باسم عبد الله أبو عطايا
صمت دهرا ونطق كفرا يمكن أن نعتبر هذا القول أدق توصيف لما جاء في خطاب رئيس وزراء دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو ، هذا الخطاب الذي جاء محددا لسياسات هذه الحكومة اليمينية المتطرفة فكانت كلماته تعبر عن مدى الاستهتار والاحتقار لكل مدعي السلام والحلول التفاوضية وضربة لكل من انتمى لما يعرف بمعسكر الاعتدال سواء على المستوى الفلسطيني أو حتى العربي.
خطاب جاء ضاربا عرض الحائط بكل الاتفاقات السابقة والتعهدات الدولية بإقامة دولة فلسطينية ذات حدود وسيادة فقد أعلن نتنياهو وبكل صراحة لا للدولة الفلسطينية المستقلة ، لا لوقف الاستيطان لا لحق العودة ، القدس عاصمة اسرائيل الأبدية ، وشرط أساسي لكل هذه اللاءات اعتراف فلسطيني علني وصريح بيهودية دولة الاحتلال هذا باختصار شديد ما حدده نتنياهو للسير في اي عملية تفاوضية مع فريق رام الله الذي تلقى صفعة أخرى مخزية في رهانه على الطرف الاسرائيلى في إعطائه أرضا ودولة بالطرق السلمية.
**فى ميزان الربح والخسارة
بالرغم من أن خطاب نتنياهو قوبل ببعض الرضى في الساحة الإسرائيلية مع بعض الاعتراض على مجرد ذكر الدولة الفلسطينية والتي لم تذكر إلا مرة واحدة فقط في أثناء خطابه ، نتنياهو تحدث مباشرة عن إقامة دولة فلسطينية اذا ما استوفيت كل الشروط، دون أن يقول عبارة "دولة فلسطينية".
نعم قد يكون نتنياهو نجح في الحفاظ على ائتلافه الحكومي لكنه خسر كثيرا على المستوى الاقليمى والدولي خسر إقليميا على سبيل المثال الدولة العربية المنتمية حسب التعريف الامريكى الاسرائيلى " دول الاعتدال العربي " التي وجدت نفسها غاية في الحرج من حديث نتنياهو عن الاعتراف بيهودية الدولة وهذا ما عبر عنه الرئيس المصري الذي قال اذا أصر نتنياهو على هذا الشرط فانه لن يجد في مصر من يجلس معه وهذا ما دفع نتنياهو للاتصال مباشرة بمبارك لطمأنته بفحوى الخطاب، وإرسال عوزي أراد في زيارة سرية للقاهرة.
من الناحية الدولية يعرف رئيس وزراء دولة الاحتلال أن خطابه لم يكن كافيا لإرضاء الادارة الامريكية والرباعية الدولية التي رحبت كما إدارة اوباما بالخطاب لكنها اعتبرته غير كاف وهذا ما عبرت عنه الرباعية الدولة حين قالت بان الحديث يدور عن تغيير دراماتيكي في موقف نتنياهو. غير انه يشترط إقامة الدولة الفلسطينية بشرطين: عليها إن تكون مجردة وعلى الفلسطينيين ان يعترفوا باسرائيل كدولة الشعب اليهودي. نتنياهو لم يتحدث عن إخلاء مستوطنات، او حتى عن حلول وسط أليمة.
أما الادارة الامريكية فقد اعلنت بان السلام الاقتصادي هو فكرة جميلة ولكنه لا يقف بمفرده. نتنياهو حاول أن يهدئ مخاوف الأمريكيين والعرب من أن السلام الاقتصادي الذي يقترحه بأنه مناورة ترمي للسماح لإسرائيل بالتملص من إخلاء مناطق ومن إقامة دولة فلسطينية. لكنه فشل في ذلك فقد وصف الرئيس الأمريكي باراك أوباما خطاب بنيامين نتنياهو بالخطاب الناقص وغير الكافي، إلا أنه بارك الخطاب، وقال: "إن هناك تقدما ملموسا في خطاب نتنياهو حيث اعترف بالحاجة لدولتين".
وأضاف "لكن المطلوب الآن من إسرائيل أن تعمل على وقف البناء في المستوطنات"، موضحا أن الشروط التي طرحها نتنياهو في خطابه والتي تتضمن أن تكون المناطق الفلسطينية خالية من السلاح، وأن يتم الاعتراف بإسرائيل كدولة قومية لليهود، أمر غير مخيف.
وأشار إلى أن عقدة الخلاف الأمريكية الإسرائيلية، هي استمرار البناء في المستوطنات، منوها إلى أن جميع الأطراف تفهم أن استمرار البناء في المستوطنات بشكل غير قانوني، يشكّل عقبة في طريق السلام.
وطالب أوباما الفلسطينيين –حماس أو السلطة- بتلبية وتنفيذ الاتفاقيات السابقة، مدعيا أن هناك أمورا جوهرية متعددة لكل اتفاق تم التوقيع عليه، والتي من ضمنها –حسب قوله- الاعتراف بحق إسرائيل في الوجود، احترام الاتفاقيات السابقة، ووقف التحريض والعنف ضد إسرائيل.
