قائد الطوفان قائد الطوفان

(2009) عام الفن والثقافة في غزة المحاصرة

غزة- فادي الحسني

قبل أن يسدل الستار على العام المنصرم 2009، صفق حشد من المهتمين بالفن والثقافة في قطاع غزة عشرات المرات، وذلك في أعقاب أعمال فنية وثقافية متنوعة قدمت خلال هذا العام، عكست حجم انفتاح حركة حماس على العالم.

وتبدو الأعمال المقدمة خلال العام المنصرم –عام الحرب- سواء المسرحيات والأفلام، أو التظاهرات الفنية، فضلا عن استقطاب نجوم الفن العربي لغزة- تمثل قفزة نوعية على صعيد الفن الفلسطيني، والتي بمجملها كانت نابعة من ثقافة المقاومة التي يعيشها الشعب الفلسطيني.

تحاكي الواقع

وتحاكي الأعمال الفنية المقدمة، واقع المواطنين الغزيين القابعين خلف قضبان الحصار، حيث قدمت مسرحية "نساء غزة، وصبر أيوب" في يوليو كأول مسرحية خلال العام  والتي ألمت بآهات المرأة الفلسطينية وأوجاعها، إضافة إلى أن حركة حماس قدمت فيلمها الأول"عماد عقل" والذي جسد شخصية احد قادة كتائب عز الدين القسام.

إلى جانب ذلك احتفلت غزة بالقدس عاصمة للثقافة العربية لعام 2009، ورعت العديد من الفعاليات الثقافية والفنية التي توجت صورة المدينة المقدسة بأصالتها وعراقتها.      

وتعكس التجربة الفنية التي عايشها قطاع غزة العام المنصرم، انفتاح حماس، كما يقول د.عطا الله أبو السبح رئيس اللجنة الوطنية العليا لفعاليات القدس عاصمة الثقافة العربية2009، مؤكدا أن حماس تتعاط بروح الوسطية التي تمثل منهج الحركة "وهذا ليس مستغربا".

وتدرك حركة حماس قيمة الفن، وفق أبو السبح، الذي أشار على أن الحركة تعلم جيدا دور الفن سواء ما يتعلق بالمسرح أو الأفلام التسجيلية أو النشيد، وقال:" لك أن تتخيل إنتاج فيلم كعماد عقل والذي يمثل باكورة إنتاج..هذا الفيلم أضاف شيئا للقضية الفلسطينية رغم انه واجه بعض النقد".

وواجهت التجربة الفنية في غزة الكثير من العقبات، ويقول أبو السبح: "لو توفرت الظروف المناسبة لكانت الأعمال أكثر تألقا"، مبينا ان الشح المالي كان من ابرز معوقات العمل.

لكن وعلى الرغم من الظروف الصعبة التي مرت بها التجربة الفنية، إلا أنها عكست إبداعا فلسطينيا، كما قال أبو السبح، مؤكدا أن اللجنة الوطنية نظمت خلال 2009 عددا من المسرحيات وأقامت مهرجان غزة للأفلام التسجيلية بالإضافة لإقامة الليالي الرمضانية الإنشادية. 

وبين أبو السبح وهو وزير ثقافة سابق، أنهم اكتشفوا مواهب المبدعين من أهل غزة، والقادرين على المنافسة.

في الوقت ذاته شدد على ضرورة أن يتوفر الدعم المالي للإنتاج الفني وتولي جهات عليا رعايته، وقال: "ما لم يكن هناك اهتمام زائد من وزارة الثقافة وتوضع الميزانيات، فأنا أتصور أن الأمر سيظل يراوح مكانه".

ووجه نقدا لإغلاق باب معالجة القضايا المجتمعية والأسرية من خلال الأعمال الفنية، قائلا: "المقاومة روح الشعب الفلسطيني والأعمال المقدمة ذات صلة وثيقة بالمقاومة، لكننا نمتلك قدرة على التحدث في الأسرة والمجتمع، إلا أن هذا المجال مغلق أمام حماس وتعالجه من خلال المنابر وبالوعظ والإرشاد".

