رغم مرور عام على توقيع صفقة تبادل الأسرى بين حركة حماس والحكومة (الإسرائيلية) , إلا أن الأخيرة ما زالت تنظر إلى هذا الحدث على أنه انتكاسة سياسية واستراتيجية لها, لاسيما أن بعض القيادة العسكرية (الإسرائيلية) اعتبرت تنفيذ الصفقة تقويض لقوة ردعها بالمنطقة, فكيف ترى (إسرائيل) انجاز هذه الصفقة وما هي حدود رؤيتها المستقبلية لأي صفقة أخرى مع المقاومة.
وصفقة "تبادل الأسرى" وقعت بين حركة "حماس" و(إسرائيل) وتعد إحدى أضخم عمليات تبادل الأسرى العربية (الإسرائيلية) , حيث تم خلالها الإفراج عن 1027 أسيراً فلسطينياً من سجون الاحتلال مقابل أن تفرج حركة حماس عن الأسير (الإسرائيلي) جلعاد شاليط , وقد أعلن عن التوصل لهذه الصفقة في 11 أكتوبر 2011 بوساطة مصرية ,ليتم التنفيذ في 17 أكتوبر.
فشل..
مختصون بالشأن (الإسرائيلي) يؤكدون على أن (إسرائيل) بعد عام من الصفقة أثبتت فشل منظومتها العسكرية والأمنية في البحث عن جنودها وضعف تفاوضها مع المقاومة الفلسطينية, منوهين خلال أحاديث منفصلة للرسالة إلى أن (إسرائيل) اخذت الدروس والعبر من هذه الصفقة لاستخدامها ودراستها في حال حدوث أي صفقة تبادل اخرى مع المقاومة الفلسطينية خلال الفترة القادمة.
"مختصون: (إسرائيل) بعد عام من الصفقة أثبتت فشل منظومتها العسكرية والأمنية في البحث عن جنودها
"
المختص بالشأن (الإسرائيلي) حمد الله عفانة من الخليل يرى بأن (إسرائيل) اخترقت بنود صفقة التبادل باعتقالها لعدد من الأسرى المحررين في هذه الصفقة في الضفة, متابعا :"(إسرائيل) حريصة بشدة على عدم وقوع أي جندي (إسرائيلي) في الأسر بالتالي هناك تعليمات وتحذيرات من الموساد للمواطن (الإسرائيلي) بعدم التوجه للمناطق الخطرة كشرم الشيخ وسيناء وايلات وغيرها".
المختص بالشأن (الإسرائيلي) عمر جعارة من نابلس يؤكد على أن انجاز الصفقة يدلل على الفشل الذريع للمنظومة الأمنية (الإسرائيلية) وذلك باعترافات الجنرالات العسكرية والأمنية (الإسرائيلية) بعد عام على الصفقة, متابعا:" الصفقة أثبتت تآكل قوة الردع العسكرية لدى (إسرائيل) ما يجبرها على تغيير قواعد تعاملها مع أي صفقة اخرى مع المقاومة الفلسطينية في غزة".
ويرى مراقبون إسرائيليون متابعون لصفقة التبادل أن مزايا الصفقة لـ(إسرائيل) شملت التّركيز على البعد القيمي والذي يعد "انتصارا أخلاقيّا" لـ(إسرائيل) في علاقتها مع المجتمع والدّولة من جهة، والجيش وأفراده من جهة أخرى , أمّا السّلبيّات فتتمثل بالأضرار الإستراتيجيّة وانعكاساتها المباشرة على الأمن والعمليّة السّياسيّة (الإسرائيلية), أمّا استراتيجيّا، فيكمن في تقوّض قدرة الرّدع (الإسرائيلية) في مواجهة الأعداء لجهة تقديمها كدولة قابلة للابتزاز والإخضاع.
صفقة أخرى
وتوقيع الصّفقة (إسرائيليّا) يشير إلى أنّ حكومة رئيس الوزراء (الإسرائيلي) بنيامين نتنياهو أرادت تحقيق عدّة أهداف أهمها تخفيف العزلة الدوليّة عنها، والتّقليل من شأن الاحتجاجات الدّاخليّة التي تعصف بها, ورفع الضّغوط عن حكومة نتنياهو؛ خاصّة في ظلّ الانتقادات التي تتعرّض لها من الشّارع (الإسرائيلي) والمجتمع الدوليّ.
