قائمة الموقع

المحرّرون .. بين عزلة السجن وسِعة الدنيا

2012-10-17T17:15:54+02:00
المحرّرون.. بين عزلة السجن وسِعة الدنيا
غزة - صابرين العابد

يدٌ منتجة استقت نهجها من نبع صحابة نبيها الذين هجروا من أرضهم عنوةً إلى الأرض الطيبة "يثرب" رافضين العيش من كسب الآخرين، وأبوا إلا أن يأكلوا من عرق جبينهم.. هذه حال المحررين الذين قضى بعضهم ما يزيد على خمسة عشر عاما في الأسر بعيدين عن أهلهم وذويهم وكل مشاريع الحياة ليخرجوا إلى معترك الحياة وصخبها ينتظرهم تأسيس بيت وتوفير عمل والانخراط في المجتمع بعد أن كانوا بين جدرانٍ أربع.

"الرسالة" قابلت محررين من القطاع خرجوا إلى بيوتهم دون أن يعرفوها بفعل ما جار عليها من الزمن، فبدأ كل منهم بالاجتهاد والتشمير عن ساعديه لبناء أسرةٍ جديدةٍ.

يذكر أن حركة المقاومة الإسلامية حماس أنجزت صفقة أطلق بمقتضاها سراح 1027 أسيرا فلسطينيا على مرحلتين برعاية مصرية، وجرت المرحلة الأولى من الصفقة في 18 أكتوبر الماضي حين أفرج عن 477 أسيرا لحقهم 550 آخرون في المرحلة الثانية.

"

المحرر فهد لم يستطع إخفاء فرحته بالذكرى السنوية الأولى لتحرره وإخوانه من خلف القضبان

"

تخطي أولى العثرات

المحرر فهد زقزوق الذي قضى 19 عاما في سجون الاحتلال من مخيم جباليا لم يستطع إخفاء فرحته بالذكرى السنوية الأولى لتحرره وإخوانه من خلف القضبان المظلمة الممزوجة بالحزن لما لاقوه من تحديات الحياة وصعابها.

وقال زقزوق في حديث لـ"الرسالة": "استطعت كسر هاجس الخوف من الدخول في معترك الحياة بداية باندماجي في المجتمع ووضع اللبنة الأولى لي فيها بزواجي من فتاة غزيّة لبناء أسرتنا، ثم التحاقي بمقاعد الدراسة في جامعة الأقصى"، مضيفا أنه سعى جاهدا من باب حبه للعمل وإثبات وجوده في المجتمع لاستئجار استراحة على شاطئ البحر كمشروعٍ أولي له.

أما المحرران (جهاد غبن وثائر الكرد) اللذين أمضيا 23 عاما ونصف في سجون الاحتلال فاشتركا مع المحرر المبعد إلى غزة نمر الحج محمد (من الضفة الغربية) في مشروع "منشار حجر" للحجار القدسية ذات الجودة العالية، "لكن المشروع لهذا اليوم منذ عام لم يحقق رواجه ونجاحه"، وفق غبن.

وأرجع المحرر السبب في عدم نجاح المشروع إلى كثرة التجار الفلسطينيين أصحاب الخبرة والاحتراف التجاري، "بالإضافة إلى أننا قليلو الكفاءة في مثل هذه الأعمال نظرا لتغيبنا الطويل عن الحياة".

الكرد بيّن من جهته أنه رغم التحديات والعقبات التي واجهوها بداية مشروعهم "منشار حجر" فإنهم استفادوا كثيرا من تكوين المعارف والعلاقات واكتساب الخبرات، "ومعرفة الأخطاء لإمكانية تصحيحها في الأيام والمشاريع المقبلة"، متمنيا من الله أن يكون عامهم الثاني بواقعٍ أفضل.

وذكر إلى جانب نهوضهم الشخصي بأنفسهم ومشاريعهم الخاصة من زواج وتعليم وعمل أن جمعية الإغاثة الإسلامية أنشأت بالتعاون مع برنامج دول الخليج لإعادة إعمار غزة مشروعا لتأهيل الأسير اجتماعيا وصحيا وتعليميا وتمكينه من الاندماج مع طبقات المجتمع المختلفة.

