دخلت عند الحادية عشرة قاعة درسي K1-301 فوجدتها بلا كرسي كالعادة، فاتصلت بنائب رئيس الجامعة للشؤون الإدارية بحكم اختصاصه ومسؤوليته، وطالبته بأن يؤمن لي كرسي، فخرج الأخير بقرار يمنع بموجبه الأستاذ من الجلوس على الكراسي ! وقال: "كل أستاذ يجلس على الكرسي أثناء المحاضرة هو ليس أستاذاً جيداً، وسأصدر قراراً بسحبه من القاعات ويمنع على المحاضرين الجلوس".
ما سبق هو عبارة عن ملخص حديث جرى بين أستاذ الأدب الإنجليزي بجامعة الأزهر في غزة د. أيوب عثمان مع نائب رئيس الجامعة للشؤون الإدارية والمالية، ينتقد فيها الأول جملة أخطاء تحصل بالجامعة دون تغيير وإصلاح أبرزها غياب "كرسي الأستاذ الجامعي".
وأعلن أيوب التحدي وهدد نائب رئيس الجامعة مخاطباً إياه: "اسمع جيداً ما سأقول، أنا أتحداك وسأتحدى كل من هم أكبر منك وأقول لك: أقسم بالله العلي العظيم أن قراراً كهذا بسحب الكراسي إن صدر وطبق، فلن أدخل القاعة".
أغلق أيوب الهاتف في وجه النائب؛ قطعاً لدابر الترهات –وفق تعبيره- وسرعان ما شكلت إدارة جامعة الأزهر لجنة تحقيق مع أستاذ الأدب الإنجليزي.
يقول أيوب –في حوار خاص مع "الرسالة نت"- إنه يهوى كتابة المقالات بأنواعها السياسية والاجتماعية والأكاديمية بصفته أستاذاً جامعياً، وعمل سابقاً كاتب برامج في (راديو جدة) بالسعودية، وأوكل إليه مهمة كتابة "التعليق السياسي" وكان يدير خمسة برامج سياسية وإعلامية وأدبية وجميعها باللغة الإنجليزية.
منذ نشأة جامعة الأزهر وأيوب يخوض صراعاً –بحسب حديثه- مع الإدارة لتحقيق جملة مطالب تخدم الكادر الأكاديمي والطلاب كذلك، وآخر ثلاثة مقالات كتبها أثرت الصراع واحتدم الخلاف لدرجة تشكيل لجنة تحقيق مع الأستاذ الجامعي.
طالب أيوب في مقالاته الثلاثة الأخيرة بوضع حلول جذرية وفورية لمشاكل توفير المقاعد للأساتذة وصيانة قاعات الدراسة وتنظيف دورات المياه وإزالة العبارات المكتوبة على جدرانها والتي تخدش الحياء العام، إضافة إلى وضع حلول للإزعاج والفوضى الناتجة عن أعمال البناء في الجامعة والتي تؤثر على استيعاب الطلاب لدروسهم بشكل كبير.
يقول الاستاذ الجامعي إنه ارتأي كتابة المقالات وعرضها على الرأي العام؛ نظراً لتجاهل إدارة الجامعة لمراسلات وخطابات داخلية ومقالات سابقة جعلتها حبيسة الأدراج.
"الرسالة نت" هاتفت أ.د علي النجار نائب الرئيس للشؤون الإدارية والمالية بالأزهر، للتعليق على قضية أيوب فأجاب بالقول: "كنت أتمنى عليه أن ينتقد نفسه، ويتحدث عن إنجازاته الأكاديمية وهو له عشرات السنين بالجامعة".
ويضيف: "تلميذه د. إياد جاد الحق أضحى أستاذاً مشاركاً، وأيوب ما زال على حاله أستاذا مساعدا".
وأكد النجار أن جامعة الأزهر ترحب بالنقد البناء الذي يخدم مصلحة المؤسسة، وترفض النقد الهدَّام و"النقد لأجل النقد".
