نتفق تماما مع الرؤية القائلة بضرورة التعامل الحكيم مع كل أشكال البذاءة والإساءة للدين الإسلامي أو للرسول صلى الله عليه وسلم، فالقاعدة الثابتة أن أي إساءة مهما كانت ينبغي محاصرتها ووأدها في مهدها عبر تجاهلها التام وعدم نشرها والترويج لها بأي حال من الأحوال.
ورحم الله الفاروق عمر رضي الله عنه حين قال: "إن لله عبادا يميتون الباطل بهجره، ويحيون الحق بذكره".
لكننا نعيش اليوم ظروفا خاصة تملي علينا إعمال الاستثناء خارج منطوق القاعدة، وتجعل فيما جرى رغم بعض التداعيات السلبية التي خلّفها مجلبة للعديد من الفوائد الواضحة والمكاسب الهامة التي جنتها الأمة.
المكسب الأول يتمثل في أن ما جرى أحيا الأمة من جديد، وأيقظ فيها مشاعر النخوة والكرامة والانتصار لرسولها ودينها بعد حال ركود وخمود، فانتفضت بالملايين دفاعا عن نبيها الكريم في مشارق الأرض ومغاربها، وأعلنت استعدادها للتضحية بالروح والمال وبالغالي والنفيس فداء له في مشاهد مجلجلة أعادت للأمة كرامتها الضائعة وهيبتها المفقودة.
المكسب الثاني يكمن في زيادة رقعة انتشار الدين التي تسبب لها الفيلم المسيء، فقد تسبب الجدل الصاخب الذي أعقب نشر الفيلم القذر في شيوع حالة من الفضول والرغبة في استكشاف طبيعة الدين الإسلامي لدى طائفة من الناس، وهو ما تُوّج بإسلام عدد مهم منهم بعدما أدركوا يقينا حقيقة الرسالة الإنسانية النبيلة التي يحملها الدين الإسلامي لخدمة البشرية، وانتشالها من معضلاتها المختلفة، وإنقاذها من أزماتها المادية والروحية الراهنة.
المكسب الثالث يبدو أوضح ما يكون في افتضاح حقيقة المواقف الدولية المعادية للأمة وعقيدتها، وعلى رأسها الموقف الأميركي المتواطئ الذي رفض تقديم أي شكل من أشكال الاعتذار عن الجريمة النكراء التي اقترفها أحد المواطنين الأميركيين، بل وبلغت به وقاحته حدّ ممارسة التهديد العلني والوعيد المفضوح لبعض الدول العربية جراء قيام الجماهير الثائرة باستهداف بعض سفاراتها وقنصلياتها.
المكسب الرابع يتجسد في الحراك الهام الذي أحدثه الفيلم في الدوائر الفكرية والثقافية والفنية العربية والإسلامية، فقد استفز الفيلم مكنونات الإبداع لدى العقل العربي في الإطارات الفكرية والثقافية والفنية، لتشهد الساحة العربية والإسلامية والدولية جهودا حثيثة لتوليد نتاج فكري وثقافي وفني مضاد في مواجهة الهجمة البربرية على المعتقدات والرموز والمقدسات الإسلامية.
المكسب الأخير يظهر نقاط القوة والضعف في الأمة وأبنائها، فقد كشفت التداعيات التي أعقبت نشر الفيلم عن فرز حقيقي في صفوف قادة الأمة ومثقفيها، وكشفت النقاب عن العديد من أصحاب النفوس المريضة الذين جاهروا بمواقفهم البغيضة للدين والرسول والمقدسات، بل إن أحدهم –مصري الجنسية وأعمى البصيرة- بلغت به سفاهته حدّ إنكار التدخل المصري في مواجهة الفيلم المسيء لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ليس مصريا.
أيا يكن الأمر، فإن مكر الماكرين قد ارتد إلى نحورهم، وخابت مخططاتهم، فهؤلاء جميعا لا يدركون أن الله حافظ دينه، وناصر نبيه، وأن الأمة مهما اختلفت في شؤون سياستها إلا أنها لا يمكن أن تختلف أو تتأخر عن نصرة دينها ورسولها ومقدساتها.