"

المحرر زقزوق: استطعت كسر هاجس الخوف من الدخول في معترك الحياة بداية باندماجي في المجتمع

"

إخفاق ونجاح!

ومن الأمثلة الأخرى لمحررين من صفقة وفاء الأحرار ممن افتتحوا مشاريع لهم المحرر (جميل الباز) وهو صاحب مكتب تاكسيات في غزة، فهو كغيره ممن انضم للعمل بشراكة آخرين في مطعم أو صالون حلاقة.

وبينما لم يفلح بعضهم في تحقيق النجاح بداية حياتهم ومشاريعهم التجارية الجديدة فإن آخرين استطاعوا تخطي سلم النجاح مثل صاحب "محل لامي" للملابس للمحرر فادي الجعبة، وأصحاب مشروع لبيع الأحذية كـ"محلات الخليلي" في الشيخ رضوان للمحررين ماجد الجعبة وعرفات النتشة.

ورغم إخفاقهم المرحلي في استمرار مشاريعهم فإن زقزوق وغبن والكرد وغيرهم لم ييأسوا أو يكلّوا من المحاولة، فهم وفق قولهم لم يروا إلا القليل من حياتهم موكلين أمرهم لخالقهم الذي منّ عليهم بالتحرر والإفراج بأن ييسر أمور حياتهم ويحرر باقي إخوانهم.

"

بينما لم يفلح بعضهم في تحقيق النجاح بداية حياتهم ومشاريعهم التجارية الجديدة فإن آخرين استطاعوا تخطي سلم النجاح

"

لغة السلاح والبندقية

رئيس رابطة المحررين توفيق أبو انعيم قال بدوره إن العام الأول للمحررين في وفاء الأحرار كان إطلالة على الحياة وتجربة لها ولواقعها، "وفحصا لأجوائها لإمكانية معرفة حجر الأساس لهم".

ولفت أبو انعيم إلى أن الشخص الذي ينقطع عن الحياة الخارجية لا يمكن له أن يتأقلم معها وينخرط فيها خلال سنة واحدة، "فالأمر بحاجة للصعود درجة درجة حتى لا يتعثر"، مبينا أن لا أحد يدرك ذلك إلا من ذاق السجن وجرّب البعد والبقاء بين جدرانٍ أربعة.

وحول أهم ما حققه المحررون بعد مرور عامٍ على خروجهم من ظلم السجن أوضح أن الحرية وكسر القيد وتنفسهم الهواء الطلق كان أعظم مشروع في حياة أصحاب المؤبدات والمحكوميات العالية تحديدا.

وذكر رئيس رابطة الأسرى المحررين أن أحلام الإنسان عموما كثيرة ومختلفة المعايير والأهمية، "وتحقيقها كلها يحتاج وقتا وإمكانات"، موضحا أن المحررين حققوا جزءا كبيرا مما كانوا يحلمون به بالتحرر والزواج واستكمال بعضهم دراسة البكالوريوس والماجستير، "بالإضافة إلى اندماجهم في سوق العمل".

ونقل أبو انعيم مطالب الأسرى المتمثلة في الاستقرار الوظيفي، موجها النصيحة لهم بأن يتحدوا الصعاب وألا يكترثوا بعدم تحقيق كل ما يطمحون له، "بالإضافة إلى سعيهم للوقوف إلى جانب شعبهم، وألا ينسوا إخوانهم الذين لا يزالون في الأسر".

وكان الدكتور عطا الله أبو السبح وزير الأسرى قد قال خلال مؤتمر صحافي أمام منزل الأسير حسن سلامة إن تحرير الأسرى دين في عنق جميع الفلسطينيين، "فالاحتلال لا يفهم إلا لغة واحدة هي لغة السلاح والبندقية"، داعيا المقاومة إلى أسر مزيد من جنود الاحتلال للوفاء بوعد الأسرى وتحقيق أمنياتهم بالحرية.

اخبار ذات صلة