حرب باردة تدور رحاها منذ خمس سنوات بين حركة فتح وسلام فياض على حكم الضفة الغربية المعقل الاخير للطرفين, فيحاول كل منهما فرض نفوذه وسيطرته على مؤسسات السلطة.
المراقبون ذكروا ان كل المؤشرات تتجه نحو حسم المعركة لمصلحة فياض, الذي يبدو انه سيكون رئيس الوزراء لحكومة فتح الى ان يشاء الله.
تصاعدت الخلافات بين فتح وفياض حتى جاهر بها العديد من قيادات الحركة واعلنوا رفضهم لاستمرار فياض بقيادة حكومة الضفة وسيطرته على كل مراكز القوة والمال فيها.
وقد بلغت الخلافات ذروتها حين رفض فياض حمل رسالة عباس الى نتنياهو في الـ"17" من نيسان الماضي، وهو ما أثار حفيظة فتح التي طالبت بإقالته ومحاسبته, في حين الجناح الفتحاوي في غزة يعاني العزل والتهميش من قيادته ذاتها.
المال والقرار
"من يملك السلطة والمال يملك القرار".. هذه الحقيقة أدركها الكثير من الكوادر المؤثرة في فتح لذلك ظلت حكومة الضفة ورئاستها مدار صراع بين فياض وفتح خلال السنوات الماضية التي خرجت فيها الخلافات الى العلن، من خلال المطالبة المستمرة بتولي شخصية فتحاوية منصب رئاسة الوزراء في الضفة، في حين مازال فياض يشغل هذا المنصب منذ العام 2007.
وظهرت قوة الورقة المالية خلال الأزمة التي هدد فيها الاتحاد الأوروبي بقطع التمويل في حال المساس بفياض وصلاحياته في رئاسة الوزراء، لكن التسريبات الإعلامية من بعض المصادر المحسوبة على حركة فتح كشفت عن قبول فياض التنازل عن وزارة المالية مقابل بقائه في رئاسة الوزراء.
وقد عين د. نبيل قسيس وزيرا للمالية, وهي المرة الاولى منذ العام 2003 التي يشغل فيها منصب وزير المالية شخصية غير فياض والذي تم تعيينه في حكومة محمود عباس الأولى التي شكلت برئاسته وبضغط من الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية للحد من صلاحيات الرئيس الفلسطيني الراحل "ياسر عرفات" في حينه.
وفي هذا السياق أكد المحلل السياسي مؤمن بسيسو على ان حركة فتح أغلقت خياراتها الوطنية على خيار التسوية والمفاوضات، وأطلقت العنان لنهج البناء الإداري والمؤسسي الذي يتبناه فياض، فضلا عن نهج التعاون الأمني واستئصال المقاومة، موضحاً بانها لم تحاول مواجهة فشل مشروعها باستدراكات صحيحة وإعادة تقييم موضوعية للخيارات المطروحة، ولم تجد سوى التلويح بالمقاومة الشعبية السلمية في وجه (إسرائيل) والإدارة الأميركية والعالم الخارجي كأداة ضاغطة، دون أن يكون لها من تهديدها أي نصيب.
واعتبر بأن الضفة تعيش تحت ما يسمى بــ “مشروع فياض” الذي يمضي برغم كل الانتكاسات التي طالته بعيدا عن الرؤية والمحددات الوطنية والتحررية، في حين تعيش غزة وضعا اقتصاديا خانقا, مشيرا ان فتح تعيش حصارا “فياضيا” غير مسبوق ينذر بتلاشي دورها ونفوذها خلال المرحلة المقبلة.
بدوره أكد الكاتب والمحلل السياسي مصطفى الصواف أن حكومة فياض هي واحدة من أدوات الهيمنة على مقاليد الحكم في الضفة الغربية من قبل عباس وهي الطعم الذي يمكنه من تشكيل ولاءات داخل حركة فتح من خلال منح بعض القيادات مناصب وزارية يمكن من خلالها تحقيق بعض المصالح الشخصية لهذه القيادات لضمان الولاء له.
وقال بسيسو "فياض يعتبر الرجل الأقوى في الضفة بلا منازع، وعباس لا يملك سلطة النفوذ والقرار التي يمتلكها رئيس وزرائه هناك، وقد بدأ يستشعر خطورة زحف فياض وهيمنته على مقدرات الكيان السلطوي واستقطابه الكثير من كوادر وقيادات فتح عبر منظومة الإغراءات والتسهيلات والامتيازات".
