بابتسامة عريضة تمشي بين أزقة المخيم وكأنها تملك كل الدنيا، تمعن النظر حولها فترى حلقات الأطفال وهم يلعبون وتحركات الأغصان وهي تتمايل مع نسائم الهواء الطلق وجلسات النسوة في ساعات العصر، ثم ترسم ابتسامة أكبر تبرز وجنتيها اللتين كم حُفرت عليهما آثار الدموع.
ومن مخيم قلنديا شمال القدس إلى بلدة أبو ديس القريبة تتوجه المحررة سناء شحادة منذ أن تنسمت الحرية في صفقة وفاء الأحرار قبل عام، هناك بدأت تعليمها الجامعي فأنهت سنة دراسية ونصف... يشجعها الأمل الذي أضفاه الإفراج على حياتها بعد أن كان المحتل ينوي أن "تتعفن في السجون" بعد الحكم عليها بالسجن المؤبد خمس مرات و81 عاما!
الحرية أغلى
ومع مرور عام على تنفيذ الصفقة المشرّفة يعيش المحررون إنجازات لم يتخيلوا يوما أن تتحقق في ظل الأحكام الخيالية التي أصدرها المحتل عليهم كي يثبط عزائمهم ويدفن إراداتهم، ولكن الأمل بقي رفيقهم في عتمة الزنازين وأقبية التحقيق وإرهاق البوسطات حتى من الله عليهم بالإفراج بفضله وفضل جهود المقاومة.
وتقول المحررة سناء شحادة لـ"الرسالة نت" إنها تشعر وكأنها شخص آخر بعد التحرر خاصة بعد الحكم العالي الذي أصدره الاحتلال بحقها، مبينة بأنها تقوم بكل النشاطات اليومية والحياتية بشكل مختلف عما قبل الأسر فتشعر بلذة الحرية الآن.
وتضيف:" أنا وبفضل الله أقوم الآن بإكمال دراستي الجامعية وأعيش حياة رائعة في كنف والديّ اللذين صبرا كثيرا على اعتقالي لسنوات، وأتطلع إلى إنجازات أخرى بإذن الله في إطار تعليمي ومساعدة عائلتي".
وترى شحادة أن صفقة وفاء الأحرار فتحت الباب للكثيرين بتذوق طعم الحرية والعيش بعيدا عن تهديدات السجان المتواصلة بالتعفن في السجون والموت فيها، حيث أن الضباط كانوا دوما يسخرون من الأسرى إذا ما حلموا بالإفراج يوما، ويتوعدونهم بالبقاء فيها حتى بعد الموت.
وتتابع:" بفضل الله أولا والمقاومة ثانيا تحررنا وقهرنا السجان وقهرنا وعوداته الكاذبة، فهو لا يملك وعدا بل نحن من نملك الأمل".
وفي السياق ذاته يبين المحرر عباس شبانة من مدينة الخليل أن ذكرى صفقة الوفاء تمر على المحررين وكل منهم حقق إنجازا معينا في حياته الشخصية وإنجازا وطنيا بقهر المحتل في ظل الحرية.
ويقول شبانة لـ"الرسالة نت" إنه أكمل تعليمه الجامعي وتزوج بعد 20 عاما من الاعتقال وسيرزق قريبا بإذن الله بابنته الأولى، لافتا إلى أن المقاومة أهدت لعدد من الأسرى حياة جديدة يعيشونها بعد عذابات الأسرى وظلم السجان.
ويضيف:" نحن في هذه الذكرى نشكر الله تعالى على نعمه ونوجه الشكر لجهود المقاومة وندعوها لوفاء وعدها الثاني للأسرى المتبقين في السجون، ونقول لهم ألا ييأسوا ولا يقنطوا وأن يدعوا الله دوما حتى يتحقق حلمهم بالإفراج كما تحققت أحلامنا".
قيود مستمرة!
ولا شك أن الصفقة المشرفة كانت أمل الكثيرين للتخلص من ظلم السجون وتجبر السجان، فمنهم من أعياه المرض في الزنازين ومنعه المحتل من العلاج تحت إطار الإهمال الطبي، ومن بين أولئك المحرر فراس أبو شخيدم من مدينة الخليل.
ويوضح المحرر أبو شخيدم لـ"الرسالة نت" إنه كان يعاني من أمراض عدة في السجون وفقدان البصر بشكل جزئي ومنعه الاحتلال من العلاج بل كان يماطل في إجراء العمليات الجراحية له أو حتى الفحوصات، وهو الأمر الذي اضطره لخوض إضراب عن العلاج كي يبين للمحتل بأن الكرامة أغلى من أي شيء لدى الأسير.
وبفضل الله وحمده تمكن فراس من إجراء ثلاث عمليات جراحية بعد التحرر عقب عشر سنوات مريرة أمضاها تحت رحمة سياط المحتل، ولكن الأخير بقي يمنعه من مغادرة مدينة الخليل لمدة ثلاث سنوات على الأقل وهو الأمر الذي يمنعه من إجراء عملية رابعة لاستعادة بصره.
ويضيف:" البصر نعمة كبيرة للإنسان وهي الأهم بالنسبة لي ولكن الاحتلال يأبى إلا أن ينغص فرحة إفراجنا وحريتنا، ولكنني صابر بحمد الله وأعلم أن فرجا ثانيا سيتحقق لي كما نلت الحرية، وفي هذه المناسبة أحمد الله تعالى وأشكر المقاومة التي وعدت فأوفت".