يعيش مهندسو اتفاقية "أوسلو" الأوائل حالة من الشعور بالعجز نتيجة لعدم التزام كيان الاحتلال ببنود الاتفاقية، ويظهر ذلك جليا عبر التصريحات الإعلامية القائمة على اللغة الانهزامية المستسلمة لواقع فرضته (إسرائيل) بعد أن تلاعبت بشريكها "الفلسطيني" عقدين من الزمان.
وصرح أحمد قريع وهو رئيس وفد المفاوضين الفلسطينيين بأنّ (إسرائيل) لم تلتزم بحلّ الدولتين، وأن "القيادة الفلسطينية" تدرس إمكانية القبول بدولة واحدة ثنائية القومية أمام إصرار (إسرائيل) على التنّكر للاتفاقات الموقعة.
"فتح: الاقتراحات والافتراضات الاستباقية غير واردة الآن ولم تُناقش
"
تصريحات قريع التي جاءت لموقع إخباري عبري لمناسبة مرور تسعة عشر عاما على توقيع اتفاقية "أوسلو" لم تكن الوحيدة، فقد اعترف كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات بأن ممارسات (إسرائيل) على الأرض تدمر حل الدولتين.
وأضاف عريقات: "كان من المفترض لاتفاقية أوسلو أن تستمر خمس سنوات فقط، ولكن ما نراه اليوم بعد عقدين هو تأصل لسياسة الفصل العنصري بدلا من الحرية للشعب الفلسطيني".
يشار إلى أن معاهدة "أوسلو" أو اتفاق السلام كما سمي حينئذ كان قد وقع بين (إسرائيل) ومنظمة التحرير الفلسطينية في مدينة واشنطن الأمريكية بتاريخ 13 سبتمبر 1993، وسمي الاتفاق نسبة إلى مدينة أوسلو النرويجية التي جرت فيها المحادثات السرية عام 1991 فيما عرف بمؤتمر مدريد.
تنصل فتحاوي
وحاول أمين السر للمجلس الثوري لحركة فتح أمين مقبول في الإطار التنصل من موقف قيادة السلطة المؤيد للدولة ثنائية القومية، زاعما أن حركة فتح لديها إستراتيجية عمل تسير عليها وفق متطلبات المشروع الوطني والتحرري.
وأشار مقبول في حديثه لـ"الرسالة نت" إلى أن مقترح دولة ثنائية القومية لم يُناقش في أروقة اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، "ولا في حركة فتح.. سواء في اللجنة المركزية أو المجلس الثوري"، مبينا أن الاقتراحات الاستباقية حول دولة ثنائية القومية غير واردة الآن، "ولم تُناقش".
"حماس: نهج التفرد بالقرارات لا بد من انتهائه.. ويجب العودة للجمهور
"
وقال: "لم يطرح أي من قيادات فتح موقفه رسميا بهذا الشأن.. إلا إذا كان فرديا فهو لا يمثل بالضرورة رؤية الحركة"، علما أن قريع عضو لجنة مركزية سابق في فتح.
وحول التشدق الفتحاوي دائما بموافقة حركة حماس على إقامة دولة على حدود عام 1967 واعتبار هذا اعترافا منها بحق (إسرائيل) في فلسطين ادعى مقبول قائلا: "حماس من ناحية نظرية لم تعلن اعترافا بـ(إسرائيل) حتى الآن، ولكن من ناحية عملية اعترفت بها عندما أقامت تهدئة في غزة وأبرمت صفقة تبادل الأسرى وتعاملت سياسيا مع واقع الاحتلال الموجود!".
نهج 40 عاما
النائب يحيى موسى القيادي بحركة حماس اعتبر من جهته أن السلطة ليست صاحبة القرار، "فمن المفترض أن هناك قيادة ومرجعية للشعب الفلسطيني منتخبة ديمقراطيا هي التي تقرر ما يتعلق بالشأن الفلسطيني دون معزل عن رأي الجمهور الفلسطيني".
