قائمة الموقع

التحول في مستوى الأهداف (الإسرائيلية) من العقوبات على إيران

2012-10-08T08:25:49+02:00
(صورة أرشيفية)
د. صالح النعامي

المفارقة أنه في أعقاب خطاب " الخطوط الحمراء "، الذي ألقاه رئيس الوزراء الصهيوني أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، تبين إن (إسرائيل) غير جادة في توجيه ضربة عسكرية للبرنامج النووي الإيراني، وأن الرهان (الإسرائيلي) الحقيقي هو على عوائد العقوبات الاقتصادية التي يفرضها الغرب على إيران. ومما يجسد عمق الرهان الصهيوني على العقوبات الاقتصادية الغربية على طهران هو أن النخبة الحاكمة في (تل أبيب) انتقلت من الحديث عن وقف المشروع النووي، إلى تغيير النظام القائم في طهران حالياً، وهو ما عبر عنه وزير الخارجية الصهيوني أفيغدور ليبرمان.

 ما شجع الصهاينة على هذا التحول هو تحديداً هو ما يعتبرونه دلائل على التأثير العميق للعقوبات الاقتصادية على تماسك الجمهور الإيراني حول النظام في طهران، لا سيما في ظل التقارير التي تؤكد تدهور قيمة الريال الإيراني مقابل الدولار، والذي فتح شهية الصهاينة وأغراهم بالرهان على العقوبات الغربية هو الحديث عن توجه الاتحاد الأوروبي عن خطة عقوبات اقتصادية جديدة تهدف بشكل أساسي إلى إسقاط النظام وليس وقف البرنامج النووي.

تحرك أمريكي ناجح

إن التحول في الموقف (الإسرائيلي) نابع بشكل أساسي من تراجع الرهان على العمل العسكري، لا سيما بعدما أظهرت إدارة أوباما موقفاً حازماً وارفضاً لأي مخطط (إسرائيلي) لضرب إيران. وقد حرصت إدارة الرئيس أوباما على إظهار معارضتها لأية ضربة (إسرائيلية) للمنشآت النووية الإيرانية قبل الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة. وقد ترجمت الإدارة موقفها في إعلان رئيس أركان الجيش الأمريكي الجنرال مارتن ديمبسي بأن الولايات المتحدة ليست ملزمة بالتورط في أي خطوة عسكرية تقدم عليها (إسرائيل) ضد إيران، علاوة على قيام البنتاجون بسحب ثلثي الجنود الأمريكيين الذين يشاركون في مناورة عسكرية مشتركة مع الجيش (الإسرائيلي). لكن مما لا شك فيه أن أوضح مؤشر على عمق الخلاف بين الجانبين تمثل في التلاسن العلني بين رئيس الوزراء (الإسرائيلي) بنيامين نتنياهو والسفير الأمريكي في (إسرائيل) دانيل شابيرو، الذي اشتاط غضباً عندما اتهم نتنياهو أمامه أوباما بعدم الجدية في مواجهة المشروع النووي الإيراني.  فعلى الرغم من أن كل من حكومة نتنياهو وإدارة أوباما تعلنان بأنه لا يمكن التسليم بتحول إيران إلى قوة نووية، إلا أن هناك خلافا واضحا بين الجانبين في كل ما يتعلق بتحديد الخط الأحمر، الذي يتعين توجيه ضربة عسكرية لإيران في حال تجاوزته. فالخط الأحمر (الإسرائيلي) يبدأ عندما تتمكن إيران من تطوير القدرة التقنية التي تضمن في النهاية تخصيب اليورانيوم بنسبة وبكمية تكفي لإنتاج قنبلة نووية، ذلك حتى قبل أن تتمكن إيران من الحصول بالفعل على هذه الكمية؛ في حين أن الخط الأحمر الأمريكي يبدأ عندما تنتج إيران يورانيوم مخصب يكفي لإنتاج رأس نووي. من هنا فإن (إسرائيل) باتت تعلن أن أية عقوبات اقتصادية وسياسية تفرض على إيران حالياً لن تنجح في الحيلولة دون تمكن إيران من انتاج السلاح النووي، لأنها حققت القدرة التقنية الكفيلة بإنتاج ما يكفي من اليورانيوم اللازم لإنتاج السلاح النووي. من هنا، فإن المتحدثين باسم الحكومة (الإسرائيلية) يذهبون إلى حد الزعم بأنه بحلول فبراير 2013 سيكون لدى إيران ما يكفي من اليورانيوم الذي يكفي لتطوير قنبلة نووية. وفي المقابل، فإن الأمريكيين يرون أنه حتى لو تمكنت إيران من الحصول على التقنيات الكفيلة بإنتاج ما يكفي من اليورانيوم لإنتاج رأس نووي، فإن تكثيف العقوبات الاقتصادية سيكون بوسعها إقناع صناع القرار في طهران بالعدول عن تحقيق هذا الهدف.