مد وجزر
يقول أيوب إنه في ذات الأيام دعت نقابة العاملين بالجامعة إلى المشاركة في اعتصام لدعم رئيس السلطة محمود عباس في توجهه إلى الأمم المتحدة لطلب الدولة، فسارع إلى كتابة مقال أثار غضب الإدارة ومجلس الأمناء فيها، وحمل عنوان: "أيطالبوننا بالاعتصام دعماً لرئيس شهد مجاناً أن إسرائيل وجدت لتبقى".
والمرة الثانية في صراعه مع الإدارة، عندما دعته الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان إلى المشاركة في ندوة حول "الحريات الأكاديمية"، فشرح أيوب للمشاركين الوضع الأكاديمي بالأزهر و"الترهل" الإداري فيها.
واتهمت الإدارة أيوب بالقذف والتشهير، ورد عليهم بمقال حمل عنوان: "أما من أحد ينتصر لهذه الجامعة فيغار عليها ويترفق بها؟!" جاء فيه: "أيها المسؤولون عن الجامعة... أيها المسؤولون عنها تنفيذاً وإدارة وتشريعاً ومراقبة ومحاسبة... يا من استخلفتم فيها وأؤتمنتم على مستقبلها ومسيرتها ومكنتم من أمرها بفعل الظرف السياسي والانقسام البغيض كما لم يمكن أحد من قبلكم على تفاصيل يومها وغدها، ماذا فعلتم لقاء استخلافكم فيها وائتمانكم عليها؟! ".
ويؤكد أيوب أن مجلس الأمناء هو الذي يدير الجامعة وليس الإدارة، وبالأخص "رئيس المجلس". وفق قوله.
وجامعة الأزهر هي مؤسسة فلسطينية للتعليم العالي أسست عام 1991، وجاء قرار إنشائها على يد الرئيس الراحل ياسر عرفات.
بدأت الأزهر بكليتين فقط هما: كلية الشريعة والقانون (الحقوق الآن) وكلية التربية, وفي العام 1992 جرى إنشاء أربع كليات أخرى هي: الصيدلة، الزراعة، العلوم، والآداب الإنسانية، ثم أضيفت لها في العام 1993 كلية سابعة وهي كلية الاقتصاد والعلوم الإدارية، واتسعت فيما بعد لتشمل كليات آخرى كـ "كلية هندسة الحاسوب وتكنولوجيا المعلومات".
وقد انطلقت الجامعة في ظروف صعبة وأخذت بشكل مطرد نحو إقامة المباني المستقلة والمختبرات العلمية الحديثة ومكتبتها الجديدة.
المقال الأخير
المقال الثالث والأخير لأيوب حمل عنوان "أتحداه وأتحداهم" ومناسبته جاءت كما ذكرنا سالفاً، عندما أقدم الأستاذ الجامعي على دخول قاعة المحاضرات ولم يجد كرسياً يجلس عليه فخاطب الإدارة التي قابلت الطلب بـ "لجنة تحقيق".
ويتساءل النجار: "هل يحق لأستاذ اللغة الانجليزية أو الرياضيات أو الفيزياء أن يشرح لطلابه وهو جالس؟، الأنسب في هذه الحالة أن نحضر رجلاً كفيفاً لتدريس الطلبة ! ".
وقال: "أتمنى على الرسالة أن تزورني زيارة مفاجئة بالجامعة، كي نتجول سوياً على القاعات إن كان هناك ما يقول أيوب أم لا، وإن صح حديثه فسنعترف وقتها بأن أيوب أصاب وأخطأت الأزهر".
ويعلق أيوب على خطوة الإدارة بالقول: " كنت رائداً من رواد الجامعة قبل نشأتها، وأعلنت أن يدي اليمني هي التي تلقت قرار إنشاء الأزهر من ياسر عرفات بصفته رئيساً لمنظمة التحرير الفلسطينية بتاريخ 14/1/1991، وهي ذات اليد التي سلمت القرار إلى المؤسس الأول للجامعة د. رياض الخضري".
