يدخل اليوم رئيس الوزراء الفلسطيني إسماعيل هنية قصر الرئاسة المصرية للقاء رئيس الجمهورية المنتخب د. محمد مرسي، في تحول سياسي كان من الصعب استنباطه في دنيا السياسة العربية.
هذا التحول يدفعنا على غير إرادة لأن نستحضر مشهداً لم يعهده أي رئيس وزراء في العالم، وبالتحديد في عام 2006 عندما اضطر هنية للجلوس على رصيف معبر رفح لمدة تصل إلى 8 ساعات منتظراً التصريح له بالدخول إلى قطاع غزة، بعد أن قطع جولته الدولية لمتابعة التصعيد في الشارع الفلسطيني.
يومها كان الشتاء قد حل، ولم يكن لهنية وقتها من حل سوى أن يجلس في البرد القارص ينتظر إذناً بالعبور من مأمور مصري لا يرقى لرتبة ضابط.
التحف هنية إزاره وجلس ضاماً يديه إلى صدره على رصيف اسمنتي امتص برودة الأرض، ومن حوله صامتون لا حول لهم ولا قوة، وكأنهم يواسون الرجل المحاصر في شرعيته.
"عبدو: لقاء مرسي هنية سيجلب الخير لغزة
"
مرت سنون عجاف، وأتى زمان الربيع العربي الذي استبدل وجوهاً حاكمة ظالمة بأخرى تأمل شعوبها أن تكون على عدل عمر بن الخطاب وورع أبي بكر الصديق.
رحل مبارك ولم يرحل هنية، وأجلس المرض الأول على سرير طبي في سجن مصري ذليلاً لا كرامة له ولا عزة، بعدما خلعه شعبه وأرجعه إلى أرذل العمر.
واليوم يفتح قصر الرئاسة المصرية أبوابه لرئيس الوزراء الفلسطيني إسماعيل هنية، للقاء أول رئيس مصري منتخب بإرادة الشعب، بعد أن ضُربت له التحية في معبر رفح أثناء عبوره من ضباط مصريين أحرار.
زيارة هنية لقصر الجمهورية سبقها قرار رئاسي مصري بتخفيف إجراءات دخول الفلسطينيين لمصر عبر معبر رفح بإعفائهم من شرط الحصول على تأشيرات دخول أو تصاريح أمنية، ووقف الترحيل.
وعلى ذكر سيرة معبر رفح فإن نظام المخلوع مبارك عمد إلى إغلاق المعبر بشكل كامل فور فوز حماس بالانتخابات التشريعية عام 2006، إلا أن "دوام الحال من المحال" وتغَّير الأمر في عهد الرئيس مرسي بعد حزمة تسهيلات أقرها في سبيل كسر حصار غزة.
اللقاء الأول
ويوم أن كان مبارك رئيساً للجمهورية، كان ينأى بنفسه عن لقاء أي مسؤول فلسطيني، وكان يترك الأمر لرئيس المخابرات المصرية الراحل عمر سليمان، الذي يعتبر قطاع غزة ملفاً أمنياً.
وطالما كانت الفصائل الفلسطينية وحماس على وجه الخصوص تأمل بل وتحلم بالحديث والتشاور مع الرئيس المخلوع فيما يتعلق بالملفات العالقة "حصار غزة والمصالحة".
بيد أن سلسلة التحولات السياسية التي تعصف بالمنطقة آتت كذلك على العلاقات بين مصر وغزة، وأذنت للقيادة الفلسطينية بأن تلتقي الرئيس المصري الذي جاء به الشعب عبر صندوق الاقتراع.
لم يمض شهر على تولي مرسي مهام الرئاسة حتى اجتمع برئيس المكتب السياسي لحماس خالد مشعل، وناقش معه تطورات القضية الفلسطينية، وملف المصالحة الوطنية، وسُبل معالجة العقبات والمشاكل التي تواجه قطاع غزة.
والتقى كذلك رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس وبحث معه أيضاً عملية السلام والمصالحة.
"البسوس: المصالحة صناعة محلية فلسطينية ومصر لن تصنعها
"
ويظل لقاء الرئيس المصري وقادة حماس في القصر الجمهوري هو الأول من نوعه في تاريخ الحركة، ويبدو –وفق ما قرأ محللون سياسيون- تحولاً في تعامل القاهرة بين طرفي العمل السياسي الفلسطيني.
