قبل اسبوع مضى استيقظت مدينة بيت لاهيا على شمس الحرية التي اسدلت خيوطها الذهبية على ازقتها لتعلن عودة بطل جديد غيبته سجون الاحتلال ثماني سنوات ، لانتمائه لكتائب القسام والمشاركة في انشطة المقاومة إنه الاسير المحرر نسيم مسلم 27 عاما.
ودع المحرر اخوانه في زنازين الاحتلال لينتعش بنسيم الحرية بعدما قضى سنوات سجنه مع أبطال مثله عشقوا المقاومة وحب الوطن ، فأقسم أن حريته لن تشغله عنهم بل سيعتبرها المحطة الأولى التي سيحمل فيها قضيتهم للعالم كما فعل غيره من المحررين.
"الرسالة" تمكنت من خطف المحرر مسلم من بين ضيوفه المهنئين ليتحدث عن ظروف اعتقاله وتجربته داخل السجون (الإسرائيلية).
المؤذن أبو سيسي
في غرفة اعدتها عائلة مسلم لاستقبال المهنئين جلس ابنهم المحرر ومن حوله إخوانه واقاربه مسترجعا بذاكرته ظروف اعتقاله قائلا :" حينما كنت في سن التاسعة عشرة ذهبت برفقة اهلي الى مصر لعمل فحوصات لنا فأخي الذي يصغرني كان بحاجة لزراعة نخاع شوكي".
فور وصولي لمعبر رفح البري اعتقلت، ومن ثم -يضيف مسلم- حولت الى سجن عسقلان تحت الضرب والتعذيب .
صمت مسلم قليلا وبات ينبش بذاكرته ليتابع: "بقيت تحت رحم المحقق مدة 18 يوما وفي غرفة شديدة البرودة وحينما اتذمر يشعلون التدفئة حتى وصلت للموت"، موضحا انه تمت ممارسة الضغوط النفسية كافة للضغط عليه ليعترف بانتمائه لكتائب القسام.
واكد مسلم أنه لم يعرف طعما للنوم في اول ليلة قضاها في المعتقلات (الإسرائيلية) لتذكره ذويه، ولكن ما خفف عنه وحدته احتضان الاسرى له ومساعدته ليخرج من حالته ، مشيرا إلى أنه على شخصيات كبيرة كان لها وقع الاثر في حياته فتعلم منها الصبر وتحمل الشدائد.
ومن الشخصيات التي تركت أثرا في حياته داخل المعتقل أوضح أن الشيخ حسن يوسف كان بمثابة الاب الحنون الصادق مع المعتقلين كونه صاحب خبرة في الحياة، بالإضافة إلى مبعدي مرج الزهور كالنائب خالد طافش وعدد من قيادات حركة حماس ، مبينا أنه التقى بجمال أبو الهيجا لحظة خروجه من العزل وقتئذ هرع المعتقلين للسلام عليه وهم يبكون لكنه كان صلبا وقويا.
وروى أنه في اخر ساعات من اعتقاله انتقل إلى سجن يعتقل به ضرار ابو سيسي، مشيرا الى انه تعرف عليه حينما صدح صوت الاخير بالآذان.
ووصف ضيفنا وضع زميله بالسيء فهو يعاني الكثير من الامراض كالضغط والسكري ونقص حاد بالوزن، موضحا ان أبو سيسي يعتب على الفصائل الفلسطينية التي لم تخرجه من أسره.
ووفقا لمسلم فقد كان السجن بالنسبة إليه مدرسة استفاد على المجال السياسي والاقتصادي والأمني وغيره ، إلى جانب انتهائه من دراسة دبلوم الخدمة الاجتماعية.
مواقف كثيرة تحدث خارج المعتقل ويتمنى حينئذ الاسير مشاركة ذويه فيها، وعن ذلك يوضح ضيفنا أن أهله كانوا يخبئون عليه الكثير من المناسبات كي لا يؤثر ذلك على نفسيته ، مبينا أن من ضمن الذكريات التي آلمته استشهاد اثنين من اصدقائه فقد علم بها من خلال وسائل الاعلام.
