مقال: الإدارة الأمريكية على مفترق طرق !

سلوك الإدارة الأمريكية فيما يخص جريمة الفيلم المقزز الذي اضطلع به أحد مواطنيها الحاقدين يتسم بالكثير من العنجهية والاستكبار.

لم تدرك الإدارة الأمريكية بعدْ أن التطاول على سيد الخلق وإمام البشرية والمساس بالمقام الكريم لنبي الرحمة صلى الله عليه وسلم يشكل جريمة كبرى من أعظم وأخطر الجرائم على الإطلاق، وأن التغطية على فداحة هذا الجرم الرهيب تحت دعوى "حرية الرأي والتعبير" يشكل جريمة كبرى موازية لا يمكن أن تُهضم أو تُغتفر عربيا وإسلاميا.

ما يزال شعور الأمريكان الطاغي بالتميز والتفوق على سائر الأمم والشعوب يحكم سلوكهم وتعاملاتهم الراهنة، وخصوصا فيما يخص أمتنا العربية والإسلامية، فعندما يتناولون شأنا من شؤون الأمة العربية والإسلامية تعلو رؤوسهم وتتطاول قاماتهم وتشمخ أنوفهم ويغزو الاستكبار حالهم ومعالجاتهم، وكأنّ الدماء التي تجري في عروقهم دماء زرقاء برسم القوة والتقدم والرقيّ خلافا لغيرهم الذي يرتكس في غياهب الجهل والضعف والتخلف!

ثارت ثائرة الإدارة الأمريكية حين اقتحم الغاضبون الثائرون سفاراتها وقنصلياتها، وهاج وماج مسؤولوها وناطقوها مهددين ومتوعدين بعض الدول العربية ما لم توفر الحماية الكاملة لمقدراتها الدبلوماسية، في الوقت الذي رفضت فيه تقديم أي اعتذار أو اتخاذ أي إجراء عقابي بحق المجرم الأكبر الذي تولى صناعة الفيلم والترويج له.

متى ستدرك الإدارة الأمريكية أن سلوكها العام وسياستها الخارجية يجب أن يتغيرا؟، وأن كل محاولاتها لتحسين صورتها في أذهان الرأي العام العربي والإسلامي قد أخفقت تماما على ضوء إصرارها على التنكر لقيم ومعتقدات الشعوب، واستفزاز مشاعرها، وإهانة رموزها ومقدساتها؟!

من الغريب أن الولايات المتحدة الأمريكية تعتبر الدولة الأكثر اهتماما بالبحث العلمي، والأكثر احتضانا للمراكز البحثية ومؤسسات تقدير الموقف السياسي والاقتصادي والاجتماعي التي تعد بالمئات، والتي يغطي جهدها البحثي أنحاء المعمورة، وهي مراكز ومؤسسات جادة وعميقة ولا تتوانى في تقديم رؤاها وتصوراتها وتوصياتها لأصحاب القرار الذين يقرؤونها ويتفحصونها ثم يلقون بها في سلة المهملات!

الإدارة الأمريكية تعيش اليوم أزمة ثقة عميقة مع محيطها الإنساني، وأزمة علاقة متدهورة بصورة خطيرة مع العالم العربي والإسلامي بوجه خاص، وما لم تسارع في استخلاص العبر من حجم الغضب العربي والإسلامي فإنها لن تكتفي بجباية الثمن مستقبلا كما هو حاصل اليوم، بل إن حجم الغضب العربي والإسلامي ومستواه قد يتطوران إلى ما لا تحمد عقباه عما قريب.

الإدارة الأمريكية اليوم على مفترق طرق، فهي تفقد باستمرار رصيدها الأخلاقي وذخرها الإنساني، ويتساقط أزلامها وأشياعها في المنطقة الواحد تلو الآخر، ويتواصل تراجعها الاستراتيجي كقوة عظمى في العالم، ولن تنفك ضعفا وضمورا وارتكاسا حتى تتحول إلى بلد معزولة أخلاقيا وإنسانيا، وتجد ذاتها على موعد حساب صعب وقاسٍ مع كثير من الشعوب التي دمرت كيانها وقتلت أبناءها ونهبت ثرواتها على مدار حقبتها الاستعمارية الطافحة بالبغي والظلم والقهر والاستكبار.

ما يجري يقدم أعظم الدروس للأمريكان على طبق من ذهب، وقد لا يقدم التاريخ مزيدا من فرص لمن تنكب الدرب الإنساني النبيل واستعاض عنه بوحشية الفكر والثقافة والسلوك، ولا عزاء للمتجبرين المستكبرين!

البث المباشر