ويعود عفانة ليتابع حديثه :" (إسرائيل) تعلمت من تلك الصفقة كثيرا على الصعيد السياسي والأمني والعسكري, فغيرت من أساليب تفاوضها وتعليماتها وتحديدا مع جنودها في منطقة الحدود مع غزة ", مضيفا:" (إسرائيل) خرجت بتوصيات من أحد لجانها التي شكلتها الحكومة بسن قانون سيتم تطبيقه خلال المرحلة القادمة يقضي بعد اطلاق سراح أي أسير فلسطيني من السجون مقابل أي جندي (إسرائيلي) مختطف كي لا تشجع المقاومة على خطف مزيد من الجنود في المستقبل".
"(إسرائيل) قررت وضع أجهزة داخل جميع الجنود المتواجدين على الحدود بهدف معرفة أماكنهم في حال أسرتهم المقاومة الفلسطينية
"
كما يرى جعارة أن (إسرائيل) قررت ووفقا لما يتناوله الإعلام العسكري (الإسرائيلي) وضع أجهزة داخل جميع الجنود المتواجدين على الحدود بهدف معرفة اماكنهم في حال تم اسرهم من المقاومة الفلسطينية , مؤكدا أن (إسرائيل) اخذت الدروس والعبر من تلك الصفقة تحسبا لوقوع أي صفقة أخرى.
وكانت تسعى (إسرائيل) من خلال تنفيذ تلك الصفقة إلى التّشويش على المكاسب الشّعبيّة التي يسعى إلى تحقيقها رئيس سلطة رام الله محمود عبّاس إبّان مساعيه لنيل العضويّة الكاملة لدولة فلسطين في الأمم المتّحدة.
صورة مزيفة
وتحمل صفقة الأسرى الأخيرة الرّقم (38) لعدد الصّفقات التي أنجزت منذ عام 1948 بين العرب و(إسرائيل)، وكان لكلّ منها محدّداتها ومعطياتها وظروفها الخاصّة؛ إلّا أنّ هذه الصّفقة تنطوي على دلالات عدّة ذات صلة وثيقة بمغزاها الجوهريّ، فهي قد تكرّس واقعا سيتحكّم في عمليّات التّفاوض في حلّ أزمة المعتقلين الفلسطينيّين مستقبلا، لأنّها جاءت لتدحض فرضيّة، وهي تخلّي (إسرائيل) عن مقولة استحالة الإفراج عن معتقلين "أيديهم ملطّخة بدماء (الإسرائيليين).
"ما حققته (إسرائيل) في تلك الصفقة يكمن في توظيف قضيّة شاليط لصالحها منذ بدايتها وحتّى نهايتها
"
في السياق, ينوه المختص بالشأن (الإسرائيلي) عفانة أن ما حققته (إسرائيل) في تلك الصفقة يكمن في توظيف قضيّة شاليط لصالحها منذ بدايتها وحتّى نهايتها ، قائلا:" فعند وقوعه في الأسر رسمت له صورة خارجيّة مزيّفة، فتحوّل بفعل إعلامها من جنديّ في مهمة حربيّة يقصف المدنيّين في غزّة إلى جنديّ مسكين ضحيّة "إرهاب" فلسطينيّ بالتالي اعلاميا نجحت لكن تفاوضيا فشلت".
ويوافقه الرأي المختص جعارة والذي يؤكد على أن (إسرائيل) نجحت اعلاميا في صفقة التبادل , متابعا: "الصفقة أخذت حيزا اعلاميا كبيرا على الصعيد الدولي حيث أن أحد الأسباب المهمّة التي دفعت (إسرائيل) لتوقيع الصّفقة هو تحوّل قضيّة شاليط إلى قضيّة إجماع في المجتمع (الإسرائيلي)، وتأييد غالبيّة ساحقة من الرّأي العامّ (الإسرائيلي) لإبرام الصّفقة".
ورغم أهمية الصفقة إلّا أنّها قد لا تغيّر شيئا على أرض الواقع، خاصّة فيما يتّصل بإدارة الصّراع بين حركة حماس و(إسرائيل) لأنّ الأخيرة ترى نفسها في حالة حرب على المنظّمات (الإرهابيّة)، أمّا حماس فتعتبر الصّفقة بمنزلة انتصار لمفهوم المقاومة على مفهوم التّفاوض.