تشهد البحرين والمنطقة ارتفاعاً جنونياً في درجات الحرارة والرطوبة التي تتجاوز أحياناً 50 درجة مئوية، مما يضاعف معاناة الصائمين، فيصبح شرب السوائل من ضروراتِ السفرة الرمضانية.
في الأزمنة السابقة كانوا يكتفون باللبن والتمر، أما الآن فاتسعت المائدة للماء المنقوع بخيوط الزعفران وماء اللقاح (طَلْع النخيل)، وعصير الليمون.
ومع تلاقح الثقافات وتداخلها، صارت عامرة بمشارب كقمر الدين والسحلب والكركديه وغيرها.
وكما الاختلاف دارج وعادة متأصلة على هلال شهر رمضان بين السنة والشيعة، فإنه يمتد ويصل للحظة الإفطار التي تختلف بفارق زمني "عشر دقائق" بين أذان هذه الطائفة أو تلك.
ومع تنامي التدين، يصر كثيرون على أداء الصلاة في المسجد أو حتى في البيت أولاً، ثم الإفطار.
لا يغيب طبقا "الهريس" (القمح باللحمة)، و"الثريد" (مرق اللحم بالخضار والخبز)، عن سفرة الإفطار الخليجيّة، إذ تخبرنا الجدات أنها صحية للمعدة سهلة الهضم ومغذية، عدا إنها مذكورة في سير الأولين، وفي أوقات العسر، تكتفي العائلات بطبق واحد منهما، أما في زمن الترف المعولم، فالسفرة تكتظ بهما وبغيرهما، مما لذ وطاب من المُعد منزلياً من ربات البيوت والشغالات اللاتي تتضاعف مهماتهن، فلا يغادرن المطابخ منذ بواكير الصباح حتى المساء، وحالة الشره للأكل وإعداده تتعاظم مرات ومرات، وثمة إكثار من التهام اللحوم والمقليات والحلويات، وقليل من الخضار والأسماك، ما يعني أن السفرة الرمضانية لا تزال تحتفظ بخصوصيتها ورونقها وإن حدثت مبالغة في إعدادها ومكوناتها.
أما وجبات العولمة السريعة من "شيبس" و"هامبرغر" وخلافه، فتكاد تختفي، وغالباً يُقبل عليها الصائمون من شباب وأطفال أوقات السحور فقط، أثناء ارتيادهم المجمعات التجارية.
حالة المائدة الرمضانية تبرز الفروقات بين مقتدري الحال ومتوسطيه في كمية الأطباق وتنوعها، لا سيما مع موجة التسريح القسري من الأعمال، والبطالة التي يعاني منها المعارضون ممن شاركوا في احتجاجات الانتفاضة.
ولكن قصر ذات اليد عزز الحد من الاستهلاك والشره، كما تنامى التضامن. تبدو البحرين أفضل حالاً من غيرها، إذ قليلاً ما ترتاد العائلات المطاعم للإفطار، فالأخير بالنسبة لهم مناسبة للم الشمل في البيت، والعودة للقاء الأصحاب وتبادل أطباق الطعام المتنوعة بين الأهل والجيران، وهي عادة آخذة في الانحسار في المناطق السكنية الجديدة، خصوصاً عند جيل الشباب، لكنها مستمرة في الأحياء القديمة رغم انتشار العمالة الأجنبية في تلك المناطق.
الثابت، أن السفرة الرمضانية تفتقد المغتربين الذين شردهم البطش والتنكيل أو الدراسة في الخارج، كما أنها تشكل كلفة إضافية مرهقة لميزانية الأسرة التي غالباً ما يتضامن أفرادها لتغطية مصاريفها، إذ يقدر متوسط مصاريف الأسرة المتوسطة الدخل أسبوعياً حوالي 60 ديناراً بحرينياً، في الوقت الذي لا يزال الحد الأدنى للأجور لا يتجاوز الـ300 دينار شهرياً، وسط تذبذب أسعار السلع وارتفاع بعضها بنسب 50 في المئة وحتى 100 في المئة.
ومع ذلك تبقى الأسر البحرينية الفقيرة متعففة في الإفصاح عن حاجتها وعوزها. لكن تعاظم دور الصناديق الخيرية وبعض مؤسسات المجتمع المدني يشي بحجم تلك الحاجة والعوز.
كما تنتشر ظاهرة توزيع "السلات الرمضانية" (وهي مؤونة غذائية) وكوبونات المشتريات، فيما تقام الموائد يومياً في المساجد أو في خيام تنصب لهذا الغرض، بالطبع لا يرتادها البحرينيون إنما الجاليات الأجنبية الآسيوية.
وعند الطائفة الشيعية، تقام تلك الموائد في المساجد باسم "إفطار صائم" ويحضرها جمع متنوع من المستويات الاجتماعيّة للبحرينيين.
إثر الانتفاضة انتشرت بكثافة رسائل الوسائط الاجتماعية ذات المغزى الديني والاحتفالي برمضان، وربطت بالأحداث.
وفي مجموعة حوارية لصديقات عبر "الوتس آب"، تعلق أحداهن: "من مطبخي اللاطائفي أقدم لكن ولهم طبقاً ايطالياً ومحلبية عيش بماي ورد وزعفرن إيراني أصلي، وأكيد راح نتهم أننا خونة وصفويين. ما علينا. فالسر في الطعم، وإفطار مريح وهادي"، كما غدت صور حلوى "الزلابية" البرتقالية والمتداولة رمضانياً دلالة على الصمود والثبات على المبدأ، وهناك من تشتكي الحال بعد هروب شغالتها فتغرد قائلة: هذه أسوأ أيام حياتي!".
يستمر رمضان فارضاً طقوسهن فيستحضرني قولٌ لابن خلدون: "الأمة تأخذ الكثير عن سابقتها، ولا تغفل عن عوائد جيلها"، يبقى رمضان هو رمضان ببعده الروحي وموروثاته، يختلفون حوله كثيراً، لكنهم يتحدون في صيامه وإفطاره ركناً من أركان الإسلام الخمسة.