ويرأس إدارة الجامعة حالياً د. عبد الخالق الفرا، ونائبه للشؤون الأكاديمية سامي مصلح، والإدارية والمالية علي النجار، ومجلس الأمناء يرأسه د. عبد الرحمن حمد.
ويقول أيوب: "لا أُكِنُ للأزهر أي عداء، لكن اختلافي مع الإدارة إنما هو لمصلحة الجامعة، فالدكتور عبد الرحمن حمد صديقي وأعتز بصداقته حتى الآن، وأدعوه إلى أن يعود إلى جادة الحق والصواب".
ويضيف: "خلافاتي في الأصل مع الإدارة؛ لأنه محظور عليَّ أن أخاطب مجلس الأمناء بالجامعة إلا عبر إدارتها".
وذكر أنه بعدما لاقت كتاباته صدى واسعاً في أوساط الرأي العام الفلسطيني، أصدر رئيس الجامعة تعميماً على جميع الأساتذة بمنع النشر الخارجي، وطلب بإرسال أي مقال إلى الإدارة لنشره في موقع الجامعة.
ولفت أيوب إلى أنه سارع فوراً إلى كتابة مقال وأرسله لرئيس الجامعة، وأرسل له رسالة جاء فيها: "عملاً بقراركم يرجي نشر المقال على موقع الجامعة"، وانتظر الأستاذ أسبوعاً كاملاً ولم ينشر حتى أرسل له مجدداً رسالة تذكير، وبعدها بستة أيام لم ينشر المقال البتة، فارتأى نشره خارجاً.
وطالب أيوب بضرورة تشكل رأي عام ضاغط على إدارة الجامعة المسؤول الأول عما يجري بداخلها، مؤكداً استعداده لإجراء مناظرة مع رئاسة الجامعة لإظهار الحقيقة، كما تساءل عن دور فصائل منظمة التحرير والتي يشغل بعض أعضاءها مناصب في مجلس أمناء جامعة الأزهر.
41 مفسدة
يشير الأستاذ الجامعي إلى أنه فُصِل من الجامعة مرتين من قبل، وعاد إلى عمله بقوة القانون والمحاكم، وفق قوله.
ويذكر أيوب أنه عُيَّن عام 2007 نائباً لرئيس الجامعة للشؤون الإدارية والمالية، وخلال ثلاثة أشهر ونصف سجَّل 41 مفسدة بالأزهر مدعمة بـ 104 مستندات، قدَّم على إثرها استقالته فوراً.
ونبه إلى أن الاستقالة التي قدَّمها هي "احتجاجية مُسَبَبَة" بمعنى أن الإدارة لا ينبغي أن تقبل بها حتى يُنظَر في سبب الاستقالة، وهو ما لم يحدث مع د. أيوب الذي سارعت الإدارة بقبول استقالته دون النظر في فحواها ! والحديث منسوب لـ أيوب.
ويرد النجار: "ماذا عمل أيوب يوم أن كان نائباً لرئيس الجامعة؟، في فترة رئاستي الآن هناك كرسي وطاولة في كل قاعة دراسية، وفي عهده لم يكن هناك كرسياً ولا طاولة".
وتابع: "كنت أتمنى أن يتحدث عن الأزمة المالية الخانقة بالأزهر وأزمة المباني، لماذا لم يقل أنقذوا الجامعة يا سلطة يا مسؤولة؟!".
وختم قائلاً: "أنا الآن أستاذ في الحديث الشريف، ولا أذكر خلال الـ31 عاماً في التدريس -14 عاماً في الجامعة الاسلامية والباقي في الأزهر- أني جلست على كرسي! مع أنه متواجد أمامي"، مستدركاً: "أيوب للأسف كله عيوب، يعتقد أن جامعة الأزهر تعيش في دارفور!".