أكد رئيس وزراء حكومة رام الله سلام فياض في مارس 2010 أن البيئة الاستثمارية في فلسطين هي بيئة واعدة ومناسبة رغم العراقيل والقيود (الإسرائيلية)، وشدد على أن ذلك تحقق بفضل ريادية قطاع الأعمال وصمودهم وحالة الاستقرار وتوفير الأمن والأمان للمواطن والمستثمر بما مكن السلطة الوطنية من تحقيق تلك البيئة.
وشدد فياض -آنذاك- على أن السلطة ماضية في عملية البناء والنهوض، "واستكمال بناء مؤسسات دولة فلسطين وبنيتها التحتية كما حددتها خطة العامين التي بدأت منذ آب 2009 (وثيقة فلسطين: إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة)".
بعد أكثر من عامين من وعود فياض بالرخاء الاقتصادي للضفة الغربية مقابل البؤس والحصار لغزة تتغير المعادلة اليوم، فتحترق الضفة بنيران الاقتصاد وينقلب سحر فياض الاقتصادي عليه ويتحول إلى حبل يلتف حول عنقه.
غضب أهل الضفة تصاعد بعد خطاب رئيس السلطة محمود عباس الذي خرج في مؤتمر صحافي أول أمس ليقدم للجماهير كشف حساب بالإخفاق السياسي والاقتصادي والوطني، ثم يحمل حماس والدول العربية والمجتمع الدولية المسؤولية متجاهلا مسؤوليته الأولى باعتباره مهندس اتفاق أوسلو الأول الذي انبثق عنه أيضا اتفاق باريس الاقتصادي بما وضع السلطة في أزمة منذ تطبيقه وحولها لمحصل ضرائب وتبرعات دون أدنى مقومات اقتصادية حقيقة.
وأمام المشهد الحالي وعلى ضوء التطورات وأبرزها غضب الضفة مقابل خطاب عباس يمكن قراءة الأحداث الجارية والتوقعات المستقبلية على النحو التالي:
- حركة فتح استغلت الأزمة الاقتصادية وتقود جزءا من الاحتجاجات، وترى الفرصة مواتية لتصفية الحسابات مع فياض الذي سلبها عرش السلطة وأخضعها بتحكمه بالمال.
وإذا تواصلت الاحتجاجات وتصاعدت فيمكن أن يرفع فياض الراية البيضاء ويستسلم بالاستقالة.
- في حال خرج فياض من السباق فإن ذلك يعني نهاية مستقبله السياسي الذي بلغ حد تحضيره لتولي الرئاسة خلفا لـ"أبو مازن" بمساعدة أطراف أمريكية وغربية بعدما كان "حائط صد" بالنسبة لعباس الذي سيكون في فوهة المدفع في حال غاب فياض عن الساحة.
- صمت السلطة اتجاه الاحتجاجات سوف يستمر ما دامت في دائرة السيطرة بل ستعمل على استثمارها لهدف الضغط على (الإسرائيليين) والأمريكيين لإنقاذها من الانهيار باعتبارها صمام أمان لأمن (إسرائيل), ما قد يدفع هذه الجهات للمساعدة بحل مؤقت للأزمة.
- لغة "أبو مازن" المتأزمة في المؤتمر الصحافي تشي بحالة إحباط ويأس قد تدفعه لاتباع سياسة حافة الهاوية فيما يتعلق بالانهيار الذي يهدد السلطة, ولكن الأحداث قد تخرج عن السيطرة ما يعني اتساع دائرة الغضب لتمتد للاحتلال. وفي حال عدم قدرة أمن السلطة على لجمها فقد يؤدي ذلك بـ(إسرائيل) للتوقف عن دعم السلطة ما سيمكن من انهيار السلطة وخلق واقع جديد يعيد الضفة إلى السيطرة (الإسرائيلية) الكاملة.
- المناورة التي نفذتها سلطات الاحتلال خلال عيد الفطر بالسماح لأكثر من 3000 فلسطيني بالدخول للأراضي المحتلة عام 48 لأول مرة بهذا العدد منذ اشتعال انتفاضة الأقصى تمثل أحد الخيارات التي تبحثها حكومة الليكود لهدف ضم الضفة الغربية وخلق علاقة جديدة مع الفلسطينيين.
- رغم عدم ارتباط غزة بالأحداث وأزمة السلطة في الضفة مباشرة فإن كل التطورات الجارية تعكس الأزمة التي يعانيها النظام السياسي الفلسطيني من جانب وتبعات الانقسام المتواصلة من جانب آخر, فتجربة الضفة سوف تدفع الحكومة بغزة للإصرار أكثر على التحرر من تبعات اتفاق باريس الاقتصادي وذلك بالتوجه نحو تفعيل العلاقة الاقتصادية مع مصر الجديدة.
- التطورات في الأراضي الفلسطينية سوف يكون لها ارتدادات خارجية ما يشير إلى توجه أطراف غربية خصوصا من بعض دول الاتحاد الأوروبي نحو فتح قنوات اتصال مع حماس في غزة لخلق توازن بعلاقتها في ظل أزمة السلطة برام الله وانغلاق أفق التسوية السياسية، وهي متغيرات كان قد أشار إليها تقرير صدر مؤخرا عن مجموعة الأزمات الدولية تحت عنوان "ضوء في نهاية النفق.. حماس والانتفاضات العربية".
التقرير خلص إلى أنه بعد الانتخابات البرلمانية الفلسطينية عام 2006 وبعد اتفاق الوحدة الوطنية في مكة عام 2007 أضاع المجتمع الدولي الفرصة في مقاربته حيال حماس وتبنى سياسات أنتجت تقريبا عكس المتوقع بتعزيز حماس سيطرتها على قطاع غزة واندلاع أحداث خطيرة مع (إسرائيل)، فلم تجر تقوية فتح وتحللت المؤسسات الديمقراطية في الضفة الغربية، ولم يقترب اتفاق السلام من التحقق.
مع فرصة ثالثة سانحة وسط تحسّن جذري في العلاقات مع الحركات الإسلامية في سائر أنحاء المنطقة ينبغي على الغرب أن يضمن ألا يُترك مرة أخرى مقيدا على الرصيف ومكتفيا بمراقبة انطلاق قطار الأحداث.