قائمة الموقع

ارتقى في "الفرقان"..غزة تشيع شهيدا انفض عزاءه قبل 6 أشهر

2009-08-02T18:20:00+03:00

غزة- فادي الحسني

صعق محمد شبانة وهو شاب عشريني عندما سمع نبأ العثور على جثة صديقه عبد الله نعيم، الذي اعتقد أنه استشهد داخل أحد الأبنية السكنية في منطقة "تل الهوى" التي داهمتها الوحدات الخاصة الإسرائيلية خلال معركة الفرقان قبل ستة أشهر.

يصطف شبانة مع جملة رجال تربطهم علاقات قرابة بالشهيد، أمام ثلاجات الموتى في مستشفى الشفاء بغزة، بعضهم يتقبل التعازي وآخرون يساورهم الشك بألا تكون الجثة التي عثر عليها رجال الإسعاف هي بالفعل للشهيد نعيم، لاسيما أن الجثة لا تحمل أية ملامح.

لكن شبانة صاحب اللحية التي بللتها الدموع، يقطع شكهم بيقينه "هذه هي جثة عبد الله..تعرفت عليها من خلال حذائه وبعض بقايا بزته العسكرية التي كان يرتديها أثناء مقاومته لجيش الاحتلال".

بقي الصمت والحزن يسيطران معاً على ذوي الشهيد، أما والده فكأن الصدمة عقدت لسانه عن الحديث، حيث رفض الإدلاء "للرسالة نت" بأية معلومة عن نجله الذي ظن أن جثته تفحمت داخل الشقة السكنية التي نسفها الجيش الإسرائيلي.

وفوجئ عمال غزيون يعملون على ازالة مخلفات الحرب على غزة، ببقايا جثة متحللة، تحت ركام أحد المنازل المدمرة بالقرب من برج واعد في منطقة الجامعة الإسلامية.

وتداعى رجال الإسعاف والطورائ ورجال الدفاع المدني، لانتشال الجثة التي بدت متفحمة وعليها أثار عفن.

ويؤكد مدير الإسعاف والطوارئ د.معاوية حسنين أن رجلا الاسعاف سعيد أبو هين ومؤمن تمكنا بحذر شديد انتشال الجثة المتحللة من تحت الأنقاض، لكنهما لم يعثران على أية إثبات شخصية تدلل على هوية الشهيد، مما يرفع عدد شهداء الحرب إلى 1505 شهداء.

ويشير حسنين إلى أن الطواقم الطبية قد حولت الجثة للطب الشرعي، لأخذ كافة العينات التي من الممكن أن تساعد في التحقق من هوية الشهيد.

ووضع عدد من ذوي الشهيد أكفهم فوق رؤوسهم، كأن الجرح المندمل نكئ مجدداً، إلى حدٍ منعهم من الحديث لوسائل الإعلام، بيد أن الشاب شبانة اتكأ على جدار يستذكر صداقته التي دفنت قبل ستة أشهر، وفتح بيت عزائها، وارتوى المعزون من قهوتها المرة.

يقول شبانة :"النبأ كان أقرب للخيال منه إلى الواقع.. لم أتمالك نفسي حينما شاهدت الجثة، فسقطت من هول ما رأيت، لم يخيل لي أن أرى صديقي عبد الله بهذا المشهد المروع".

ونقل عن شهود عيان أن عبد الله نعيم وشقيقه محمود اللذين يعملا في صفوف المقاومة، كانا يتواجدان داخل شقة سكنية برفقة مقاوم آخر، كامنين للقوات الإسرائيلية التي توغلت في منطقة "تل الهوى".

ويروي شاب يعمل في صفوف المقاومة لـ"الرسالة نت" تفاصيل استشهاد نعيم "عندما اقتحم الجيش الإسرائيلي البناية التي كان يتواجد فيها الشقيقان عبد الله ومحمود نعيم،و اشتبك المقاومون الثلاثة معهم وواجهوهم بالقذائف، واستمرت المواجهة عشرين دقيقة.

ويضيف المقاوم "سقط خلال العملية الشهيد محمود، فيما أصيب عبد الله بشظايا في مناطق متفرقة من جسده، لكن المقاوم الثالث نجا بفضل الله".

ويتابع: "اتكأ عبد الله على زميله الناجي، وحاولا القفز من نافذة الشقة الواقعة في الطابق السفلي من البناية، لكن عبد الله لم يقو على ذلك بفعل النزيف الذي أنهكه، مما اضطر زميله للقفز وحده، وبالفعل استطاع الإفلات من قبضة الموت".

ويرجح أن يكون الشهيد عبد الله –وهو طالب في كلية الشريعة بالجامعة الإسلامية-قد قفز من النافذة ذاتها، بعد أن اشتد قصف الطائرات للبناية التي يتواجد بداخلها، خاصة وأن رجال الإسعاف قد عثروا على الجثة أسفل النافذة.

وفتحت عائلة الشهيدين عبد الله ومحمود نعيم بيت عزاء لولديهما، عقب الحرب التي امتدت على مدار اثنين وعشرين يوما، دون أن تواري جثمان أحد منهم الثرى، على اعتبار أنهما قد تفحما داخل الشقة التي ضربت أيضا بقذائف الفسفور الحارق.

إلا أنه وبعد اكتشاف الجثة شرع مجددا ذوو الشهيد نعيم بفتح بيت عزاء، عقب مواراة جثته الثرى في مقبرة الشيخ رضوان وسط غزة.

وليس ببعيد عن الشهداء، فإن المباني أيضا التي دمر أجزاء منها، واعتقد أصحابها أنها أكثر أمنا من الخيام الإغاثية، واحتموا بها من حر تموز، قد خيبت ظنونهم وسقطت فوق رؤوسهم، مخلفة ضحايا جدد للحرب العدوانية الأخيرة.

ربما اكتشاف جثة الشهيد نعيم لن تكون الأخيرة، لاسيما أن العديد من الضحايا لا تزال جثثهم مفقودة، وكلما استمر التنقيب وإزالة الركام كلما نكأت جراح واكتشفت فظائع.

 

اخبار ذات صلة
فِي حُبِّ الشَّهِيدْ
2018-04-21T06:25:08+03:00