لم تعد "حكومة فياض" في رام الله قادرة على التخلي عن التبعية للاحتلال (الإسرائيلي) سياسياً وأمنياً واقتصاديا، ومع كل أزمة اقتصادية يعانيها الشعب الفلسطيني يتضح أن السبب الرئيس وراءها هي الالتزامات باتفاقيات "مجحفة" مع الاحتلال ووعود غربية مشروطة، جعلت-حكومة فياض- تعمل "سمسار" أموال لصالح الاحتلال مهمتها الشراء من (إسرائيل) والمطلوب استمرار "السمسرة" من قطاع غزة.
وتعود جذور تبعية الاقتصاد الفلسطيني لـ(الإسرائيلي) إلى "اتفاقية باريس" المجحفة التي وقعتها السلطة الفلسطينية في العام 1994 بعد اتفاقات "أوسلو" الأولى في البيت الأبيض عام 1993، وبموجب هذا البروتوكول تقوم (إسرائيل) بجمع الضرائب والجمارك على الواردات وتسليمها إلى السلطة.
وكشفت المفاوضات الاقتصادية "السرية" بين السلطة والاحتلال، "أكذوبة " طالما رددها قادة السلطة وحركة فتح -على مدار الأعوام الماضية- حول مزاعم تطور المشاريع الاقتصادية في الضفة المحتلة تمهيداً لبناء أركان "الدولة العتيدة" من الأموال المسيسة التي تقدمها الدول الأجنبية والعربية المانحة.
افتعال أزمات وعجز ميزانية
ورغم كل ما تجبيه السلطة من ضرائب باهظة وما تستحوذ عليه من أموال خارجية تأتي لصالح الشعب الفلسطيني في الضفة وغزة، إلا أنها تفتعل –في كل مرة- الأزمات لتبرير ما تزعم أنه "عجز في الميزانية" ناتج عن الفساد المستشري في مؤسساتها و"المديونيات المشروطة"، علماً بأن حجم العجز الجاري في موازنة العام الحالي يصل لحوالي (3.6 مليار) شيقل أي بنسبة تصل إلى 10% من قيمة الناتج المحلي.
الدكتور سامي أبو زهري، المتحدث باسم حركة "حماس" أكد أن سياسات السلطة في الضفة، ورئيس حكومتها سلام فياض، يتحملون المسؤولية الكاملة عن حالة الفشل الاقتصادي، رافضاً أي محاولة لتبرير هذا الفشل بالانقسام.
وقال أبو زهري في تصريحٍات صحفية : "إن محاولة فياض فشله الاقتصادي بأي مبررات بربط ذلك بالانقسام هي مبررات واهية".
وكان فياض زعم أن "واقع الاحتلال والانقسام الناجم عن الانقلاب في غزة أثرا سلبا على قدرة السلطة الوطنية في التعامل مع الاحتياجات والازمات الاقتصادية الناجمة اساسا عن الارتفاع العالمي في أسعار السلع الأساسية المستوردة".
كما زعم أن حجم الإيرادات إلى خزينة السلطة من قطاع غزة انخفض من ثمانية وعشرين بالمئة الى اربعة بالمئة فقط في عام 2005، مدعياً أن ما تنفقه السلطة الوطنية على قطاع غزة يمثل ثمانية واربعين بالمائة من الميزانية العامة.
يشار إلى أنه منذ الانقسام الفلسطيني عام 2006، فصلت سلطة رام الله آلاف الموظفين من قطاع غزة، وأوقفت ترقيات الموظفين التابعين لها، وأوقفت الصرف على إقامة أية مشاريع تطويرية في البنية التحتية، وكذلك أوقفت الموازنات التيسرية لكافة الوزارات.
كما حولت المنحة الأوروبية لدعم كهرباء غزة لصالح موازنة السلطة، في وقت تستقطع من رواتب الموظفين للكهرباء ولا تحولها للشركة، وتأخذ أموال المقاصة "الضرائب" من الاحتلال عن البضائع التي تدخل غزة من المعابر الصهيونية والتي زادت بشكل لافت منذ مجزرة أسطول الحرية.
