باسم عبدالله ابو عطايا
"الكبار يموتون ، والصغار بكرة بنسوا " ومرت ستين سنة وخارطة فلسطين بقيت محفورة بقلوب الأطفال ، وعيونهم سياج تحرس الحلم ، وتنظر الأمل ، ستون سنة ومانسينا عكا ، وحيفا ، وبئر السبع ، وصفد ، والرملة.
ستون سنة ما فقدنا الأمل بيوم العودة ، فكل يوم يمر نشعر معه " انا بكره راجعين " ، بعد ستين سنة من التهجير والقمع والعنصرية من فينا نسى النكبة ؟ من نسى الـ 48 أرضنا وارض أبائنا وأجدادنا .
وبالرغم من كل ما لدى دولة الصهاينة من عتاد وعدة لازالوا يخافون حلمنا ، يخافون حزننا ، يخافون ألمنا .
قلوبهم يملؤها الرعب ، و العنصرية ، والتطرف فيتسابقون لسن قوانين العنصرية ، ليغروا كل ما يذكرهم بان هذه الأرض لها أصحاب وأصحاب حقيقيين وان كذبتهم " هالارض بلا شعب ، لشعب بلا أرض " ظلت كذبه لم يصدقها غيرهم صدقوها وبعد ستين عامين تفاجئوا أنهم أنفسهم غير مصدقين .
فأصبحت العنصرية في دولة الاحتلال تسن بقوانين وتشرع حسب ما يخدم أحزابهم الفاشية الترانسفيرية التي تحكم كيانهم العنصري الاحتلالى .
** برنامج ليبرمان
بعد ما فشل المتطرف ليبرمان بفرض قانون " الولاء للدولة " بحث عن بدائل أخرى لإعلان الحرب على كل ما يذكره بأنه ليس له جذور في هذه الأرض وتفتقت نواياه الخبيثة عن " قانون النكبة " الذي يحاول من خلاله منع الفلسطيني من حتى التعبيرعن حزنه وألمه وحنينه لأرضه التي هجر منها على يد عصابات الصهيونية والغريب أن الكنيست الإسرائيلي وبعد تعديل شكلي وافقت على طرح القانون للتصويت واغلب الظن بان هذا القانون العنصري سوف يمرر ويجد مصادقة من الحكومة عليه لعده أسباب منها:
أن هذه الحكومة المتطرفة تشرع كل القوانين التي تحد من حيز التحرك للعرب عملا على تطبيق فكرة الترانسفير والترحيل التي تدعو لها الأحزاب اليمينية الإسرائيلية المتطرفة ، وموافقة الحكومة تندرج في إطار التطبيق الفعلي لبرامج الأحزاب اليمينية والفاشية المشاركة فيها، والتي تتبنى برامج عنصرية تدعو لتقييد الحريات والحقوق الأساسية للأقلية الفلسطينية في فلسطين المحتلة عام 48، بذريعة "عدم الولاء للدولة".
فمجرد الموافقة على تعديل القانون وتطرحه للتصويت في الكنيست هو تبنياً رسمياً للحكومة لبرامج هذه الأحزاب الفاشية، علماً انه تم خلال الأشهر الأخيرة طرح مجموعة كبيرة من اقتراحات القوانين المشابهة، والتي تحظى بدعم الغالبية من أعضاء الحكومة والكنيست الحالي.
أما السبب الأخر فهذا القانون يعبر بشكل فعلى على توجه الشارع اليهودى الذى تتصاعد فيه العنصرية ، وتزداد دعوات رفض الوجود الفلسطيني على المستوى الرسمي والشعبي في السنوات الأخيرة، فسن مثل هكذا قانون هو الترجمة العملية لبرامج العنصرية على المستوى القانوني والتشريعي .
** القانون العنصري
محاولات اسرائيل تغير العقل الجمعي لفلسطيني ال 48 هو محاولة تدل على غباء وعنصرية لا يمكن أن تمرر دون وقفه جادة على كل المستويات الشعبية والرسمية والدولية, فالقانون الجديد الذي " بموجبه يتعرض أي شخص يحيي "ذكرى النكبة"، في هذا اليوم لعقوبة السجن الفعلي لمدة ثلاث سنوات!؟ , وجاء في تبرير الاقتراح "أن تحظر في القانون عمليات يكمن فيها إحياء يوم الاستقلال أو إقامة الدولة كيوم حداد وفرض عقوبة شديدة على أولئك الذين يستغلون الصبغة الديمقراطية لدولة إسرائيل- من أجل تقويضها من الداخل ويذكر أن مشروع قانون تقدم به ثمانية أعضاء من حزب "يسرائيل بيتينو" الفاشي .
إن تمرير هذا القانون يعني أن الحكومة "الإسرائيلية" قد فقدت صوابها، ودليلٌ على إفلاسها وخوفها من صوت الضحية وروايتها حين تعبِّر عن ألمها".
لقد سلبوا وطننا، وهجَّروا أهلنا، وهدَّموا قرانا، والآن جاءوا بقانون يحرمنا من صرخة الألم، ويصادر الحزن والحداد".