طويلة

بينما يرى الأديب د.كمال غنيم أن المأخذ على الأعمال الفنية أنها كانت طويلة في وقت كان يتطلب منها أن تكون قصيرة وهذا له انعكاس على الأعمال المقدمة.

وقال غنيم: "المسرح والأوبريت الفني له ضوابط، أبرزها أنه يعتمد على أن يكون هناك دراما ووجود حكاية وقصة وصراع وهذا الحوار يجب أن يتميز بالقصر، في حين أنه في الكثير من الأحيان كان طويلا". 

في الوقت نفسه أكد غنيم أن الأعمال الفنية لم تكن بالحجم المطلوب الموازي لاعتبار عام 2009 عام القدس للثقافة العربية، لكنه بين أن  هذا العام مثل نقلة نوعية مقارنة بالأعمال المقدمة خلال السنوات الماضية".

وأشار إلى أن الأداء حظي بتميز ونشاط ملحوظ، مبينا أن عام 2009 كان له خصوصية من حيث النشاط الفني في فلسطين وفي غزة تحديدا.

وبعد وصفه لعام 2009 بـ"اللافت ثقافيا" أكد الناقد والأديب الفلسطيني د.عبد الخالق العف، أن غزة شهدت صحوة ثقافية كبيرة، وأن حراكا فنيا واسعا ولافتا جعل من غزة المحاصرة قِبلة لكاميرات الإعلام.

د.العف اعترف في تصريحات صحفية أن جل الفعاليات الثقافية غاب عنها شعار الوحدة الوطنية، وأثر على أدائها بفعالية، واستدرك قائلا: "غير أن هذا المشهد وإن لم تكن تفاصيله نابعة من هدف واحد أثرى المشهد الثقافي، واستفاد المتلقي منه بجميع الأحوال.. نعم كان لزاما أن نخرج بصوت ثقافي واحد، ولكن هذه التجربة علمتنا الكثير، وأكدت لنا أن بإمكاننا السير في هذا الاتجاه وبطرق أكثر عمقا".

وعلى صعيد المستقبل الفني في قطاع غزة، فعبر أبو السبح عن تمنيه بأن تحظى الأعمال القادمة بدعم مالي لتمكنها من التميز.

ويبدي د.أبو السبح تفاؤله من القادم وما ستحمله 2010 في طياتها: "المثقف الإسلامي هو الأكثر إلماما بتفاصيل أمته وعصره.. ونحن سنمد الجميع بالحرية لينطلق نحو فن هادف وفذ".

فيما قال غنيم :"أنا دوما متفائل وأرى أن الصورة ستكون أفضل وأكثر رقيا خلال العام الحالي 2010..نحن نريد أن تتواصل الأعمال الفنية وألا ترتبط بمناسبة".

وتخلل عام 2009 زيارتين لكوكبة من نجوم الفن العربي أبرزهم الفنان "دريد لحام".

وحظي العام الماضي أيضا بعرض الفيلم الوثائقي "جيفارا غزة"، حيث استعرض الفيلم منعطفا مضيئا من تاريخ الشعب الفلسطيني ومقاومته للاحتلال التي تمثلت في سيرة حياة عضو المكتب السياسي وأحد مؤسسي الجبهة الشعبية الشهيد "محمد الأسود" الملقب بـ"جيفارا غزة".

وكذلك قدم عرض مسرحي لمسرحية "الشياطة" والتي تلقي الضوء على أوضاع شباب غزة العاملين في الأنفاق، وتبين صمودهم في ظل الحصار، فضلا عن انطلاق "مهرجان غزة الدولي للأفلام التسجيلية" بمشاركة محلية وعربية وعالمية.

كما انطلقت خلال العام 2009 فعاليات مهرجان القدس السينمائي الدولي الأول في رحاب جامعة فلسطين بغزة بالتعاون مع ملتقى الفيلم الفلسطيني على مدار ثلاثة أيام، وبمشاركة 28 فيلما من إحدى عشرة دولة عربية.

وتضامنا مع القدس عاصمة للثقافة العربية لعام 2009 شهدت المدينة العديد من المؤتمرات والأمسيات الفنية والشعرية، كما قامت العديد من المؤسسات والمراكز بعرض سلسلة من الأفلام الوثائقية والتسجيلية.

 

البث المباشر