وتابع " فياض بلغ مبلغا خطيرا حين طرح مشروعا سياسيا خاصا بعيدا عن عباس، وعمل -ولا يزال- على ترويجه داخليا وخارجيا، ولا ينفك يشارك في أبسط الفعاليات المؤسسية والأنشطة الجماهيرية بغية تحشيد حالة دعم وتأييد فلسطينية واسعة تسمح برفعه وتصديره في أي انتخابات قادمة", مضيفاً أن المصالحة وحدها قادرة على تحجيم دور ونفوذ فياض، وإخراجه تدريجيا من حلبة اللعبة, وإعادة فتح إلى مواقع قوتها التقليدية في الضفة التي صادرها فياض.
من ناحيته بين الصواف ان عباس لجأ للتعديل الوزاري في حكومة الضفة مؤخراً لفك الاشتباك بين فتح وفياض وحكومته ولرشوة بعض قادة التيارات داخل فتح وإرضائهم من أجل وقف حالة التمرد التي تشهدها أروقة الحركة ضد فياض الذي يعمل على تهميش فتح ويساعده في ذلك عباس ليس حبا في فياض بقدر ما هو انتقام من حركته التي باتت أكثر كرها كتنظيم لرئيسها وسياسته.
غزة خارج اللعبة
ويرى المراقبون ان حركة فتح استفاقت لتجد ان فياض سحب البساط من تحت ارجل قادتها في الضفة, وأن انقلابا أبيضا اطاح بهم في الضفة معتبرين بان الاخير الذي يحظى بالدعم الخارجي قد استطاع ان يسجل لنفسه حضورا قويا في المؤسسة الدولية وبشكل أقل على الصعيد الشعبي، واستفاد مما جرى بين حماس فتح مستغلا امكانات فتح على الارض وتمكن من تجييرها لنفسه من خلال سيطرته على سلطتي المال والأمن.
ولذلك كانت فتح ومازالت تطالب بإلحاح بتغيير فياض وهو الأمر الذي يرفضه عباس لأنه أكثر من يعرف اهمية وجوده عند جميع الاطراف وبالتالي اهميته القصوى لفتح والسلطة على حد سواء وعواقب التفكير بتغييره.
أما فتح غزة فلها قصة أخرى, حيث يجمع المراقبون على ان الحركة في القطاع تشهد حملة منظمة من التهميش والاقصاء المتعمد من قبل فتح الضفة التي تحملها مسئولية خسارة غزة وسقوطها في يد حركة حماس.
وقد تمثلت هذه الحملة في فصل عدد ليس بالقليل من القيادات الغزاوية من حركة فتح وعلى رأسهم محمد دحلان القيادي البارز في الحركة والذي كان الرجل الاقوى حتى تاريخ 14 يونيو 2007 , لتاتي بعدها موجة من قرارات الفصل التي طالت معظم المقربين منه ومن بينهم سمير المشهراوي, ثم تلاها تعيين قيادة جديدة للحركة في غزة وهي التي لم تصمد كثيراً وشهدت غزة موجة استقالات جماعية.
وقد اختلفت الكوادر الفتحاوية الغزاوية في تشخيص الخلاف، ففي الوقت الذي يرى فيه البعض أن موجة التغييرات هدفها الإطاحة بما اصطلح على تسميته ’تيار دحلان’، يرى آخرون من الهيئة القيادية العليا أن الهدف من إجراء التغييرات هو إضفاء قوة على الهيئات القيادية التي تشهد بعض الترهل.
ويدافع أصحاب الرأي الثاني الذين يتمتعون بنفوذ قوي في الحركة عن رأيهم بالتأكيد على أن المرحلة القادمة التي من المحتمل ان تشهد انتخابات برلمانية ورئاسية تحتاج خاصة في غزة أطر قيادية أكثر تماسكاُ وقوة، لتتمكن من المنافسة والفوز على حركة حماس في أي انتخابات.
ولم تتمكن أقاليم فتح الثمانية في غزة طوال السنوات الماضية من إجراء عملية انتخابات لفرز قياديات جديدة، وبقت القيادات التي انتخبت في مؤتمرات سابقة تمارس عملها ، لكن جرى خلال تلك الفترة تشكيل عدة هيئات لقيادة الحركة عبر التكليف من اللجنة المركزية.