وعبر موسى عن أسفه لعدم تخلي فتح عن النهج الذي سارت عليه منذ ما لا يقل عن أربعة عقود، "وهو اختطاف القضية الفلسطينية والمؤسسات واتخاذ القرارات خلافا لإرادة الشعب الفلسطيني"، مبينا أن منظمة التحرير اعترفت بحق الكيان في الوجود على 78% من الأرض الفلسطينية مقابل "وهم" عنوانه اعتراف الكيان بمنظمة التحرير ممثلة للشعب الفلسطيني.
"الشعبية: مطلب يعكس حالة التخبط والتراجعات التي تسير بها الرئاسة
"
وتساءل في حديثه لـ"الرسالة نت": "أين منظمة التحرير وهي مختطفة ومستلبة وموضوعة في "الفريز" لاستخدامها من عباس لاستعمالات محدودة لخدمة أهداف مزاجية؟"، وأضاف: "آن الأوان لأن يحاكم الشعب الفلسطيني أولئك الذين ضربوا مشروعه الوطني ومستقبله وتسببوا بكل المآسي التي يحياها شعبنا الآن ورغم هذا ما يزالون يسوقوا أنفسهم تحت عناوين الشرعية وهم أبعد ما يكون عنها".
وحول تململ السلطة وحركة فتح في التوجه للأمم المتحدة أوضح موسى أن نهج التفرد بالقرارات خطير في حد ذاته، "فليس من حق أحد أن يطرح مشاريع في الساحة بهذه الصورة"، لافتًا إلى أن السلطة تتعامل بتوجهها للأمم المتحدة ناحية حكومة الاحتلال باللامبالاة والاستخفاف.
وشدد على أن نهج التفرد بالقرارات لا بد من أن ينتهي، "لأنه ليس من المنطق في السياسة أن يُقدِم صاحب الحق المعتدى عليه حلولا لمغتصبه في حين يلاقي الاحتلال بحالة لا مبالاة وليس بالضغط".
ونوه موسى إلى أنه سبق هذا التوجه (الذهاب للأمم المتحدة) مبادرة عربية طُرحت خلافا لرغبة الشعوب العربية، "ورغم ذلك قال العدو الصهيوني إنها لا تساوي الحبر الذي كتبت به"، مشيرا إلى اتفاقات كثيرة وقعت من وراء ظهر الشعب الفلسطيني مثل اتفاقية "أوسلو" التي قال إنها جلبت للشعب الفلسطيني النكبات، "وما تزال السلطة متمسكة بها خاصة ما يتعلق بالشق "القذر" منها المتعلق بالتنسيق الأمني مع الاحتلال وضرب المقاومة وكل عوامل الممانعة لدى الشعب الفلسطيني".
الخروج من المأزق
ويرى موسى أن الحل لخروج السلطة من مأزقها السياسي هو العودة إلى تفعيل الميثاق الوطني الفلسطيني، "وتبني قيادة وطنية فلسطينية ديمقراطية وتآلفية وإعادة بناء المنظمة على أسس وطنية سليمة"، مشيرا إلى أن أمام عباس فرصة إذا أراد مصلحة شعبه أن يسحب الاعتراف بالكيان الصهيوني وأن يحل السلطة، "وأن يضع يده بيد فصائل المقاومة للحفاظ على المشروع الوطني الفلسطيني".
"الجهاد: السلطة لا تجرؤ على إعلان الدولة من جانب واحد
"
وعلق على ما زعمه مقبول سالفا بأن حركة حماس في سياستها قد اعترفت عمليا بـ(إسرائيل) فقال: "هذه أمانيهم، فالسياسة ليس فيها أماني لأنها تحتاج إلى إستراتيجيات كفاحية وبذل الدماء والأرواح للوصول إلى الحقوق الوطنية".
وأضاف: "حماس تبنت خيارها الإستراتيجي وهو مقاومة المحتل، وهدفها الوطني واضح وهو تحرير كل الأرض الفلسطينية".