ولفتت صحيفة يديعوت إلى أن نتنياهو توقع رد أوباما بشكل جيد، منوهة إلى أنه مستمر في عملية التسويق لخطابه.
** الاتحاد الأوروبي يرفض تحسين العلاقات
خلال اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوربي في القمة التي تعقد في لوكسمبورج ، أبدوا تقديرهم لخطاب نتنياهو، معتبرين أنها خطوة جيدة وصحيحة.
لكنهم اكدوا رفض الاتحاد الأوربي السير باتجاه اى تقدم فى تحسين العلاقات السياسية والاقتصادية مع إسرائيل، حتى يسير رئيس حكومة دولة الاحتلال قدما نحو مسار السلام مع الفلسطينيين.
بدوره قال وزير خارجية لوكسمبورج "زان اسلبرنق"، في نهاية اللقاء: "علينا أن نقرر اليوم بشكل واضح بأننا نستطيع التحدث عن تحسين العلاقات فقط عند الخروج إلى مسار السلام، ولذلك يتوجب القيام بخطوات إضافية.
وزير خارجية السويد "كارن بلديت"، قال "الخطاب ليس واضحا"، أما وزير الخارجية الايطالي "فرنكو فرتيني"، فقد أوضح بأنه قلق من حقيقة أن الخطاب لم يتطرق لتجميد المستوطنات .
أما وزير الخارجية البريطاني ميليبان، ثمّن ما جاء في الخطاب قائلا "بان نتنياهو يرى دولة فلسطينية مستقلة جزء من رؤيته للسلام في الشرق الأوسط"، إلا أنه أعرب عن ان بلاده تطالب بتجميد كلي للمستوطنات، أما وزير الخارجية الفرنسي، برنار كوشنير، انضم للموقف المناهض للبناء في المستوطنات.
** ترحيب اسرائيلى
خطاب نتنياهو لقى ترحيبا اسرائيليا واسعا فقد وصفه نائب رئيس الحكومة الإسرائيلية، موشي يعلون بانه «بلورة للإجماع الوطني الإسرائيلي مقابل الرفض الفلسطيني». وقال إنه يعبر عن رأي الأغلبية الصهيونية. وأشار إلى أن نتنياهو لم يأت بمواقف جديدة وكان قد طرحها في السابق.
وقال يعلون في حديث لإذاعة الجيش، إن "النقاش حول حل الدولتين مبتذل، لأن الحديث يدور عن دلالات لفظية. ماذا قال رئيس الوزراء قبل الخطاب؟ لا نريد السيطرة عليهم. أنا على استعداد لتقويتهم ليحكموا أنفسهم".
امتدحت وزيرة الخارجية السابقة ورئيسة "كاديما" تسيبي ليفني الخطاب واعتبرته "خطوة صحيحة في الاتجاه الصحيح".
وقالت ليفني، في جلسة لكتلة "كاديما"، إنه رغم أن هذه الخطوة متأخرة، وبتردد وتحت الضغط ومع استخدام كبير لكلمات "إذا" و"لكن"، إلا أنها في الاتجاه الصحيح.
ومن جهته قال وزير الحرب ورئيس حزب العمل، إيهود باراك، إن الخطاب مهم ويعكس المسؤولية والجدية والشجاعة. وبحسبه فإن "الخطاب يؤكد أن الحكومة الجديدة تتجه حقا إلى عملية السلام"، على حد تعبيره.
أوساط كبيرة في الشارع الإسرائيلي ترى بأن خطاب نتنياهو في جامعة "بار إيلان"، يشكل نجاحا كبيرا، سواءً في أوساط اليمين أو اليسار، حيث وجد أعضاء حزبي كاديما والليكود في خطاب نتنياهو ما يُخاطب قلوبهم.
ولفت استفتاء أجرته صحيفة هآرتس إلى أن شعبية نتنياهو شهدت ارتفاعا وقفزة نوعية تقدر بـ16%، حيث وصلت نسبة تأييده في الشارع الإسرائيلي إلى 44%، في حين أنها كانت قبل الخطاب 28%.
وذكرت هآرتس أن التأييد الشعبي لخطاب نتنياهو "منقطع النظير"، مع عدم الاكتراث للأسباب التي دفعت نتنياهو لهذا الخطاب، والتي تقف على رأسها الضغوط الأمريكية.
وجاء في الاستفتاء أن 71% من الإسرائيليين يؤيدون ما جاء في خطاب نتنياهو، وأنه تكلّم بصورة منطقية وجيدة، وأن الخطاب سيحسن من صورة إسرائيل في العالم.
وبالرغم من ذلك، لا يتوقع الإسرائيليون حدوث أي تغيُّر في المنطقة في أعقاب الخطاب، كما لا تتوقع الغالبية العظمى منهم قيام دولة فلسطينية في السنوات القادمة، ولن تكون هناك انفراجة في عملية السلام.
وتبين من الأرقام أن نتنياهو سيدعّم موقفه في الرأي العام الإسرائيلي، ليجعله قادرا على المناورة السياسية على هذا الأساس.