وشدد أبو زهري على أن ما تتعرض له الضفة من ضيق اقتصادي يأتي بعد تبديد الأموال وإنفاقها في مشاريع شكلية لا تعود بأي فائدة على المواطن الفلسطيني، إضافة لربط اقتصاد الضفة أساساً مع الاحتلال بشكل تام.
وقال: "على فياض أن يتحمل المسئولية بدلاً من التهرب منها ومحاولة تبريرها؛ لأن سياسة التبرير التي ينتهجها لا تقنع أحداً".
السلطة تستطيع تخفيض الاسعار
بدوره اكد المحلل الاقتصادي د. نصر عبد الكريم ان اتفاقية باريس الاقتصادية تمنح السلطة القدرة على تخفيض سعر البنزين و السولار بنسبة 15 %، الا انها لا تفعل الا بمقدار 5% فقط .
ودعا عبد الكريم خلال حديث متلفز، السلطة بتخفيض ضريبة المحروقات لحماية الوضع الداخلي و ضمان عدم تصدعه.
وقال :" نحن نستورد الازمة من اسرائيل بسبب اتفاقية باريس و الاخيرة تستوردها من العالم بعد غلاء الاسعار العالمي مما دفع (اسرائيل) الى اتخاذ بعض الإجراءات كرفع القيمة المضافة و بعض الضرائب".
و اضاف " نحن مضطرين لتبني الإجراءات التي اتخذتها اسرائيل بحسب الاتفاقيات مما عالج الازمة في اسرائيل و عمق من ازمتنا"، موضحا أن (اسرائيل) عندما رفعت الاسعار رفعت معها الاجور .
و قال إن " الحكومة الفلسطيينية غير قادرة على رفع الاجور و لا على التحكم بالاسعار " داعيا الى مراجعة شاملة لكل السياسات الاقتصادية الفلسطينية .
يشار الى أن سلسلة من الاحتجاجات عمت مدن الضفة الغربية احتجاجا على غلاء المعيشة و ارتفاع الاسعار خصوصا فيما يتعلق بسعر الوقود.
تدمير البنية الإنتاجية
د.عبد الستار قاسم أستاذ العلوم السياسية بجامعة النجاح يرى من ناحيته، أن المسئولية المباشرة عن "اتفاق باريس" لا تقع بالأساس على فياض وإنما تقع بدرجة كبيرة على منظمة التحرير الفلسطينية التي وقعت الاتفاق وصنعت التبعية الاقتصادية والتنسيق الأمني وغيره".
ولكن قاسم أوضح في تصريح سابق لـ"الرسالة نت" أن التبعية الاقتصادية في الضفة الغربية "تدريجية وما زالت تسير باتجاه تدمير البنية الإنتاجية منذ عام 1994"، نافياً حقيقة ما كان يردده قادة السلطة وفتح حول التقدم في عجلة اقتصاد بالضفة فقال "الأرقام التي يتحدث عنها البنك الدولي هي أرقام كاذبة ولا تعكس حقيقة الواقع الاقتصادي في الضفة".
وحول ما مزاعم تعديل اتفاقية باريس أو تغييرها، فقد أوضح قاسم أن (إسرائيل) لن تقبل بتغيير أو تعديل الاتفاقية لأنها غير معنية بإنتاجية وتنمية اقتصاد الفلسطينيين، مؤكداً أن السلطة حينما وقعت الاتفاق تعرف أن التبعية الاقتصادية ستظل قائمة وأن الشعب الفلسطيني سيبقى يعتمد على الآخرين في لقمة عيشه.
يذكر أن قادة ونواب من حركة فتح كان آخرهم النائب الفتحاوي نجاة أبو بكر اتهمت –في وقت سابق- "فياض" بالفساد وأنه يخطط لإثراء الفساد ويحجب الحقائق عن الشارع الفلسطيني، وطالبت بهبة جماهيرية ضد الإجراءات والضرائب التي يفرضها على الشعب الفلسطيني.
تجدر الإشارة إلى أن رئيس الوزراء إسماعيل هنية أعلن مؤخراً أنه لا يوجد على حكومته ديون لأية جهة فلسطينية أو خارجية، مشيراً إلى أن حكومته تحصل على المال اللازم لتغطية نفقاتها التشغيلية ورواتب موظفيها من جهات ودول عربية وإسلامية رسمية وشعبية، دون أي شروط.