«هما المال والحكم معاهم... واحنا فقرا ومحكومين».. هكذا يتغنى فقراء مصر هذه الأيام مع أول رئيس إسلامي لهم بعد ثورة 25 يناير، فالشارع المصري لا يتوقع أن مستقبله سيتغير كثيرا وسريعا عن ماضيه مع الرئيس المصري الجديد.
وربما تكون تلك الحالة المسيطرة على فقراء مصر وسكان مناطقها الشعبية والعشوائية تأتي نتيجةً لتراكمات كبيرة أسس لها النظام القديم؛ فعلى مدار 30 عاما حكم فيها الرئيس المخلوع حسني مبارك الذي يراه شفيق مثله الأعلى عانى الفقراء كثيرا، وهجّروا من مساكنهم وتعامل معهم النظام باعتبارهم عبئا عليه لا حاجة له، بل إنه كان يتعامل طوال الوقت معهم بمنطق أحمد فؤاد نجم في قصيدة البوتيكات: «أنا رأيي نحلها رباني ونموِّت كل الجعانين».
وبناء على ذلك لم يكن غالبية سكان تلك المناطق أثناء المعركة الانتخابية السابقة بين شفيق ومرسي يرون أن حالهم ستتغير كثيرا عما قبل الثورة، فهم لم يكونوا من أنصار شفيق رغم ما سوّق له الأخير ببرنامجه الاقتصادي من أنه سيعمل على إبقاء الدعم على الوقود، والخبز، وصرف إعانات للمتعطلين ومد التأمين الصحي لكل القطاعات، ومضاعفة ميزانية وزارة الصحة، وتحديد حد أدنى للأجور.
كما إنه لم تقنعهم تعهدات شفيق بإنشاء مدن سكنية جديدة ونقل الفقراء إليها، والتوسع في إنشاء محطات لتحلية مياه الشرب وتنقيتها، وإسقاط الديون عن صغار المزارعين.. الخلاصة أن الفقراء لم يصدقوا تلك الوعود لأنهم في الحقيقة سمعوها كثيرا من "مثل شفيق الأعلى" حسني مبارك.
وهم -الفقراء- يدركون أيضا أن محمد مرسي يواجه عقبات سياسية أكبر من تلك الاقتصادية بما يمكن أن يحجبه عنهم لفترة ليست بالقصيرة من عمر ولايته الرئاسية (4 سنوات).
ولكن ما يريده الفقراء -أو «الغلابة» كما يطلق عليهم بالعامية المصرية- هو الاعتراف بأن لهم حقوقا أبعد من تلك الهبات والصدقات التي توزع دوريا أو في المواسم.
والمعلوم أن جماعة الإخوان توزع في المناطق الشعبية المواد التموينية طوال العام منذ عدة سنوات.
وبعد تنصيب مرسي رئيسا وأدائه اليمين الدستورية وبدء استلام صلاحياته شيئا فشيئا بات السؤال اليوم: كيف ينظر الفقراء إلى رئيسهم؟.
عدد كبير من أهالي المناطق الشعبية والعشوائية تأثروا كثيرا بالدعاية المضادة التي مارسها المجلس العسكري في الفترة الأخيرة الهادفة إلى تشويه صورة جماعة الإخوان، فتجد عددا من سكان تلك المناطق يؤكدون أن الإخوان ستدخل في حرب مع الكيان الصهيوني، وستجبر النساء على الحجاب والنقاب.
ويؤكد فريق آخر من سكان تلك المناطق أن رجال الإخوان سيقطعون يد السارق، وينحرون المتهم بالقتل، ويجلدون من يترك الصلاة.. تلك وغيرها مخاوف تشير إلى أن غالبية من يقيمون في تلك المناطق استجابوا إلى تلك الدعاية المضادة، ولاسيما أن معظمهم يتابع برنامج «مصر اليوم» للإعلامي توفيق عكاشة الذي قاد حملة تشويه الجماعة وتحسين صورة المجلس العسكري والفريق أحمد شفيق في فترة الانتخابات.
كأنه واحد منهم
ومع ذلك يرى جزء من سكان المناطق الشعبية أن على الرئيس الجديد مهام كثيرة، ومنهم محمد إبراهيم -شاب في منطقة الدويقة الشعبية شرق القاهرة- الذي قال إن الرئيس المقبل يجب أن ينظر إلى الفقراء «وكأنه واحد منهم»، وأن لهم حقوق مهدورة.. «لا أن ينظر إليهم بعطف»، كما يصف.
ويضيف إبراهيم: «كنا نريد رئيسا فقيرا، ولكن الانتخابات عامةً تحتاج إلى أموال كثيرة للدعاية وتمويل الحملات».
حسن ندا -شاب من الدويقة- يرى من جهته أنه لا بد من أن يوفر الرئيس الجديد «سكنا مناسبا ووظيفة محترمة لكل شاب».
وأضاف: «نفسي أنام من غير ما أخاف من العقارب والثعابين»، ولاسيما أن منطقة الدويقة تعاني من انتشار كبير للحشرات الزاحفة في وقت يسكن فيه أغلب سكان المنطقة مساكن غير ملائمة أغلبها من الخشب والصفيح.
أما ناصر عبد الستار -من منطقة السيدة زينب- فاعتبر أنه يجب «على الرئيس الجديد أن يوفر وظائف للشباب، ويقضي على البطالة».
ويتابع قوله: «لو عمل كده هتكون مصر أفضل دولة في الدنيا»، قبل أن يكمل: «الشباب غلابة ومحتاجين وظائف عشان يعرفو يوفرو سكن ويعيشو حياتهم الطبيعية».
هكذا تبدو مطالب الفقراء في مصر بسيطة، ولكنها تحتاج إلى إرادة قوية وإدارة تنظر لهم لتبقى قصيدة نجم «احنا مين» هي عنوان المرحلة المقبلة: «لمّا الشعب يقوم وينادي.. يا احنا يا هم في الدنيا دي.. حزر فزر شغل مخك.. شوف مين فينا حيغلب مين».
نقلا عن الاخبار اللبنانية