نجد في ظل الأحداث المتتالية التي تعصف بالساحة الفلسطينية على مختلف الأصعدة أن حال الفصائل تحديدا قوى اليسار باتت تترنح بين الظهور والاختفاء, ما يثير تساؤلات عدة حول طبيعة دور هذه القوى ووضوح رؤيتها وبرنامجها اتجاه المشروع الوطني.
وتعددت جذور اليسار بين الشيوعية التي مثلتها حزب الشعب والقومية التي مثلتها الجبهتان الشعبية والديمقراطية وتنظيمات اليسار الأخرى, فتقاربت تلك التيارات خلال مسيرة الكفاح المشترك ولاسيما في ملامستها للقضايا الاجتماعية الديمقراطية التي باتت على تداخل مع قضايا التحرر الوطني بعد نشوء السلطة.
دور محدود
محللون سياسيون أكدوا عدم وجود دور مؤثر لقوى اليسار في الساحة، منوهين إلى أن دورها يقتصر على إبداء المواقف والآراء والمقترحات اتجاه أي قضية.
وشدد المحللون على أهمية توحيد اليسار وتصعيد دوره على كل المستويات "السياسية والاقتصادية والاجتماعية" ليصبح قوة وازنة ومؤثرة على الساحة.
"المحلل حبيب: لا حضور مؤثر لقوى اليسار الفلسطيني على الساحة
"
ويرى المحلل السياسي هاني حبيب عدم وجود حضور مؤثر لقوى اليسار الفلسطيني على الساحة رغم أنه كان فعالا في مستهل مشوراه النضالي.
أما المحلل السياسي محسن أبو رمضان فأشار إلى اختلاف توجهات قوى اليسار ولاسيما فيما يتعلق بالرؤية السياسية لبرنامجها على الساحة الفلسطينية، منوها إلى أن اليسار تحول إلى حالة هلامية بفعل عدم التنسيق بين تلك البرامج.
وقال أبو رمضان: "على اليسار التركيز في المرحلة المقبلة على أهمية تفعيل المقاومة الشعبية في مواجهة الجدار الفاصل بالضفة والتهويد بالقدس والحصار المتواصل على قطاع غزة".
دراسات فلسطينية عزت في السياق أسباب تراجع مكانة قوى اليسار إلى انهيار التجربة الاشتراكية التي مثلها الاتحاد السوفييتي.
ونوهت الدارسات إلى أن نشوء السلطة فرض تحولات مهمة على صعيد الوضع الفلسطيني الداخلي، مشيرة إلى أن السلطة لم تثبت بالممارسة تغليبها للطابع الوطني واستحقاقاته المختلفة على أدائها بل تحولت إلى ما يشبه صيغة السلطة التي تبحث عن المكانة والمال والأمن.
وأكدت أن ضعف الوحدة والتنسيق بين قوى اليسار وضعف الرابط الأيديولوجي أديا إلى تراجع الوضع التنظيمي لها، "وكذلك تراجع وضوح رؤيتها المستقلة ودورها إزاء حماية المشروع الوطني ولاسيما أنها غابت عن المجلس التشريعي الأول للسلطة، كما تم اختزال (م.ت.ف) وتهميش دور تلك القوى فيها".
نصائح ..
وعاد المحلل حبيب ليؤكد أن قوى اليسار أصبحت حاليا غير قادرة على خوض الانتخابات سواء أكانت التشريعية أم الرئاسية أم المحلية أم وحدة واحدة، "ما يؤثر على صناعة القرار الوطني بالإضافة إلى أنها تعتبر شاهدا على عملية استفراد فتح بالقرار الوطني في منظمة التحرير".
"أبو رمضان: اليسار تحول إلى حالة هلامية
"
وقال حبيب عن كيفية معالجة مسار اليسار: "قوى هذا التيار بحاجة لإعادة تجميع الصفوف والابتعاد عن البرامج الفئوية لإيجاد طريق للوحدة والانطلاق نحو رؤية جادة اتجاه المشروع الوطني الفلسطيني".
كما قال إنها بحاجة إلى الشروع بإجراء مراجعة ومواءمة لأنواع النضال وعلى رأسها الكفاح المسلح والمقاومة وضرورة الإظهار العلني لهذه المسألة باعتبارها أهم المسائل والقضايا التي تواجه حركات التحرر.
واتفق أبو رمضان مع سابقه في أن اليسار أصبح ضعيفا، ولكنه أضاف: "المطلوب اليوم توحيد اليسار وتصعيد دوره على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي حتى يصبح قوة وازنة ومؤثرة على الساحة الفلسطينية".
ويتابع أبو رمضان: "ما تحتاجه قوى اليسار يتمثل بوضع سياسة قادرة على إنهاء حالة الجدل القائمة في الساحة الداخلية".
وكان علي بدوان وهو كاتب قد أكد تراجع دور قوى اليسار وأدائها على كل المستويات، متسائلا في مقال له نشر بعنوان "انطفاء دور اليسار الفلسطيني" عن أسباب هذا الترهل لقوى دخل عمرها السياسي والتنظيمي عقودا عدة.
الجدير ذكره أن اليسار الفلسطيني يعتبر جزءا من منظمة التحرير التي تتخذ من المفاوضات السلمية نهج حياة، كما يتلقى مخصصات مالية دورية منها.