وتابع: "إذا تحررت الأرض يمكن أن نتحدث عن دولة فلسطينية وعودة اللاجئين، وما لم يكن هذا فلا معنى لهذا الحديث لأن العودة هي نتاج عملية تحررية والدولة هي ثمرتها (...) مستحيل أن تأتي الدولة ويعود اللاجئين عبر التفاوض واستجداء الاحتلال".
مشروع الدولة بـ"التوافق"
القيادي في الجبهة الشعبية رباح مهنا اعتبر من ناحيته أن ما وصفها "الأفكار المتناثرة" للدولة ثنائية القومية قبل قيادة فتح والسلطة "لا تعكس ثقتهما فيما يطرح"، متسائلا: "ماذا تعني دولة ثنائية القومية في ظل الواقع المحيط بنا؟".
وشدد لـ"الرسالة نت" على أن مشروع الدولة يحتاج إلى دراسة جدية من الكل الفلسطيني، مشيرا إلى أن هذه الأفكار التي تثار بين حين وآخر من قيادة السلطة وفتح ليس متفقا عليها بين الفلسطينيين، "وإنما المتفق عليه هو إقامة دولة مستقلة على حدود أراضي 1967 دون الاعتراف بـ(إسرائيل)".
وعاد مهنا ليؤكد أن الموقف من الدولة يعكس حالة التخبط والتراجعات التي تسير بها قيادات السلطة وفتح، "وأعتقد أنها ستئول إلى الفشل"، معربا عن اعتقاده بأن إعلان الدولة من جانب واحد قفز في الهواء، "وتهويش لا يحمل أي أسس للنجاح"، وفق تعبيره.
وحول موقف حماس المؤيد لدولة فلسطينية على حدود 1967 مؤقتا دون الاعتراف بالكيان الصهيوني قال مهنا: "هذا ليس موقف حماس وحدها، ولكنه موقف الجزء الأكبر من الجمهور الفلسطيني والفصائل ومن ضمنها الجبهة الشعبية التي لا تعتبر موقفها اعترافا بـ(إسرائيل)".
وأضاف: "تنازلات عباس ومن سبقه أدت بنا إلى أن تطالب (إسرائيل) بيهودية الدولة".
السلطة لا تجرؤ
أما نافذ عزام القيادي في حركة الجهاد الإسلامي فقد جزم أن (إسرائيل) أصلا لا تقبل بمشروع حل الدولة ثنائية القومية، "لأنها تخشى ألا يكون التزايد والنمو الديمغرافي في مصلحتها"، لافتا إلى أن قادة الكيان عبروا أكثر مرة عن رفضهم هذه الدولة شكلا ومضمونا.
وأكد عزام لـ"الرسالة نت" أن هذا الحل لا يلبي طموح شعبنا، "لأنه لم يضحي من أجل دولة ثنائية القومية والقبول بهيمنة (إسرائيل) على الأرض الفلسطينية والإقرار بشرعية طرد آبائنا وأجدادنا من أرضهم قبل ستين عاما".
كما اعتبر أن حل الدولة ثنائية القومية ليس بيد طرف وحده، "وإنما يكون باتفاق بين الطرفين"، مشددا على أن السلطة لا تجرؤ بالمطلق على إعلان الدولة من جانب واحد.
وهنا يرى مراقبون للشأن السياسي أن منظمة التحرير عجزت عن انتزاع أي من "حقوقها" التي أقرت عام 93 في الاتفاقية، فمن جانب استمرت الاتفاقية عقدين بدلا من خمس سنوات دون أن تعطي الفلسطينيين أي شيء، فقد زادت معدلات التهجير القسري، وهدم المنازل، وإلغاء الهويات، بالإضافة إلى مصادرة أراضي المواطنين الفلسطينيين، ومن جانب آخر فـ(إسرائيل) لم تفرج حتى اللحظة عن معتقلي ما قبل توقيع "أوسلو" الذين كان من المقرر الإفراج عنهم جميعا بحلول عام 2000 وفق ما نصّت عليه الاتفاقية.