طوال المقابلة كانت تقاطعنا حركة طفل صغير يبلغ العامين من عمره، فقد كان يأتي ليلهو بالقرب من المحرر مسلم، مما دعاه للقول: "أخي الصغير هذا اجمل شيء رأيته عند خروجي من المعتقل ".
رجل الموساد (الإسرائيلي)
واعتبر مسلم الحرية حلم كل أسير مجرد أن تطأ قدمه المعتقل لذا يعيش الاسرى على امل رؤية شمس الحرية ولو بعد حين ، موضحا أن الأسرى خلف أقبية السجون يتعطشون لصفقة جديدة تجعلهم ينعمون بالحرية كإخوانهم المحررين.
قاطعنا الحديث حازم شقيق الاسير المحرر قائلا :" طوال السنوات الـ8 كنت اشعر بالذنب لان اخي اعتقل بسببي"، وأضاف: كنت في السنوات الماضية انظر إلى صوره وأبكي فهو يكبرني بعام وطوال الوقت كنا سويا .
وتابع محاولا اخفاء دمعته :" حينما اطلق سراح شقيقي هرعت إليه واحتضنته طالبا منه المسامحة ، ورغم مناسبة نجاحي في دراستي الا ان لحظة رؤيته هي الاجمل لقلبي ".
وفي الوقت الذي كانت تجرى "الرسالة" مقابلتها مع المحرر كانت والدته منشغلة باستقبال المهنئين وعبرت عن فرحتها بحرية ابنها قائلة :" الحمد لله الذي اكرمني برؤية ولدي ، سنوات صعبة قضيناها دونه كونه الابن البكر لنا".
عاد مسلم ليروي معاناة اخوانه داخل السجون حيث ذكر أن الاسرى علقوا امالهم على صفقة جديدة حينما القي القبض على رجل الموساد (الإسرائيلي) قبل شهور في مصر ، لكن تسليم السلطات المصرية للجندي مقابل المصريين الجنائيين في (إسرائيل) احبطهم، لافتا إلى أن الكثير من المصريين الامنين تألموا داخل السجون من موقف دولتهم فقد توقعوا الافراج عنهم وعن الفلسطينيين.
الاضراب أقسى سلاح
وفي حديث عن الاضراب الذي يخوضه الأسرى علق ضيفنا مسلم :" أقسى سلاح لنا هو الاضراب، وهدفه الضغط على ادارة السجون لتحقيق مطالبنا رغم يقيننا أن نهايته قد ؤدي بنا إلى الاستشهاد".
وروى تجربته مع الاضراب، قائلا انه خسر 17 كيلو من وزنه خلال 28 يوما لدرجة انه كان لا يستطيع المشي لامتار قليلة ، موضحا انه تم عزله في سجن منفرد في الوقت الذي كان فيه مع عداد الاموات.
وبين ان مطالبه وقت اعلانه حالة الاضراب كانت السماح لذويه بزيارته والحفاظ على كرامة الاسرى واخراج المعزولين وانهاء سياسة التفتيش العاري الى جانب تحسين الظروف المعيشية.
ووصف معاملة طبيب السجن بالسيئة، مستحضرا موقفا حينما رافق احد الاسرى وهو مصاب بالصرع إلى العيادة حيث أمسك الطبيب الإبرة وكأنها سكين وغرسها في الوريد دون رحمة.
ولفت الى ان اخوانه الأسرى حملوه رسالة الى الفصائل الفلسطينية بأسر شاليط اخر ليتم الافراج عنهم، بالإضافة الى مواصلة الاهتمام بتفعيل قضية الاسرى على الجوانب كافة.
وعلى صعيد المشاريع المستقبلية التي ينوى المحرر مسلم القيام بها قال :" سأكمل دراستي الجامعية ومواصلة الاهتمام بقضية اخواني الاسرى حتى الافراج عنهم".
في الختام نهض ضيفنا المحرر مستأذنا لاستقبال عدد من أصدقائه الاسرى المحررين الذين جاءوا لتهنئته بالسلامة فطالما عاشوا في غرفة واحدة تقاسموا فيها ذكرياتهم.