إن اليهود الذين يدعون أنهم عانوا من القمع والقتل والإبعاد والذين يبكون صباح مساء باسم " المحرقة " ويبتزون العالم ها هم يمنعون ضحيتهم من مجرد الحزن أو الغضب أو التعبير عن الموقف السياسي أو رفع صورة مفتاح أو قرية مهجرة. لا يوجد قانون في العالم يستطيع منع شعب من التعبير عن ألمه وتكريس روايته التاريخية.
** مع وضد العنصرية
شكل هذا القانون -كغيره من المتناقضات في السياسة الإسرائيلية- حالة من النقاش بين مؤيد ومعارض ففي حين عارضه" يهوشع سوبول " مستندا للقول " القانون ضد الاحتفال بالنكبة مرفوض لأنه يوفر مادة مشتعلة ممتازة للذين ينكرون المحرقة. فهؤلاء سيقولون: انظروا كيف أن كنيست اسرائيل يسن قانونا يحظر على مواطني اسرائيل إحياء ذكرى تدمير 400 قرية وطرد مئات الآلاف من الفلسطينيين. وعليه فقد حان الوقت لكي نسن نحن أيضا قانونا يفرض عقوبة بالسجن لثلاث سنوات على كل مواطن أوروبي يحيي يوم المحرقة.
قانون إنكار النكبة مرفوض أيضا، وبشكل أساسي، لأنه يشدد الشعور بالغربة، الاضطهاد والاهانة التي يعاني منها مواطنو اسرائيل العرب أصلا منذ عشرات السنين من التمييز الذي تفرضه دولة الاحتلال وموظفوها عليهم طوال الفترة الزمنية التي تلت إقامة الدولة.
إن زيادة الغربة، التمييز والمناكفة تجاه مواطني اسرائيل العرب تقرب فقط اليوم الذي تقوم به الأغلبية الساحقة من سكان الجليل، المثلث والنقب بالمطالبة بحكم ذاتي مدني، استنادا إلى الذريعة المبررة في أن دولة اسرائيل لا تسمح لهم بان يعيشوا بها كمواطنين متساوين ولا تسمح لهم بالاحتفال بأعيادهم وإحياء أيام حزنهم. فهل هذا هو الوضع الذي يسعى إليه أعضاء الكنيست من حزب اسرائيل بيتنا؟
هل يتطلعون إلى تحلل دولة اسرائيل وتفككها إلى كيانات من الحكم الذاتي الاقطاعي، الإثني والديني؟ اذا كان هذا هو هدفهم فأنهم بالفعل سيحققونه من خلال قوانين كقانون حظر إحياء بالنكبة.
اذا نجح المبادرون لقانون إنكار النكبة في تمريره بالقراءة الثالثة في الكنيست، فلا تتفاجأوا اذا تبين في يوم الاستقلال القادم أن عشرات آلاف اليهود الإسرائيليين سيخرجون للتظاهر والتضامن مع العرب الإسرائيليين ويحيون معهم ذكرى النكبة سوية مع يوم الاستقلال.
أما المؤيدون فقد عبر عنهم اوريئيل لين الذي رأى " أن كل دولة ديمقراطية، تريد ضمان حقوق الأقلية وتطبيق مبادئ حرية التعبير. ولكن ينبغي أن نتذكر بأنه لا يوجد في أي نظرية قضائية حقوق مطلقة ولا توجد حقوق أساس مطلقة. فالديمقراطية يمكن هدمها كما حصل في فترة النظام النازي، وتحويلها إلى كابوس عالمي. كل ديمقراطية في العالم وضعت لنفسها هدفا هو الدفاع عن نظامها الديمقراطي والدفاع عن المبادئ الأساسية التي يرتكز عليها نظامها. لقد تعلمنا من التاريخ أن الحق في الحرية يتراجع قليلا أمام المصلحة العامة العليا.
** مقاومة العنصرية
لم يسبق في التاريخ أن شرعت قوانين تجرم الناس على مشاعرهم ، وتمنعهم من التعبير عن ماساتهم ، وسلب حقهم في تدوين تاريخهم الذي هو دافعهم لمستقبلهم ، لذلك لن تنجح كل المحاولات الصهيونية في انتزاع تاريخنا وحاضرنا ولا تفلح في منعنا من التطلع لمستقبل ننال في حريتنا حتى لو سنت كل يوم قانون وهذا يتطلب منا مواجهة واعية حقيقية فكرا وثقافة وأدب وسياسة وتحرك شعبي ورسمي لمواجهة هذه القوانين العنصرية فلا يعقل ان يقف العرب والمجتمع الدولي مكتوفي اليدين دون التصدي لعنصرية هذا الكيان فالمطلوب ،بالحد الأدنى اتخاذ موقف واضح برفضه فلا يعقل أن تستمر اللقاءات مع ليبرمان في العواصم العالمية، في حين يشكل هو وحزبه رمزاً وقيادة لهذا النهج والفكر العنصري الفاشي الذي يواصل اقتراح ووضع القوانين العنصرية المنافية لقوانين حقوق الإنسان ومبادئ القانون الدولي, ولا يعقل أن يستمر "الاتحاد الأوروبي" بعلاقاته المتينة مع إسرائيل، بل ويعمل على تعزيزها وتطويرها بالرغم من كل هذه التراجعات والانتهاكات لحقوق الإنسان الأساسية". أما العرب فلا حياة لمن تنادى .