا ثغرة ينفذ منها مهاجمون إلى مرمى مانويل نوير.
3- أين بواتينغ؟
مع بايرن ميونيخ يتألق جيروم بواتينغ في مركز قلب الدفاع، ومع المنتخب يلعب على الجانب الأيمن، ورغم نجاحه في إيقاف خطورة البرتغالي كرستيانو رونالدو في مباراة البرتغال خلال الجولة الأولى إلا أن المردود الهجومي لبواتينغ لم يكن، في مجمل المباريات، جيدا.
ولن يجد لوف أزمة في إبعاد بواتينغ عن مركز الظهير الأيمن في ظل تواجد لارس بيدنر لاعب باير ليفركوسن، كما أن إعادة بواتينغ، الغاني الأصل، إلى قلب الدفاع ستدعم هذا المركز.
4- أوراق جديدة
امتلك لوف، وفرة هائلة في الأوراق الهجومية، تجعله بإمكانه التغيير كيفما شاء لكنّ المدرب، الذي تتناثر عنه أنباء تشير إلى ميوله المثلية، لم يستفد بها بالصورة المنتظرة مثل ماركو ريوس, وماريو غوتزه, وتوني كروس, وأندري شورلى، أربعة أوراق هجومية شابة، أمسكها لوف بين يديه ولم يفلح في توظيفها، ولم يمنحها الوقت الكافي في ظل اعتماده بصورة أساسية على غوميز, ومولر, وبودولسكي, وأوزيل في الجانب الهجومي والأخير فقط هو الجدير المشاركة أساسيا في كل المباريات.
5- تراجع بودولسكي
يمتلك بودولسكي خبرة كبيرة، فهو ثاني أكثر لاعبي الجيل الحالي مشاركة مع المانشافت برصيد 101 مباراة خلف ميروسلاف كلوزه صاحب الـ 121 مباراة، لكن مردوده تراجع منذ انتهاء منافسات كأس العالم الماضية بصورة واضحة، وأصبح عبءً على الماكينات في كثير من المباريات.
وخلال اليورو، لم يقدم اللاعب الأعسر المنتقل حديثا للمدفعجية أداءً إيجابيا، وربما، يحتاج لوف إلى إعادة النظر في إشراك بودولسكي في التشكيل الأساسي خاصة في وجود أوراق أكثر نشاطا مثل ريوس وشورلي.
6- مهاجم جديد
ماريو غوميز وميروسلاف كلوزة، رأسا حربة المنتخب الألماني، الأول، يمتلك قدرة كبيرة على هز الشباك متى أتيحت له الفرص، لكنه خاصة في المباريات الكبرى أمام الدفاعات القوية مثل إيطاليا، يختفي تماما، وتساهم قلة تحركاته في ابتعاده تماما عن المشهد الهجومي للمانشافت في تلك المواجهات، أما كلوزة المخضرم، فيمتلك مجهودا كبيرا، وتحركاته أكثر إيجابية من غوميز لكنه وهو على مشارف الـ 34 عاما لا يمتلك قدرة بدنية على المشاركة أساسيا في كل المواجهات، كما أن مردوده تراجع خلال الموسمين الأخيرين.
وتحتاج ألمانيا، بصورة عاجلة، مهاجما آخر، تتناسق طريقة لعبه مع طريقة المانشافت، وإذا لم يتمكن لوف من إيجاد بديل مناسب لهما فبإمكانه الدفع بمولر أو شورلي في خط الهجوم.
7- طريقة اللعب
يعتمد لوف طريقة "4-2-3-1" ورغم تحقيق المانشافت نتائج إيجابية للغاية بها إلا أن تكرارها وبنفس الوجوه يجعل السيطرة على مفاتيح لعب ألمانيا أمرًا سهلا على المنافسين، خاصة مع تكرار الأدوار الممنوحة للاعبي ألمانيا في كثير من المباريات.