المحلل السياسي حسن عبدو قرأ تحولاً سياسياً كبيراً في العلاقة بين مصر وغزة وحماس على وجه الخصوص.
وقال إن اجتماع مرسي بالقيادة الفلسطينية هو بحد ذاته تطوراً كبيراً ينم عن تحولات إيجابية على المدى القريب، معتبرا إياه بداية لفتح صفحة جديدة في العلاقات.
وأوضح عبدو أن مرسي بلقائه القيادة الفلسطينية ومناقشة الملفات العالقة يبدأ في تحقيق ما وعد به في برنامجه الانتخابي بإنهاء حصار غزة.
وأكد أن الخطوات الحاصلة هذه الأيام تذهب باتجاه انهاء العلاقات المتوترة بين القاهرة من جهة وغزة من جهة أخرى.
ويأمل عبدو أن تقوم مصر بفتح معبر رفح على مدار الساعة وتسمح بسفر جميع الفلسطينيين وتوقف سياسة المنع من السفر التي وضعها نظام مبارك.
ونظيره المحلل السياسي د. هاني البسوس قال –هو الآخر- إن تحولاً سياسياً يطرأ على المنطقة، بدليل لقاء رأس الهرم في القيادة المصرية بقادة الفصائل الفلسطينية وحماس التي يصنفها النظام السابق على أنها "تنظيم ارهابي".
وأكد أن السنوات القليلة المقبلة ستشهد تغيراً واضحاً في ملامح النظام المصري، التي بدورها ستنعكس إيجاباً على القضية الفلسطينية.
وحول ما إن كان لقاء هنية صاحب الشرعية والمحاصر بالرئيس المصري ذو الصلاحيات المنقوصة، ستحدث تغيراً على الملفات الفلسطينية الصعبة كالحصار والمصالحة، أشار المحلل السياسي إلى أن التعامل مع هذه الملفات سيكون بدبلوماسية عالية غير التي كانت في نظام مبارك، مضيفاً: "لا نستطيع أن نقول إن هناك إمكانية لفك الحصار بشكل آني، لكن آمالنا كبيرة بأن الحصار يلتقط أنفاسه الأخيرة".
وتابع: "المسألة ليست بهذه البساطة، فلقاء مرسي عباس كان على أساس أنه رئيس للسلطة الفلسطينية، ولقائه بمشعل كذلك كان على أساس أنه رئيس أكبر حركة فلسطينية".
وشدد على أن المصالحة –كملف مهم- تتوقف على حماس وفتح والداخل الفلسطيني ككل، مستدركاً: "المصالحة صناعة محلية فلسطينية ومصر لن تصنعها".
للغرب رأي
ولم يطب للمتآمرين على الشعب الفلسطيني ومن يساندهم من الغرب، التحول في العلاقة بين مصر وغزة، وكذلك لقاء مرسي برئيس "حكومة المقاومة" اسماعيل هنية.
الصحف البريطانية والأمريكية رأت أن تخفيف إجراءات دخول الفلسطينيين لمصر خطوة في طريق رفع الحصار الكامل على قطاع غزة.
وقالت إن الوضع تغير حالياً مع وصول أول رئيس إسلامي مدني لسدة الحكم لأول مرة منذ 60 عاما، واعتبرت أن حصار غزة يتحطم على يد الرئيس مرسي.
وبالعودة إلى زيارة رئيس الوزراء الفلسطيني، فستضم وفداً رسمياً وزراء ونوابًا عن حركة حماس، وستستمر لأيام عدة، وستشمل عقد سلسلة لقاءات بينها لقاء رئيس الوزراء المكلف هشام قنديل، وقيادات جماعة الإخوان المسلمين وأحزاب مصرية أخرى.
ومن حكم المؤكد –وفق ما نقلت مصادر فلسطينية- فإن هنية سيطلب من مرسي اتخاذ إجراءات لحل أزمتي الكهرباء والوقود في غزة، وسيعرض عليه خططًا لإقامة منطقة تجارية حرة بين القطاع ومصر، ومشاريع اقتصادية أخرى بين الجانبين.