"أنا إنسان عريان بكل ما تحمل الكلمة من معنى ! " بهذه الجملة يلخّص "أبو يحيى" سنوات من المعاناة في بيت لا يصلح للآدميين .
تفوح رائحة نتنة من بيت آيل للسقوط يضم حزمة من الأطفال والمرضى الذي نسيهم العالم فسبحوا في غلاف آخر.
يسكن المواطن "أبو يحيى" وأسرته مكونة من 9 أفراد في منزل لا تتجاوز مساحته 35 متر مربع بمخيم النصيرات.
مشكلته أنه لا يملك منزل صالح للعيش ولا يمارس عملاً وفوق كل ذلك لديه 7 أطفال أكبرهم 14 سنة مريض بالسكري.
وتجاوزت نسبة الفقر في قطاع غزة 30% فيما بلغت البطالة نسبة مقاربة حسب المركز الفلسطيني للإحصاء.
خالي من الحياة
بيته مكون من حجرة وحيدة وحمام ومطبخ بدون أبواب ولا نوافذ ولا أي أجهزة كهربية أو مرافق صحية.
لا يستطيع أي إنسان استخدام حمام البيت نظراً لقذارته وخلوه من باب ونافذة تستر من فيه ما اضطره لتغطيته بخرقة بالية بدلاً من الباب .
في صحن البيت الذي لا تتجاوز مساحته 9 متر مربع قرب موعد الإفطار يرقد موقد الغاز المنزلي دون قدر يفور على النار.
يسند ظهره إلى جدار آيل للسقوط ويقول:"لا يوجد شيء في البيت يصبرنا على الجوع وابني مريض بالسكري من 8 سنوات ويموت أمامي كل يوم!" .
سكن أبو يحيى هذا المنزل قبل 15 سنة وهو ملك له ولشقيقه وأنجب فيه 7 أطفال أكبرهم يحيى 14 سنة مريض بالسكرى وثامنهم في أحشاء زوجته .
تنتشر في فضاء البيت خيوط بلاستيكية تحمل خرقاً ممزقة هي ملابسهم على الأرجح فيما تسيل المياه من أوعية وأواني بالية .
يتابع أبو يحيى:"انظر هل هذا حمام ؟!! هل هذا مطبخ ؟!! لدى حكايات عن معاناة لا تتخيلها! فأنا مريض وأموت كل يوم أنا وأولادي فأقل شيء إكرام الميت دفنه ! " .
يستوطن الفقر عيون أطفاله مقيماً بلا رحيل في منزل قذر آيل لسقوط يخلو من كافة أشكال الحياة .
يطلّ طفله "سنتين" من خلف باب مهترئ عارياً سوى من حفاضة تستر عورته فيتجه أبو يحيى بالحديث إليه قائلا:"هذا ابني عاري لا يملك ملابس!!" .
يمضي ساعات في المشفى كل عدة أيام طلباً لعلاج ابنه المريض بالسكري حيث تتجاوز ثمن حقنة علاج السكري 230 ش -كما يقول
يسبح منزله الضيق في مجرة الفقر خارج الجاذبية البشرية وأمنيته الوحيدة منزل يصلح للسكن يأوي أطفاله وبكره المريض .
تزداد معاناته حين تغيب الكهرباء فيغلي البيت الضيق على من فيه بينما تشتد آلامه وهو يراقب زوجته الموشكة على الوضع .
حالة فريدة
تتشابك أحاديث الرجال والنساء في مقر لجنة الزكاة بمخيم النصيرات , هناك يعرضون هموماً ويشرحون اوجاعاً للفقر .
تقول سمية حمدان الموظفة باللجنة إنها تلقت طلباً للمساعدة من أبو يحيى وقامت بالبحث الميداني لمتابعة حالته .
وتضيف:"لا أحد يستطيع العيش في بيته فهو حجرة صغيرة وحمام وصالة صغيرة لا تصلح للحياة فلا إضاءة ولا تهوية ولا فراش ولا أي شيء!" .
تعتبر معاناة أبو يحيى بأنها فريدة من نوعها لأنه عاطل عن العمل وفقير ومنزله رديء للغاية وفوق كل ذلك ابنه مريض بالسكري .
أما الشيخ يوسف فرحات أحد وجهاء النصيرات ومدير الوعظ والإرشاد بوزارة الأوقاف فيهزّ رأسه متألماً ويقول: لو خيروني بين الحياة مكانه وبين زنزانتي التي عشت بها في السجون الإسرائيلية لاخترت زنزانتي" .
يتحدث متأثّرا:" يا ليتني لم أزر هذا البيت لقد انتابني الألم والحسرة فيكف يعيش أناس في مكان لا يصلح للبشر؟!" .
ويشير أن كل من يرى بيت أبو يحيى يصاب بالصدمة من حالة الضيق الشديد في مساحة لا تتجاوز 35 متر مربع.
ويتابع:"أكثر ما أثّر فيّ هو الضيق الشديد وحياة 9 أفراد في 35 متر مربع وابنه الذي مرض بالسكري من تردي حالته النفسيّة " .
وبإمكان كل من يزور بيت أبو يحيى مشاهدة أبشع أشكال الفقر والمعاناة في مكان قذر لا تتجاوز مساحته 35 متر مربع وبه 7 أطفال أكبرهم مريض بالسكري .