لماذا تبدي (إسرائيل) كل هذا القلق من أن يشكل وصول مرسي للحكم بداية النهاية لاتفاقية " كامب ديفيد "، ولماذا تحاول (إسرائيل) تجنيد كل القوى العالمية في السر والعلن للضغط على القيادة المصرية لعدم سلوك الدرب الذي يؤدي إلى تلك النتيجة؟
إن الصهاينة يقولون صراحة ودون مواربة أن اتفاقية " كامب ديفيد " تشكل جزءاً من الأمن القومي الصهيوني لأسباب كثيرة، تطرق اليها كاتب هذه السطور في هذه الصحيفة، في أعقاب تفجر ثورات الربيع العربي، لكن مما لا شك فيه أن المحور الذي لم يتم اثراؤه بالشكل المطلوب هو الدور الذي لعبته " كامب ديفيد " في تحسين الأوضاع الاقتصادية للكيان الصهيوني بشكل كبير وحاسم.
فكيف أسهمت " كامب ديفيد " في تحسين إحداث نقلة نوعية للاقتصاد (الإسرائيلي)، وكانت السبب الرئيس في فتح المسار الذي قاد إلى تعاظم الاقتصاد الصهيوني.
تدلل المعطيات الرسمية (الإسرائيلية) على أن توقيع اتفاقية " كامب ديفيد " مع مصر، قد مثل نقطة تحول فارقة نحو تحقيق الكيان الصهيوني طفرة اقتصادية هائلة. فقد مكن تراجع مستوى التهديدات الأمنية على الجبهة الجنوبية صناع القرار في (تل أبيب) من تقليص النفقات الأمنية بشكل كبير، بحيث تم توجيه الموارد التي كانت مخصصة للأمن نحو الاستثمار في مجال البنى التحتية المدنية والتقنيات المتقدمة، وغيرها من المجالات. وإثر هذا الواقع حدث تراجع كبير على حجم الحصة التي تشغلها موازنة الأمن من كل من موازنة الدولة العامة ومن إجمالي الناتج المحلي.
فكأحد استخلاصات حرب عام 1973، ولمنع المزيد من الإخفاقات العسكرية في المستقبل، قررت حكومة غولدا مائير عام 1974، وفي خطوة غير مسبوقة مضاعفة حجم موازنة الأمن تقريباً لتبلغ 47% من الموازنة العامة للدولة و37% من إجمالي الناتج المحلي، وذلك لتغطية حجم النفقات التي تطلبتها عملية إعادة بناء الجيش وفرقه وألويته، لا سيما في الجبهة الجنوبية في أعقاب الحرب. ولإدراك حجم التحول الذي طرأ على مبنى موازنة الأمن في أعقاب هذه الخطوة، فإننا نشير إلى إن موازنة العام 2011 والتي تبلغ 49.4 مليار شيكل (حوالي 12 مليار دولار)، والتي تعتبر أكبر موازنة على الإطلاق في تاريخ (إسرائيل)، تمثل فقط 15.1% من الموازنة العامة للدولة، و6% من إجمال الناتج المحلي، الذي يبلغ 864 مليار شيكل ( حوالي 201 مليار دولار)، وهذه أدنى نسبة تقتطعها موازنة الأمن من الناتج المحلي في تاريخ (إسرائيل) على الإطلاق.
ونظراً لحجم الكارثة الاقتصادية التي حلت بـ(إسرائيل) في أعقاب حرب 1973، فقد أطلق خبراء الاقتصاد على العقد الذي تلا الحرب مصطلح " العقد المفقود "، حيث أن قيمة ما دفعته (إسرائيل) خلال هذا العقد من مستحقات على فوائد ديونها فاق حجم ما خصصته من موارد لموازنات التعليم والصحة والرفاه الاجتماعي والإسكان مجتمعة. أي أن تعاظم القوة العسكرية لـ(إسرائيل) في أعقاب الحرب جاء على حساب النمو الاقتصادي، حيث إن الدولة كادت تعلن إفلاسها لولا الخطة الاقتصادية الشاملة التي وضعتها حكومة الوحدة الوطنية عام 1985.
ولقد مكن تقليص موازنة الأمن في أعقاب توقيع معاهدة "كامب ديفيد" (إسرائيل) من توجيه الموارد لسداد فوائد الديون، بالإضافة إلى إن جزءاً من التقليص تم توجيهه لقطاعات الصحة والتعليم والإسكان، أي أن " السلام " والاستقرار أسهما في تمكين صناع القرار في (تل أبيب) من إتباع سياسة اقتصادية اجتماعية ضمنت تكريس أسس دولة الرفاه الاجتماعي، لتكون (إسرائيل) بيئة جاذبة للهجرة اليهودية. وقد كان لهذا التطور دور كبير في تعزيز الاقتصاد (الإسرائيلي) عبر تمكين (إسرائيل) من استيعاب موجات الهجرة اليهودية من الدول التي كانت تشكل الاتحاد السوفياتي أواخر الثمانينيات ومطلع التسعينيات من القرن الماضي. ويرى الخبير الاقتصادي شلومو ماعوز أن موجات الهجرة اليهودية هذه عززت الاقتصاد بجلب الكثير من أصحاب المؤهلات و الفنيين والخبراء في مجال التقنيات المتقدمة، وهو ما أدى إلى تعاظم التصدير والنمو الاقتصادي بشكل كبير، حيث قفزت نسبة أصحاب الكفاءات العلمية من إجمال السكان من 10% إلى 20% ، وهذا كان له دوره في إحداث طفرة في عوائد التصدير للخارج من 50 مليار دولار سنوياً، قبل موجات الهجرة، إلى 80 مليار، بعد هذه الموجات.
ويرى المحللون (الإسرائيليون) أن التوقيع على " كامب ديفيد " قد مهد لتوقيع منظمة التحرير على اتفاقيات أوسلو ومعاهدة " وادي عربة " مع الأردن وهو ما عزز وتيرة النمو الاقتصادي.
ويستثني الخبراء الاقتصاديون فترة انتفاضة الأقصى، التي أثرت سلباً على الاقتصاد (الإسرائيلي)، حيث خسر الاقتصاد (الإسرائيلي) خلال سنواتها الأربع نحو 12 مليار دولار، في حين قدر التراجع في معدل دخل الفرد في العام بـ1800 دولار.
ومما لا شك فيه إن هذه المعطيات تضفي صدقية على الاستنتاج القائل بأن البيئة الأمنية تؤثر بشكل مؤكد على النشاط الاقتصادي.
لذا لا غرو أن يبدي الصهاينة كل هذا القلق بعد صعود مرسي للحكم.