مساعدة رومني

 لكن أكثر ما يقلق إدارة أوباما أن يصدر نتنياهو تعليماته لضرب إيران قبل موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية، لأن هذا يعني توريط الولايات المتحدة الأمريكية في حرب إقليمية، بشكل يعزز فرص المرشح الجمهوري ميت رومي بالفوز في الانتخابات الرئاسية التي ستجرى بعد أقل من شهر. لأن ضرب إيران سيؤدي فوراً إلى ارتفاع أسعار النفط بشكل جنوني، مما يفاقم أزمات الاقتصاد الأمريكي عشية الانتخابات، وهذا بدوره يسهم في تراجع فرص أوباما بالفوز. لذا ولأن أوباما يعي بأن نتنياهو يمكن أن يجره للمربع الذي يحذر الوصول إليه، وبالتالي، فإنه حرص على الضغط عليه بكل السبل لدفعه للإقلاع عن فكرة ضرب إيران قبيل الانتخابات الرئاسية. وقد حرص أوباما على الالتفاف على نتنياهو من خلال محاولة استمالة الرأي العام (الإسرائيلي) وتجنيده ضد ضربة عسكرية لإيران، وذلك من خلال الزيارات الدورية التي يقوم بها كبار المسؤولين الأمريكيين ل(تل أبيب)، التي يحرصون خلالها التأكيد على التزام واشنطن بمنع إيران من تطوير سلاح نووي. وفي الوقت ذاته حرص القادة العسكريون الأمريكيون على التشكيك علانية في قدرة (إسرائيل) على القضاء على البرنامج النووي الإيراني بمفردها، كما فعل الجنرال ديمبسي. وقد فطن أوباما إلى استغلال معارضة المستويات العسكرية وقيادات حزبية وسياسية (إسرائيلية) لتوجهات نتنياهو بضرب إيران وتوظيف هذه المعارضة في محاولة إحراج نتنياهو أمام الرأي العام (الإسرائيلي)، وتقليص هامش المناورة أمامه. وقد شرع مسؤولو الإدارة وقادة الجيش والاستخبارات الأمريكية في فتح قنوات اتصال مع القيادات العسكرية والسياسية (الإسرائيلية) وإقناعها بالتحرك ضد توجهات نتنياهو. وقد حقق الأمريكيون نجاحات كبيرة في هذا المجال، تمثلت في إقناع الرئيس (الإسرائيلي) شمعون بيريس بتوجيه انتقادات حادة لنتنياهو بسبب ميله لتوجيه ضربة عسكرية لإيران بدون التنسيق المسبق مع الولايات المتحدة. وقد بادر بيريس، الذي تقضي أعراف الحكم في (إسرائيل) بعدم تدخله في القضايا الخلافية، إلى إجراء مقابلات مع قنوات التلفزة والصحف الرائدة في (إسرائيل) للتأكيد على أنه لا يجدر بإسرائيل الخروج لعمل عسكري كبير ضد إيران دون التنسيق المسبق مع أوثق حلفائها الولايات المتحدة. وقد فتحت تصريحات بيريس الباب لسيل من الانتقادات لتوجهات نتنياهو، حيث عبر معظم كتاب الأعمدة وكبار المعلقين في وسائل الإعلام (الإسرائيلية) عن رفضهم لتوجهات نتنياهو والتحذير من مآلاتها " الكارثية ".

لقد شعر نتنياهو أنه غير قادر على تمرير قرار بتوجيه ضربة عسكرية لإيران داخل الحكومة وبقبول الجيش، وبدعم الرأي العام الصهيوني، لذا فقد انتقل للرهان على العقوبات الاقتصادية لكي تحقق نتائج أكبر من مجرد القضاء على برنامج طهران النووي.

اخبار ذات صلة
فِي حُبِّ الشَّهِيدْ
2018-04-21T06:25:08+03:00